الدرس 46 _زكاة الأنعام 18
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تؤخذ الربَّى إلى خمسة عشر يوماً؛ لأنَّها كالنُّفساء، ولا الماخض، ولا الأكولة، والفحل(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا تؤخذ الرُّبَّى والأكولة ولا فحل الضِّراب، وقد ادَّعى صاحب الحدائق (رحمه الله) الاتِّفاق على ذلك.
أقول: يدلُّ على الحكم المذكور موثَّقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا تُؤخَذ أكُولةٌ والأَكُولة الكبيرة من الشَّاة تكون في الغنم ولا والدةٌ، ولا الكَبْشُ الفحل»([1]).
ويؤيِّد المنع: ما في مجمع البحرين: «وفي حديث المصدق: دع الرُّبَّى والماخض والأكولة، أمر المصدق أن يعدَّ هذه الثَّلاثة، ولا يأخذ منها؛ لأنَّها خِيَار المال»([2]).
ولا يخفى عليك أنَّ هذا الحديث عامي لم يرد من طرقنا، ونقله في الجواهر عن النِّهاية من حديث عمر باختلاف يسير، وفي الواقع هو ليس بحجَّة، ولكنَّه يصلح للتَّأييد.
واستوجه الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك كون العلة في المنع هي المرض؛ لأنَّ الربى بمنزلة النفساء، والنفساء مريضة، ولذا لا يقام عليها الحد، قال: «فلا يجزي إخراجها وإن رضي المالك».
وعلَّل المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، والعلاَّمة (رحمه الله) في جملة من كتبه المنع من أخذ الرُّبَّى بأنَّ في أخذها إضراراً بولدها ونصّاً على جواز أخذها إذا رضي المالك، كما أنَّ المصنِّف (رحمه الله) هنا علَّل المنع من أخذ الرُّبَّى؛ لأنَّها كالنُّفساء.
أقول: إنَّ هذه التَّعليلات المستنبطة لا تصلح أن تكون دليلاً في المقام.
نعم، لو كانت هذه التَّعليلات منصوصاً عليها لكانت حجَّةً في المقام.
أضف إلى ذلك: أنَّ كونها بمنزلة النُّفساء لا يعدُّ مرضاً عند العرف.
وعلى تقدير صدق كونها مريضة عرفاً، فلا دليل على منع مطلق المرض، بحيث يكون مانعاً عن قبولها صدقة.
والخلاصة: أنَّه مع وجود هذه الموثَّقة الدَّالَّة على المنع لسنا بحاجة إلى هذه التَّعليلات المستنبطة.
ويؤيد المنع من أخذ الأكولة وفحل الضِّراب: أنَّهما من كرائم الأموال، وقد نهي في الرِّواية عن التعرُّض لكرائم أموالهم، حيث حكي عنه (ص) أنَّه قال لمصدّقه: «إيَّاك وكرائم أموالهم»([3]).
والفحل المعدُّ للضِّراب من كرائم الأموال؛ إذ لا يعدُّ للضِّراب في الغالب إلاَّ الجيِّد من الغنم، وكذا الأكولة التي فسَّرها في الصِّحاح بأنَّها الشَّاة التي تعزل للأكل وتسمن.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ هذه الرِّواية أيضاً عاميَّة لم ترد من طرقنا أصلاً، وهي تصلح للتَّأييد فقط.
ثمَّ إنَّ سوق موثَّقة سماعة يشهد بأنَّ ذلك من باب الإرفاق بالمالك، فيجزي دفع هذه المذكورات في الموثَّقة إذا رضي المالك.
ثمَّ إنَّ ظاهر جماعة من الأعلام تخصيص المنع عن أخذ هذه المذكورات في الموثَّقة.
ولكنَّ المصنِّف (رحمه الله) هنا منع أيضاً من أخذ الماخض، وهي الحامل التي دنت ولادتها، وعن العلاَّمة (رحمه الله) في التَّحرير، والمصنِّف (رحمه الله) في البيان: المنع من أخذ الحامل، وكذا المحكي عن المبسوط والسَّرائر والتذكرة.
واستدلَّ لذلك: بما حكي عن النَّبي (ص): «أنَّه نهى أنْ يأخذَ شَافِعاً»([4])، أي حاملاً، ولكنَّ الرِّواية نبويَّة ضعيفة لم ترد من طرقنا، فهي تصلح للتأييد فقط.
قال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «لو كانت كلّها حوامل أُخذِت حامل، وفي وجوبه عندي نظر، وقطع به الفاضل».
أقول: لا إشكال في عدم وجوب إخراج الحامل لإطلاق الأدلَّة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وقال المصنِّف (رحمه الله) في البيان أيضاً: «لو طرقها الفحل فكالحامل؛ لتجويز الحمل»، ونحوه العلاَّمة (رحمه الله) في التذكرة.
والذي يهوِّن الخطب: أنَّه لا دليل على المنع من إخراج الحامل.
والخلاصة: أنَّه يقتصر في المنع على ما هو مذكور في موثَّقة سماعة، والله العالم.
ثمَّ إنَّه بقي الكلام في أمرين:
الأوَّل: في تحديد الرَّبَّى التي يمنع من أخذها بخمسة عشر يوماً، أو خمسين.
الثَّاني: في تحديد معنى الرُّبَّى والأكولة لغةً:
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ الرُّبَّى التي لا تؤخذ هي الوالدة إلى خمسة عشر يوماً.
قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة: «هي بضمِّ الرَّاء، وتشديد الباء، وهي الوالد من الأنعام عن قرب إلى خمسة عشر يوماً، لأنها نفساء».
أقول: هذا هو المشهور بينهم، بل عن بعض الأعلام نسبته إلى الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع عليه.
ولكنَّ كثيراً منهم بعد أن فسرها بذلك، قالوا: «وقيل إلى خمسين»، إلاّ أنَّه لم يعرف قائله.
كما أنَّه لم يعرف من نصَّ على أنَّه إلى خمسة عشر يوماً من أهل اللُّغة، إلاَّ ما سيأتي عن الأزهري.
ومهما يكن، فلا يوجد مستند للتَّحديد بالخمسة عشر يوماً، ولا بالخمسين.
ولعلَّ تحديد الفقهاء الرُّبَّى بالخمسة عشر يوماً هو من باب القدر المتيقَّن ممَّا يطلق عليها أنَّها ولدت حديثاً.
وأمَّا الأمر الثَّاني: فقد اختلفت كلمات اللُّغويين في تحديد معنى الرُّبَّى، ففي الصحاح: «الشَّاة التي وضعت حديثاً، وجمعها رُباب بالضمّ، والمصدر رباب بالكسر، وهو قرب العهد بالولادة، تقول: شاة رُبّى بينة الرباب بالكسر، وأعنز رباب بالضم، قال الأموي: هي رُبّى ما بينها وبين شهرين، وقال أبو زيد: الرُّبَّى من المعز، وقال غيره من المعز والضَّأن جميعاً، وربَّما جاء في الإبل أيضاً...».
وعن الأزهري: «ربابها ما بينها وبين خمس عشرة ليلة»، وفي المحكي عن المُغرب: «الرُّبَّى الحديثة النّتاج من الشّاة»، وعن أبي يوسف: «التي معها ولدها...»، وعن العين: «هي الشَّاة من حين تلد إلى عشرين يوماً»، وعن جامع اللُّغة : «هي الشَّاة إذا ولدت، وأتى عليها من ولادتها عشرة أيام أو بضعة عشر...»، وفي مجمع البحرين «قال: هي الشَّاة تربَّى في البيت من الغنم لأجل اللَّبن...»، إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة.
والقدر المتيقَّن من هذه الأقوال هي القريبة العهد بالولادة إلى خمسة عشر يوماً.
ولكن في صحيحة عبد الرَّحمان على نسخة الكافي «ليس في الأكيلة ولا في الرُّبَّى والرُّبَّى التي تربّي اثنين ولا شاة لبن، ولا فحل الغنم صدقة»([5]).
ولكنَّ هذا التَّفسير مشكل؛ لمخالفته للعرف، وكلام أهل اللُّغة، إلا أنَّ هذا الصَّحيحة في الفقيه([6]) بهذه الصُّورة، «ولا في الرُّبَّى التي تربّي إثنين»، وهو أظهر ، لأن فيه تخصيص الحكم بالتي تربّي اثنين، مع أنَّ الحكم أعم من ذلك.
وأمَّا الأكولة، ففي الصحاح: «والأكولة الشَّاة التي تعزل للأكل وتسمن»، وفي القاموس: «الأكولة: العاقر من الشِّياه، والشَّاة تعزل للأكل».
وقد عرَّفها الفقهاء: أنَّها السمينة المعدَّة للأكل، وهذا التفسير منهم مطابق لما عن أهل اللُّغة.
وأمَّا ما في موثَّقة سماعة المتقدِّمة من تفسير الأكولة بالكبيرة من الشياه، فهو غير منافٍ لتفسيرها بالسَّمينة المعدَّة للأكل؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّ هذا المعنى هو المراد بالكبيرة المذكورة في الموثَّقة، لا الكبيرة من حيث السنّ، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 10 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([2]) مجمع البحرين ج5، ص308.
([3]) سنن البيهقي ج4، ص157، وسنن الدرامي: ج1، ص384.
([4]) المنتهى ج1، ص485.
([5]) الكافي ج3، ص535، ح2.
([6]) الوسائل باب10 من أبواب زكاة الأنعام ح1.