الدرس 44 _زكاة الأنعام 16
وأمَّا على الثَّاني أي الضَّمان : فهو أيضاً متفرِّع على محلِّ الوجوب، فلو تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة.
وإن شئت قلت: أربعة أجزاء شاة من أربعمائة جزء، ولو كانت ناقصةً عن الأربعمائة، ولو واحدة، وتلف منها شيء لم يسقط من الفريضة شيء، ما دامت الثَّلاثمائة وواحدة موجودة، لوجود النِّصاب، والزَّائد عفو، والفريضة إنَّما تتعلَّق به، دون العفو، وكذلك القول في مائتين وواحدة، وثلاثمائة وواحدة على القول الآخر.
والخلاصة: أنَّ هذا الكلام متين، وبه تظهر الثَّمرة.
ولكن ناقش صاحب المدارك (رحمه الله) في هذه الثَّمرة، حيث قال: «لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شيء من الفريضة في صورة النَّقص عن الأربعمائة؛ لأنَّ مقتضى الإشاعة توزيع التَّالف على الحقَّيْن وإن كان الزَّائد على النِّصاب عفواً، إذ لا منافاة بينهما، كما لا يخفى على المتأمِّل».
وحاصل كلامه: أنَّ الزَّكاة تتعلَّق بالعين، فهي حصَّة مشاعة في مجموع هذا الغنم، فكون الزَّائد عفواً معناه عدم كونه مؤثِّراً في إيجاب شيء زائد على ما يوجبه النِّصاب، لا كونه ممتازاً عمَّا تعلَّق به حقُّ الفقير.
والجواب عن هذه المناقشة: أنَّ هذا الكلام إنَّما يتمُّ لو كان النِّصاب حصَّة مشاعة في مجموع المال، وليس الأمر كذلك، وإنَّما هو عنوان كلِّي، فلو كان عنده خمسون من الغنم، فإنَّ النِّصاب هو الأربعون في ضمن هذه الخمسين، فلو تلفت واحدة أو اثنتين أو ثلاثة مثلاً، فالنِّصاب باقٍ فيجب فيه شاة.
وبالجملة، فإنَّ هذا التَّالف لا يكون مانعاً عن صدق الكلِّي، فهو نظير ما لو باع صاعاً من صبّرة على نحو الكلِّي في المعين، فلو تلفت بعض أجزاء الصّبرة فلا يكون مانعاً من صدق الصَّاع المباع من الصّبرة.
ولقد أطال المصنِّف (رحمه الله) في شرح الإرشاد في كيفيَّة ظهور الفائدة في محلِّ الوجوب في الضَّمان، ونقل جملة من الأقوال للمحقِّق والعلاَّمة وولده فخر المحقِّقين (رحمهم الله).
ولكن بالتأمُّل: يظهر أنَّ مرجع الجميع مقارب لما قلناه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والشَّاة المأخوذة هنا، وفي الإبل، أقلّها الجَذْع من الضَّأن لسبعة أشهر. وقيل: ابن الهرمين لثمانية أشهر، والثَّنيّ من المعز بالدُّخول في الثَّانية(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ الواجب في الشَّاة التي تؤخذ في الزَّكاة من الغنم والإبل أن يكون أقلّه جَذْعاً من الضَّأن وثنيّاً من المعز، بل في الرِّياض: ليس فيه مخالف يعرف، بل عن الغنية والخلاف: دعوى الإجماع عليه.
وقيل: بأنَّه ما يسمّى شاةً، ولكن قال في مفتاح الكرامة: «قد اعترف جماعة بعدم معرفة قائله يعني بين القدماء ، ووافقه على ذلك جماعة من أفاضل المتأخرين كأبي العباس في الموجز والصيمري في شرحه، ومال إليه المولى الأردبيلي، والخراساني...»، وفي الحدائق: «وهو الأصحُّ، وإليه ذهب جملة من أفاضل متأخِّري المتأخِّرين...».
وقدِ استدلَّ صاحب المدارك (رحمه الله) لهذا القول بعد أن اختاره «بإطلاق قوله (عليه السلام): في خمس من الإبل شاة، وفي أربعين شاة شاة...».
وبالجملة، فقد استدلَّ أصحاب هذا القول ومنهم صاحب الحدائق (رحمه الله) بإطلاق الأخبار المتقدِّمة في نُصُب الغنم والإبل.
هذا، وقد ناقش صاحب الجواهر (رحمه الله) في ثبوت هذا الإطلاق، حيث ذكر أنَّ الإطلاق الصَّادر في الرِّوايات إنَّما هو في مقام إظهار حدّ النُّصب، وتمييز نصب الشَّاة عن نصب الإبل.
وحاصل ما ذكره: أنَّه ليس في مقام البيان من هذه الجهة.
والإنصاف: أنَّ مناقشة صاحب الجواهر (رحمه الله) في الإطلاق ليست تامَّة؛ إذ لا فرق بين هذه المطلقات، وبين غيرها من المطلقات الواردة في مقام البيان، والتي يتمسَّك بها لإثبات الأحكام، ففي حسنة الفضلاء المتقدِّمة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): «قالا في صدقة الإبل: في كلِّ خمسٍ شاة...»، ولا قصور في هذا الإطلاق، وكذا قولهما (عليهما السلام) فيها: «في كلِّ أربعين شاة شاة...»؛ إذ هما (عليهما السلام) في مقام بيان الواجب، ولا تقيّد الشّاة بكونها جَذْعاً من الغنم، أو ثنيّاً من المعز.
وأمَّا القول: بأنَّ الشَّاة منصرفة عن السَّخل، وهو أوَّل ما تلد الشّاة فيقال لولدها: سخلة للذكر والأنثى في الضَّأن والمعز، فلا يضرّ في المقام لشمول الشّاة لما دون الجَذْع ودون الثَّني ولو بيوم قطعاً، حيث لا يحتمل أن يكون جَذْعاً بعد تمام السَّبعة أشهر على قول المشهور ولا تكون كذلك قبل ذلك بيوم.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ الإطلاق ثابت.
هذا، وقدِ استدلَّ لتقييد الشّاة بالجذع من الغنم والثَّني من المعز كما هو مذهب المشهور حيث إنَّ الواجب عندهم أقلّه جذعاً من الغنم وثنيّاً من المعز بروايتين:
الأولى: رواية سويد بن غفلة «أتانا مصدّق رسول الله (ص)، وقال: نهينا أن نأخذ المراضع، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنيَّة»([1]).
قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «والظَّاهر أنَّ الخبر المذكور عاميّ، فإنَّه غير موجود في أصولنا».
والإنصاف: أنَّها ضعيفة سنداً ودلالةً:
أمَّا سنداً، فلما ذكره صاحب الحدائق (رحمه الله)، فإنَّها لم ترد من طرقنا أصلاً، ولا توجد في أخبارنا، فهي ضعيفة جدّاً.
وأمَّا القول: بأنَّ عمل المشهور جابر لها.
ففيه أولاً: أنَّه لم يحرز استناد المشهور في الفتوى إليها، بل كثير من المتقدمين لم يذكرها، فكيف يحرز استنادهم إليها؟!
وثانياً: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ عمل مشهور المتقدمين لا يكون جابراً لضعف السند.
وأمَّا ضعفها من جهة الدَّلالة، فأوّلاً: لم يعلم من هو الآمر والنَّاهي، حيث قال: «وأُمرنا».
وثانياً: لو كان مستند المشهور هذه الرِّواية لاشترطوا الأنوثة في الجذعة والثَّنية؛ لأنَّ مورد الرِّواية الجذعة والثَّنية، مع أنَّهم لم يشترطوا ذلك.
وثالثاً: أنَّه ليس في الرواية دلالة على إرادة الجذع من الغنم والثَّني من المعز، فلعلَّ موردها الجذع والثَّني من البقر والبعير.
لكن قد يجاب عن الأخير: بما عن العلامة (رحمه الله) في موضع من التذكرة، حيث أرسل عن سويد بن غفلة «أنَّه قال: أتانا مصدّق رسول الله (ص) فقال: أمرنا أن نأخذ الجذع من الضّأن والثّني من المعز، فلا إشكال من هذه الجهة بناء على ثبوت الرواية ».
كما أنَّه قد يجاب عن الإشكال الأوَّل في الدَّلالة: بأنَّ الظَّاهر من قوله: «أُمرنا ونُهينا» في مقام الإلزام أنَّ الآمر والنَّاهي في ذاك الزَّمان هو النَّبي (ص)؛ إذ لا أثر لأمر غيره.
والخلاصة: أنَّه حتى لو تمت الدَّلالة فإنَّ الإشكال السَّندي يبقى.
([1]) الخلاف ج2 ص24، وقريب منه في سنن أبي داود: 2/102، وسنن النسائي: 5/30.