الدرس 207_ في آداب التجارة (9).جملة من مستحبات ومكروهات التجارة
الدرس 207 / الخميس: 14-تشرين الأول-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتجنُّب التِّجارة في بلد يُوبَق فيه الدِّين، (انتهى كلامه)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه يكره التِّجارة إلى بلد يكون الطَّريق إليه موبقاً للدِّين، أي مهلكاً، أو يكون البلد نفسه موبقاً للدِّين، والمراد: احتمال الهلاك، وإلاَّ فتحرم بلا إشكال.
وقد استدل للكراهة بجملة من الروايات:
منها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام): «أنَّهما كرها رُكُوبَ البَحْر للتِّجارة»[1]f458.
ومنها: حسنته عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنَّه قال في ركوب البحر للتِّجارة: ويغرِّر الرَّجل بدينه»[2]f459.
ومنها: موثَّقة عبيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: كان أبي يَكْره ركوب البحرِ للتَّجارة»[3]f460.
ومنها: موثقة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنَّه كَرِه ركوبَ البحر للتِّجارة»[4]f461.
ومنها: حسنة عليِّ بن أسباط «قَاْل: حملتُ معي متاعاً إلى مكَّة فبار عليَّ، فدخلتُ به المدينة على أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام)، وقلتُ له: إنِّي حملتُ متاعاً قد بار عليَّ، وقد عزمت أنْ أصير إلى مصرَ، فأركب برّاً أو بحراً، فقال: مصر الحتوف يقيَّض لها أقصر النَّاس أعماراً، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ما أجمل في الطَّلب مَنْ ركبَ البحرَ»[5]f462، أي لم يجمل في الطلب، والحتوف الهلاك، وقيَّض: أي سبَّب وقدَّر، وبار عليَّ: أي كَسَد وتعطَّل.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: أو يصلَّى فيه على الثَّلج. (انتهى كلامه)
(1) تدلُّ على ذلك موثَّقة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إنَّ رجلاً أتى أبا جعفر (عليه السلام)، فقال: أصلحك الله! إنَّا نتَّجر إلى هذه الجبال، فنأتي منها على أمكنة لا نقدر أن نصلِّي إلاَّ على الثَّلج، فقال: أفلا ترضى أن تكونَ مثل فلان؟! يرضى بالدُّون، ثمّ قال: لا تطلب التِّجارة في أرضٍ لا تستطيع أن تصلِّي إلاَّ على الثَّلج»[6]f463، وهي، وإن كانت ضعيفةً بطريق الكليني بمحمَّد بن عليِّ، إلاَّ أنَّها موثَّقة في التَّهذيب؛ لأنَّ محمَّد بن زياد الوارد في السَّند هو ابن أبي عمير.
ثمَّ إننا قد ذكرنا في مبحث مكان المصلِّي الرِّوايات النَّاهية عن الصَّلاة على الثَّلج، وقلنا: إنَّها محمولة على الكراهة؛ لأنَّ السُّجود إنَّما هو على شيء يصحُّ السُّجود عليه.
ولعلَّ الحكمة في الحكم بالكراهة هو عدم التَّمكُّن من كمال الاستقرار، أو عدم حصول التوجُّه والإقبال لما يجده من ألم البرد.
وأمَّا الأخبار النَّاهية عنِ السُّجود على الثَّلج، فيحمل النَّهي فيها عنِ الصَّلاة على الثَّلج، فيكون إطلاق السُّجود عليها من قبيل إطلاق الرَّقبة على الإنسان، فراجع[7]f464.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويستحبُّ التَّعرُّض للرِّزق، وإن لم يكن له بضاعة كثيرة، فيفتح بابه ويبسط بساطه. (انتهى كلامه)
(1) يدلُّ على ذلك جملة منَ الرِّوايات:
منها: حسنة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج «قال: كان رجل من أصحابنا بالمدينة، فضاق ضيقاً شديداً، واشتدَّتْ حالُه، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): اِذهب فخُذْ حانوتاً في السُّوق، وابسط بساطاً، وَلْيكن عندك جرَّة وماء، والزم بابَ حانوتِك، ثمَّ ذَكَر أنَّه فَعَل ذلك، وصَبَر، فرزقه الله، وكثر مالُه وأثرى»[8]f465.
ومنها: رواية أبي عمارة الطَّيَّار المتقدِّمة في أوَّل كتاب المكاسب «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ مَالِي، وَتَفَرَّقَ مَا فِي يَدِي، وَعِيَالِي كَثِيرٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): إِذَا قَدِمْتَ الْكُوفَةَ، فَافْتَحْ بَابَ حَانُوتِكَ، وَابْسُطْ بِسَاطَكَ، وَضَعْ مِيزَانَكَ وَتَعَرَّضْ لِرِزْقِ رَبِّكَ، قَالَ: فَلَمَّا أَنْ قَدِمَ فَتَحَ بَابَ حَانُوتِهِ، وَبَسَطَ بِسَاطَهُ، وَوَضَعَ مِيزَانَهُ، قَالَ: فَتَعَجَّبَ مَنْ حَوْلَهُ بِأَنْ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ قَلِيلٌ، وَلَا كَثِيرٌ مِنَ الْمَتَاعِ، وَلَا عِنْدَهُ شَيْ ءٌ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اشْتَرِ لِي ثَوْباً، قَالَ: فَاشْتَرَى لَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، وَصَارَ الثَّمَنُ إِلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي ثَوْباً، قَالَ: فَطَلَبَ لَهُ فِي السُّوقِ، ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ ثَوْباً، فَأَخَذَ ثَمَنَهُ، فَصَارَ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ التُّجار يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! إِنَّ عِنْدِي عِدْلاً مِنْ كَتَّانٍ، فَهَلْ تَشْتَرِيهِ وَأُؤَخِّرَكَ بِثَمَنِهِ سَنَةً؟ فَقَالَ: نَعَمْ، احْمِلْهُ وَجِئْنِي بِهِ، قَالَ: فَحَمَلَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِتَأْخِيرِ سَنَةٍ، قَالَ: فَقَامَ الرَّجُلُ فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَاهُ آتٍ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُمَارَةَ! مَا هَذَا الْعِدْلُ؟ قَالَ: هَذَا عِدْلٌ اشْتَرَيْتُهُ، قَالَ: فَبِعْنِي نِصْفَهُ، وَأُعَجِّلَ لَكَ ثَمَنَهُ، قَالَ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، وَأَعْطَاهُ نِصْفَ الْمَتَاعِ، وَأَخَذَ نِصْفَ الثَّمَنِ، قَالَ: فَصَارَ فِي يَدِهِ الْبَاقِي إِلَى سَنَةٍ، قَالَ: فَجَعَلَ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ الثَّوْبَ وَالثَّوْبَيْنِ وَيَعْرِضُ وَيَشْتَرِي وَيَبِيعُ حَتَّى أَثْرَى وَعُرَضَ وَجْهُهُ وَأَصَابَ مَعْرُوفاً»[9]f466.
وقلنا سابقاً: إنَّها ضعيفة بأبي عمارة الطَّيَّار، فإنَّه مهمل.
ثمَّ إنَّ قوله: «أثرى»، أي صار ذا مال كثير، وقوله: «عرض وجهه»، أي صار معروفاً عند النَّاس، وقوله: «أصاب معروفاً»، أي مالاً، وكذا غيرها منَ الرِّوايات.
[1] الوسائل باب 67 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[2] الوسائل باب 67 من أبواب ما يكتسب به ح2.
[3] الوسائل باب 67 من أبواب ما يكتسب به ح4.
[4] الوسائل باب 67 من أبواب ما يكتسب به ح5.
[5] الوسائل باب 67 من أبواب ما يكتسب به ح7.
[6] الوسائل باب 68 من أبواب ما يكتسب به ح1.
[7] مسالك النفوس إلى مدارك الدروس: المجلد الثاني من كتاب الصلاة: ص467 إلى 469.
[8] الوسائل باب 15 من أبواب مقدمات التِّجارة ح4.
[9] الكافي: ج5، ص304، ح3.