الدرس 571 _ مستحبات الصلاة 6
لا زال الكلام في الجمع بين الروايات التي تقول بتقديم التحميد على التسبيح، وبين الروايات -مع قطع النظر عن ضعفها- التي تقول بقديم التسبيح على التحميد.
الوجه الثالث: حمل الرِّوايات الثانية -الدالة على تقديم التسبيح- على التقيَّة، كما ذهب إليه صاحب الحدائق (رحمه الله)، حيث قال: «وبالجملة، فإنَّه لمَّا كان القول المشهور بين الطَّائفة المعتضِد بالأخبار المتقدّمة، وهو تقديم التكبير، ثمّ التحميد، ثمّ التسبيح، فلو سلَّمنا صراحة المخالِف في المخالفة، فالظاهر أنَّه لا محمل له إلَّا التقيَّة، لموافقته لرواياتهم، ولا سيّما أنَّ طريق الخبر المذكور رجالهم، ونَقْلُ الصَّدوق له في الفقيه بناءً على صحته عنده لا ينافي الحمل على التقيَّة»[1]. (إنتهى كلامه)
وفيه: أنَّ الحمل على التقيَّة إنَّما هو مع عدم إمكان الجمع بينهما، وإلَّا فمع الإمكان، كما في الوجه الأوَّل[2]، فلا تصل النوبة إلى الحمل على التقيَّة.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذكرناه من هذه الوجوه الثلاثة للجمع بين الرِّوايات إنَّما كان مع قطع النظر عن ضعف السَّند، وإلَّا فالمتعيِّن عندنا هو القول الأوَّل المشهور من تقديم التحميد على التسبيح. وأمَّا القول الآخر: فرواياته كلُّها ضعيفة.
ثمَّ إنَّه ينبغي التنبيه على أمور:
الأمر الأوَّل: يستحبّ أن تكون السُّبْحة التي يسبَّح بها هذا التسبيح، أو غيره من التسبيحات والأذكار، متَّخذةً من طين قبر الحُسَين (عليه السَّلام). ويدلُّ عليه الأخبار المستفيضة جدّاً:
منها: مرسلة الشَّيخ الطوسي (رحمه الله) في مصباح المتهجد عن الصَّادق (عليه السَّلام): «أنَّ من أدار الحَجَر من تربة الحُسَين (عليه السَّلام) فاستغفر به مرةً واحدةً كتب الله له سبعين مرةً، وإن أمسَك السُّبْحة بيده ولم يسبِّح بها ففي كلِّ حبَّة منها سبع مرات»[3]، هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.
ومنها: ما في الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله) عن محمَّد بن عبد الله بن جعفر الحِميري: «أنَّه كَتَب إلى صاحب الزَّمان (عجّل الله فرجه)، يسأله هل يجوز أن يسبِّح الرَّجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟ فأجاب (عليه السَّلام): يجوز أن يسبِّح به؛ فما من شيء من السُّبَح أفضل منه، ومن فَضْله أنَّ المسبِّح ينسى التسبيح ويدير السُّبْحة فيُكتب له التسبيح»[4]، هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.
ومنها: ما في مكارم الأخلاق قال: «وروي أن الحور العين إذا بصرن بواحد من الأملاك يهبط إلى الأرض لأمر ما، يستهدين منه المسبح والتراب من قبر الحسين (عليه السلام)»[5]، هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.
ومنها: ما في مكارم الأخلاق أيضاً قال: «روى إبراهيم بن محمد الثقفي أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت سبحتها من خيوط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات فكانت (عليها السلام) تديرها بيدها تكبر وتسبح إلى أن قتل حمزه بن عبد المطلب (رضي الله عنه) سيد الشهداء فاستعملت تربته وعملت التسابيح فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين (عليه السلام) عُدل إليه بالأمر فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية»[6]، هذه الرواية ضعيفة بالإرسال، وبجهالة إبراهيم بن محمَّد الثقفي.
ويظهر من الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله): أنَّ التسبيح بالأصابع أفضل من التسبيح بغيرها، عدا تربة الحسين (عليه السَّلام). حكى ذلك صاحب الحدائق (رحمه الله) عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، قال في الحدائق: ««وقال ابن بابوَيْه في الفقيه: وقال -يعني الصَّادق (عليه السَّلام)-: "السُّجود على طين قبر الحُسَين (عليه السَّلام) ينوِّر إلى الأرضين السَّبع، ومَنْ كان معه سُبْحة من طينِ قبرِ الحُسَين (عليه السَّلام) كُتِب مسبِّحاً وإن لم يسبِّح بها"؛ والتسبيح بالأصابع أفضل منه بغيرها لأنها مسئولات يوم القيامة». انتهى؛ أقول: الظاهر أن قوله: «والتسبيح بالأصابع . . الخ» من كلام الصدوق»[7]. (إنتهى كلامه)
أقول: لو سلِّم أنَّه من كلام الإمام (عليه السَّلام)، إلَّا أنَّ الرِّواية ضعيفة بالإرسال. ثمَّ لا فرق بالنسبة لطين القبر بين المشوي وغيره، وذلك لإطلاق الأدلَّة، بل بعض الرِّوايات ظاهرة في المشوي، كما في مرسلة الشَّيخ في المصباح.
الأمر الثاني: لو شُكّ في عدد التسبيح فالأصل يقتضي البناء على الأقلّ؛ ولكن حُكي عن الموجز الحاوي -لإبن فهد الحلي- الاستئناف من رأس، ولعلَّه لمرفوعة محمَّد بن أحمد قال: «قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): إذا شككت في تسبيح فاطمة (عليها السَّلام) فأعده»[8].
وفيها، أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالرَّفع. وثانياً: أنَّه يمكن حَمْلها على إعادة المشكوك، فإنَّ إطلاقها باعتبار أحد احتمالي الشكّ شائع.
الأمر الثالث: لو زاد في عدد شيء من أذكارها سهواً، ألغى الزِّيادة ومضى، لأنَّ الأصل عدم مبطليَّة الزِّيادة.
وقد يستدلّ له أيضاً برواية الاحتجاج عن محمَّد بن عبد الله بن جعفر الحِميري عن صاحب الزَّمان (عجّل الله فرجه): «أنَّه كتب إليه يسأله عن تسبيح فاطمة (عليها السَّلام)، من سها فجاز التكبير أكثر من أربع وثلاثين، هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف، وإذا سبَّح تمام سبعة وستين هل يرجع إلى ستّ وستين أو يستأنف، وما الذي يجب في ذلك، فأجاب (عليه السَّلام): إذا سها في التكبير حتَّى تجاوز أربعاً وثلاثين عاد إلى ثلاث وثلاثين وبنى عليها، وإذا سها في التسبيح فتجاوز سبعاً وستين تسبيحةً عاد إلى ستٍّ وستين ويبني عليها، وإذا جاوز التحميد مائة فلا شيء عليه»[9]. هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.
وأمَّا الأمر بالرُّجوع فيها إلى ما قبل العدد المعتبر في التكبير أو التسبيح، إذا جاوزه سهواً، فليس لأجل تأثير الزيادة السَّهويَّة في إبطال الجُزء الأخير المتصل بها، وإلَّا لأثَّر ذلك في إبطال الجُزء الأخير من التحميد الذي يتمّ به المائة أيضاً، بل لأنَّ لإعادة الجُزء بعد إلغاء الزَّائد دخلاً في حصول علاقة الارتباط بينه وبين الأجزاء الباقية.
والحاصل: أنَّ المراد من هذه الرِّواية هو أنَّه متى زاد على عدد التكبير سهواً، فجاز عن أربع وثلاثين، يُلغى الزَّائد ويُرجع إلى ثلاث وثلاثين، فيأتي بتكبيرة أخرى يتمّ بها عدد التكبير ثمَّ التسبيح، وإذا زاد عدد التسبيح عن السَّبع والسِّتين، عاد إلى السِّتّ والسِّتين، فأضاف إليه تسبيحةً، يُكمل بها عدد التسبيح، ثمَّ التحميد.
وأما قوله في السُّؤال: «تمام سبعة ستين»، يمكن إرادة الزِّيادة عليه، أو أراد من التسبيح ما يشمله والتحميد. وعلى كلّ حالٍ فجواب الإمام (عليه السَّلام) خالٍ عن ذلك، فلا يهمُّنا تصحيح الخلل.
أما الأمر الرابع فيأتي إن شاء الله في الدرس القادم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الحدائق الناضرة: ج8، ص523.
[2] الدرس 570 _ مستحبات الصلاة 5. (إضغط لتصفح الموضوع)
[3] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب التعقيب، ح6.
[4] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب التعقيب، ح7.
[5] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب التعقيب، ح3.
[6] وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب التعقيب، ح1.
[7] الحدائق الناضرة: ج8، ص524.
[8] وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب التعقيب، ح2.
[9] وسائل الشيعة: باب 21 من أبواب التعقيب، ح4.