الدرس 1165 _كتاب الخمس 45
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولا فرق في الرِّكاز بين أصناف الأموال.
ذهب كثير من الأعلام، بل هو المشهور بينهم، إلى أنَّه لا فرق في الكنز والرّكاز بين أصناف الأموال، سواء أكان الكنز من النَّقدَيْن أم من غيرهما ممَّا يُعدّ مالاً، بل صرَّح المصنِّف (رحمه اﷲ) بذلك هنا وفي البيان، وكذا العلاَّمة (رحمه اﷲ) في التَّذكرة والمنتهى.
وبالجملة، لا فرق عند المشهور في وجوب الخُمُس بين أنواع الكنز من ذهب وفضّة ونحاس، وغيرها من الأموال.
وذكر المحقِّق الهمدانيّ (رحمه اﷲ): (أنَّ القول: بوجوب الخُمُس في سائر أنواع الكنوز، إن لم يكن أقوى، فهو أحوط...)([1]).
ولكنَّ ظاهر الشَّيخ (رحمه اﷲ) في النِّهاية والمبسوط والجمل وابن إدريس (رحمه اﷲ) في السَّرائر وابن سعيد (رحمه اﷲ) في الجامع هو الاختصاص بكنوز الذَّهب والفضّة، وذهب إلى ذلك صريحاً النَّراقي (رحمه اﷲ) في مستنده، كما ذهب إلى ذلك صاحب كشف الغطاء (رحمه اﷲ)، حيث قال: (والظَّاهر تخصيص الحكم بالنَّقدَيْن، وغيره يتبع حكم اللُّقطة...)([2])، وهو ظاهر السّيِّد محسن الحكيم (رحمه اﷲ) في المستمسك، كما أنَّ صريح السّيِّد أبي القاسم الخوئي (رحمه اﷲ) الاختصاص بالذَّهب والفضّة المسكوكَيْن.
وهو الإنصاف عندنا كما سيتَّضح لك إن شاء اﷲ تعالى .
أقول: قدِ استُدلّ لقول المشهور بوجوب الخُمُس في سائر أنواع الكنوز: بالإطلاقات الدَّالّة على وجوب الخُمُس في الكنز والرّكاز.
وأمَّا دعوى انصراف إطلاق الكنز الوارد في الرِّوايات إلى خصوص النَّقدَيْن، فهي ممنوعة كمنع ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه اﷲ) (من صحَّة سلب اسمه أي الكنز عن أكثر ما عداهما أي النَّقدَيْن بل جميعه...)([3]).
ووجه المنع: هو صدق الكنز حقيقةً عند العرف على غيرهما من الأموال.
وقدِ استُدلّ له أيضاً: بصحيحة زرارة المتقدِّمة عن أبي
جعفر (عليه السلام) (قَاْل: سألتُه عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلُّ ما كان رِكازاً ففيه الخُمُس...)([4])؛ وذلك لعموم الرّكاز لغير النَّقدَيْن، كما لا يخفى.
وقد فُسّر الرِّكاز في بعض كتب أهل اللُّغة كالمصباح المنير بالمال المدفون، وهذا يؤيِّد إطلاقه على غير النَّقدَيْن.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى اختصاص الحكم بالنَّقدَيْن، فقد استدلّ بصحيحة البزنطيّ عن أبي الحسن الرِّضا (عليه السلام) (قال: سألتُه عمَّا يجب فيه الخُمُس من الكنز، فقال: ما يجب الزَّكاة في مثله ففيه الخُمُس)([5])، وهي ظاهرة في كون المراد من قوله (عليه السلام): (في مثله) المماثلة في الجنس والمقدار، ودعوى ظهور المماثلة في المقدار لا غير عهدتها على مدَّعيها.
وأمَّا دعوى صاحب الرِّياض (رحمه اﷲ) الاتِّفاق على إرادة المقدار من المثل لا النَّوع، ففي غير محلِّها؛ فإنَّ ذلك يتمّ لو كان فهمهم لإرادة المقدار كاشفاً عن قرينة داخليّة أو خارجيّة أرشدتهم إلى ذلك، وهو غير حاصل.
وعليه، فلا يكون فهمهم لإرادة المقدار حُجّة على من لم يفهم منه ذلك.
إن قلت: إنَّ القرينة على فهمهم إرادة المقدار موجودةٌ، وهي مرسلة الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ) في المقنعة (قَاْل: سُئِل الرِّضا (عليه السلام) عن مقدار الكنز الَّذي يجب فيه الخُمُس، فقال: ما يجب فيه الزَّكاة من ذلك بعينه ففيه الخُمُس، وما لم يبلغ حدّ ما تجب فيه الزَّكاة فلا خُمُس فيه)([6])، حيث إنَّها صريحة في إرادة المقدار.
ويرد عليه: أوَّلاً: أنَّه من المظنون جدّاً كونها نقلاً لمضمون الصَّحيحة المتقدِّمة على حسب ما فهمه الشَّيخ المفيد (رحمه اﷲ)، فلا تصلح أن تكون قرينةً لإرادة المقدار.
وثانياً: لو سلَّمنا بأنَّها روايةٌ مستقلّةٌ، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال.
وثالثاً: مع قطع النَّظر عن كلِّ ذلك، فإنَّه لا منافاة بينها وبين اعتبار المماثلة من حيث الجنس؛ إذ لا دلالة فيها على ثبوت الخُمُس في كلِّ كنزٍ بلغ هذا الحدّ من أيِّ نوعٍ كان، كي يكون عمومه شاهداً على إرادته من حيث المقدار والماليّة.
الدرس 46: الخميس: 09-02-2023
([1]) مصباح الفقيه: ج3، ص116.
([2]) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء: ج2، ص360.
([3]) الجواهر: ج16، ص26.
([4]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح3.
([5]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح2.
([6]) الوسائل باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخُمُس ح6.