الدرس 1137 _كتاب الخمس 17
وأمَّا بالنِّسبة للميراث، فقد ذكر بعض الأعلام، كأبي الصَّلاح الحلبيّ (رحمه اﷲ) وغيره، أنّه يُخمّس مطلقاً كالهبة والهدية.
وبعضهم منع من ذلك، وقال: (لا خمس فيه أصلاً).
وذهب ثالث إلى التَّفصيل بين الإرث المحتسَب، فلا خمس فيه، وبين الإرث غير المحتسَب، فيجب فيه الخُمُس، كما لو كان له رحمٌ بعيدٌ في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات، وكان هو الوارث له.
والإنصاف: أنَّ هذا القول الثَّالث أي القول بالتَّفصيل هو الصَّحيح. وأمَّا بالنِّسبة لوجوب الخُمُس في ما لا يُحتسب، فقد دلّت عليه صريحاً صحيحة ابن مَهْزِيار.
وأمَّا بالنِّسبة لعدم الخُمُس في ما يُحتسب، فهو ليس لأجل صحيحة ابن مَهْزِيار؛ لأنَّ دلالتها على عدم الخُمُس فيه إنَّما هي بالوصف، وقد عرفت أنَّ الوصف ليس له مفهوم، وإنَّما ذهبنا إلى عدم الخُمُس فيه؛ لعدم تعارف الخُمُس فيه بين المسلمين في زمان النَّبيّ (ص)، ولا بين الشِّيعة، في عصر أحد من أئمَّة (عليهم السلام)، وإلاَّ لامتنع عادةً خفاء مثل هذا الحكم أي وجوب صرف خمس المواريث مع عموم الابتلاء به على النِّساء والصُّبيان من المسلمين، فضلاً عن صيرورته خلافيّاً بين العلماء أو صيرورة خلافه مشهوراً.
وهذا بخلاف الميراث الَّذي لا يُحتسب، فإنَّه لُندرته لا يكون محلاًّ للابتلاء، فلا يأتي فيه مثل هذا الكلام.
ومنها: رواية يزيد المتقدِّمة (قَاْل: كتبتُ جُعلتُ لك الفداء! تُعلّمني ما الفائدة، وما حدُّها؟ رأيك أبقاك اﷲ! أن تمنّ عليّ ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام، ولا صلاة لي ولا صوم، فكتب: الفائدة ممَّا يُفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة)([1])، وهي واضحة جدّاً في عموم الخُمُس لمطلق الفائدة، لاسيّما إذا قلنا: إنَّ الجائزة والهديّة والهِبة ليست تكسُّباً، كما هو رأي أغلب الأعلام. ولكنَّها ضعيفة بجهالة يزيد الكاتب، وجهالة المكتوب إليه.
ومنها: رواية عليّ بن الحسين بن عبد ربّه (قَاْل: سرَّح الرِّضا (عليه السلام) بصلةٍ إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل عليَّ في ما سرَّحت إليَّ خُمُس؟ فكتب إليه: لا خُمُس عليك في ما سرَّح به صاحب الخُمُس)([2])، وهي ظاهرة جدّاً في أنَّ الوجه في عدم الخُمُس هو كون المسرّح به صاحب الخُمُس، لا لكونه تسريحاً. ولكنَّها ضعيفة بسهل بن زياد.
وأمّا علي بن الحسين بن عبد ربّه، فقد وردت رواية لطيفة في حقّه، وهي ما رواه محمَّد بن مسعود الكشيّ (قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ ربّه (اﷲِ) يَسْأَلُهُ الدُّعَاءَ فِي زِيَادَةِ عُمُرِهِ حَتَّى يَرَى مَا يُحِبُّ! فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي جَوَابِهِ: تَصِيرُ إِلَى رَحْمَةِ اﷲِ خَيْرٌ لَكَ، فَتُوُفِّيَ الرَّجُلُ بِالْخُزَيْمِيَّةِ)([3])، أي مات بالخزيمية في المنصرف من سنته، وكان وكيلاً لأبي الحسن الهادي (عليه السلام)، إلى غير ذلك من الرِّوايات الكثيرة الدالّة على وجوب الخمس في هذا النوع.
ويبقى الكلام في مهر الزَّوجة، وعِوض الخُلع:
أمَّا المهر، فالمعروف بين الأعلام أنَّه لا خُمُس فيه، قال في الحدائق: (وأمَّا عدّ الصِّداق في ذلك أي في ما يجب فيه الخمس فلم أقف على قائل به، ولو قيل به فالظَّاهر أنَّه ليس من قبيل هذه؛ لأنَّ الصِّداق عوض البِضع، كثمن المبيع، فلا يكون من قبيل الغنيمة...)([4]).
وأشكل عليه السّيِّد الحكيم (رحمه اﷲ) في المستمسك: بأنَّه (لو سُلّم أنَّه عوض البِضع، إلاَّ أنَّه لا يُجدي؛ إذ يكون حاله حال الأُجْرة الَّتي هي عِوض العمل، ولذا عدّهما المهر وعوض الخِلع في نجاة العبادة في سلك الهِبة والهديّة وغيرهما من أفراد الفائدة)([5]).
أقول: إنَّ قياس ما نحن فيه بباب الإجارة، في غير محلِّه:
أوَّلاً: لأنَّ الخُمُس في باب الإجارة منصوصٌ عليه، كما في صحيحة عليّ بن مَهْزِيار (قال لي أبو عليّ بن راشد إلى أن قال: قلتُ: والتاجر عليه والصَّانع بيده؟ فقال: ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم)([6])، وكذا غيرها.
وأمَّا ثانياً: فلأنَّه لا إشكال في عدم الخُمُس في المهر؛ لعدم معلوميته منذ عصر الأئمَّة (عليهم السلام)؛ إذ لو كان ثابتاً لنُقِل إلينا ذلك، ولو بخبر واحد، لامتناع خفاء مثل هذا الحكم حتى على النِّساء والصّبيان مع عموم الابتلاء به.
أضف إلى ذلك: أنَّ هناك تسالماً بين الأعلام على عدم وجوب الخُمُس فيه قديماً وحديثاً.
نعم، الأحوط دفع خُمُسه خروجاً عن شبهة الخلاف.
وأمَّا عِوض الخُلع، فإنَّ حكمه يُعلم ممَّا ذكرنا، فلا حاجة للإعادة، واﷲ العالم بحقائق أحكامه.
([1]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح7.
([2]) الوسائل باب 11 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح2.
([3]) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) للشيخ الطوسي ج2، ص797.
([4]) الحدائق: ج12، ص324.
([5]) المستمسك: ج9، ص524.
([6]) الوسائل باب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح3.