الدرس 45 _زكاة الأنعام 17
الرِّواية الثَّانية: مرسلة عوالي اللآلي عنه (ص) أنَّه «أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضَّأن والثَّنية من المعز إلى أن قال : ووجد ذلك في كتاب عليٍّ (عليه السلام)»([1]).
وفيه: أنَّها ضعيفة بالإرسال، مضافاً لما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنَّ صاحب الحدائق (رحمه الله) طعن على المؤلِّف والمؤلَّف، مع أنَّه ليس من دأبه المناقشة في الأسانيد.
وأمَّا القول: بأنها مجبورة بعمل المشهور، فقد عرفت الجواب عنه، لا سيما أنَّ هذه الرِّواية لا أثر لها عند المتقدِّمين، وإنَّما هي موجودة في كتاب عوالي اللآلي المتأخر كثيراً عن زمن المتقدِّمين، فكيف يحرز استنادهم إليها؟!
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه جملة من المتأخرين منهم صاحب المدارك والحدائق (رحمهم الله) من الاكتفاء بمطلق الشَّاة هو الأقوى.
نعم، الأحوط استحباباً العمل بقول المشهور.
ثمَّ إننا لو اعتبرنا قول المشهور، وأنَّ الشَّاة هي الجذع من الضَّأن والثَّني من المعز، إلاَّ أنَّه وقع الخلاف في تحقيق مفهوم الجذع والثَّني، فقد اختلفت كلمات الأعلام واللغويين في تفسيرهما:
أمَّا الثّني، فقد ذهب المشهور إلى أنَّه في البقر والغنم ما دخل في السَّنة الثَّانية، وفي الإبل ما كمل له خمس سنين، ودخل في السَّادسة.
وذكر صاحب كشف اللثام (رحمه الله) أنَّ ذلك هو المقطوع به في كلام الأصحاب.
والمعروف عند بعض اللغويين أنَّ الثَّني ما دخل في الثالثة، قال ابن منظور في لسان العرب: «الثَّنِيُّ الذي يُلْقِي ثَنِيَّته، ويكونُ ذلِكَ في الظِّلْفِ والحافِرِ في السَّنَةِ الثالثَةِ، وفي الخُفِّ في السَّنَةِ السادِسَةِ» وقال في القاموس: «الثَّنية: ... والنَّاقة الطَّاعنة في السَّادسة، والبعير: ثني والفرس الدَّاخلة في الرَّابعة، والشَّاة في الثَّالثة كالبقرة».
وذكر العلاَّمة (رحمه الله) في موضع من التَّذكرة والمنتهى في باب الزَّكاة: «أنَّ الثَّني من المعز ما دخل في الثَّالثة»، هذا كلُّه بالنِّسبة للثَّني.
وأمَّا الجذع من الضَّأن، ففي الصِّحاح والمجمل والمغرب وفقه اللغة للثَّعالبي وأدب الكاتب والمفصل والسَّامي والخلاص أنَّه الدَّاخل في السَّنة الثَّانية.
وقال ابن منظور في لسان العرب: «واختلفوا في وقت إجذاعه، فقال أبو زيد: في أسنان الغنم، المعزى خاصة إذا أتى عليها الحول، فالذّكر تيس، والأنثى عنز، ثمَّ يكون جذعاً في السَّنة الثَّانية والأنثى جذعة، ثمَّ ثنياً في الثَّالثة ثم رباعيّاً في الرَّابعة، ولم يذكر من الضَّأن وقال ابن الأعرابي: الجذع من الغنم لسنة، ومن الخيل لسنتين، قال: والعناق يجزع لسنة، وربّما أجزعت العناق قبل تمام السَّنة للخصب، فتسمن فيسرع إجذاعها، فهي جذعة لسنة، وثنيَّة لتمام سنتين، وقال ابن الأعرابي في الجزع من الضّأن: إن كان ابن شابين اجزع لستة أشهر إلى سبعة أشهر، وإن كان ابن هرمين أجزع لثمانية أشهر، إلى أن قال وقيل: الجذع من المعز لسنة، ومن الضّأن لثمانية أشهر أو تسعة».
وأمَّا أقوال الفقهاء، ففي المهذَّب والغنية والإشارة: «أنَّه الذي لم يدخل في الثَّانية» وعن الصَّدوقين والشَّيخين وسلاَّر وابني حمزة وسعيد والفاضل والمحقِّق في الشَّرائع (رحمهم الله): أنَّه لسنته.
وذكر ابن إدريس، والعلاَّمة في التَّحرير، والمصنِّف هنا (رحمهم الله): أنَّه الذي له سبعة أشهر.
وذكر العلاَّمة (رحمه الله) في التذكرة والمنتهى في أعمال منى في باب الحج: أنَّه «الذي له ستَّة أشهر».
وعن كثير من الفقهاء أنَّ الجذع من الغنم ما كمل له سبعة أشهر.
وفي المسالك بعد أن فسَّر الجذع من الضَّأن بما كمل سنه سبعة أشهر إلى أن يستكمل سنة قال: «وقيل: إنَّما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابين، ولو كانا هرمين لم يجذع حتَّى يستكمل ثمانية أشهر».
والخلاصة: أنَّ كلمات الفقهاء واللغويين في تفسير اللفظين مختلفة، فيشكل الجزم بشيء منها.
ومقتضى الصِّناعة العلمَّية بناءً على ثبوت التقييد بالجذع من الضَّأن والثَّنية من المعز : هو الاجتزاء بما كمل له سبعة أشهر من الضَّأن، وبما دخل في الثانية من المعز في باب الزَّكاة، وباب الهدي في الحجِّ، كما هو المشهور بين الأعلام؛ وذلك للزوم الاقتصار في المخصِّص المنفصل المجمل الدَّائر أمره بين الأقل والأكثر على القدر المتيقَّن، والمتيقَّن الذي لا يطلق عليه الجذع هو الذي لم يكمل الستّ، فهذا المقدار ممَّا يقطع بخروجه عن تحت المطلقات، كما أنَّ المتيقَّن ممَّا يطلق عليه لفظ الجذع من الضَّأن هو ما كمل له سنة، ودخل في الثَّانية.
وأمَّا ما كمل له سبعة أشهر أو ثمانية أو تسعة، فنشكُّ في تقييد الشَّاة به للشكِّ في صدق الجذع عليه، فيكون الشكُّ حينئذٍ في القدر الزائد.
وعليه، فيتمسَّك بإطلاق الشَّاة الوارد في الرِّوايات، ومقتضاه عدم التَّقييد بكونه جذعاً.
وكذا يقال بالنَّسبة للثَّني، فلا حاجة للإعادة؛ هذا كلُّه بناءً على القول بثبوت الإطلاق في الرِّوايات.
وأمَّا على القول: بعدم الإطلاق من هذه الجهة كما عن صاحب الجواهر (رحمه الله) ، فقد ذهب صاحب الجواهر إلى الأصل يقتضي وجوب إخراج ما يحصل معه القطع بفراغ الذمَّة عن التَّكليف بأداء فريضة الزَّكاة الواجبة في حقِّه.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ المرجع في ذلك هو أصل البراءة عن الكلفة الزَّائدة عمَّا علم اشتغال الذِّمَّة به، أي اشتراط الفريضة بكونها أعلى سنّاً من سبعة أشهر في الجذع من الضَّأن، وكذا يقال بالنَّسبة للثَّني من المعز.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ تقييد الشَّاة بالجذع من الضَّأن، والثَّني من المعز غير ثابت، فيتمسَّك في نفي التَّقييد بأصالة الإطلاق.
ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا بالتَّقييد إلاَّ أنَّ القيد مجمل يدور أمره بين الأقلّ والأكثر، فيقتصر في التَّقييد على القدر المتيقَّن، ويتمسَّك في الباقي بالإطلاق.
وعلى فرض عدم ثبوت الإطلاق، فيرجع إلى أصالة البراءة؛ هذا كلُّه مقتضى الصِّناعة العلميَّة.
لكنَّ الأحوط أن لا يكون الضَّأن الذي يخرجه في الزَّكاة، وفي باب الهدي في الحجِّ، أقلَّ من سنة، ولا المعز أقلَّ ممَّا دخل في الثَّالثة، والله العالم بحقائق أحكامه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فرع: لو فُقِدا في غنمه دفع الأقل وأتمَّ القيمة، أو الأكثر واستردَّ (الزَّائد) (1)
(1) ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه لو فُقِد الجذع، وكذا الثَّني، دفع الأقلَّ منهما مع الإتمام بالقيمة، أو دفع الأكثر واستردَّ الزَّائد عن قيمتهما.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الكلام إنَّما يتمُّ بالنِّسبة لدفع الأقلِّ بناءً على اعتبارهما وأمَّا بالنِّسبة لدفع الأكثر فلا يتمُّ؛ لأنَّ المراد أنَّ أقلَّ المجزي هو الجذع أو الثَّني، لا أنَّه لا يجزئ غيرهما، فحينئذٍ يكون الأعلى منهما سنّاً أولى بالإجزاء مع ملاحظة القيمة؛ لأنَّ قيمته أكثر، وإذا دفع كان فريضة، والله العالم.
([1]) غوالي اللآلي: 2/230.