الدرس104 _قضاء الصلوات 2
الثالث: ما رواه علي بن إبراهيم القميّ في تفسير قوله تعالى: « وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا ﴾ ]الإسراء: 90[ عن أمِّ سلمة في حديثٍ «أنَّها قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله في فتح مكة : بأبي أنت وأمي يا رسول الله! سَعِد بك جميع الناس إلاَّ أخي من بين قريش والعرب، رددتَ إسلامه، وقبلتَ إسلام النَّاس كلّهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أمَّ سلمة! إنَّ أخاكِ كذبني تكذيباً لم يكذِّبني أحد من النَّاس، هو الذي قال: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ... الآية، إلى قوله تعالى: كِتَابًا نَقْرَؤُهُ، قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ألم تقل: إنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله؟! قال: نعم، فقيل رسول الله صلى الله عليه وآله بإسلامه»[i]f591، ولكنه أيضا ضعيف بالإرسال.
وأمَّا قول السيد أبو القاسم الخوئي رحمه الله بأنَّه: «مضافاً إلى ضعف السند بالإرسال مقطوع البطلان، فإنَّه صلى الله عليه وآله أجلّ شأناً من أن لا يعمل بما قاله، أو يعرضه النسيان حتّى تؤاخذه على ذلك أمّ سلمة، فيعدل آنذاك عما فعله أوّلاً، ويقبل إسلام أخي أمّ سلمة»[ii]f592.
فيرد عليه: أنَّ المسألة ليست مسألة نسيان، أو عدم العمل بما قاله، بل الظاهر من الحديث أنَّ أمّ سلمة شفعت لأخيها، فشفّعها، ويظهر من الروايات العامّة أنّ النبي صلى الله عليه وآله حين فتح مكة شفَّع في كثير من النَّاس كان حقّهم أن يقتلوا، فراجع واقعة فتح مكة تجد صدق ما قلناه.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ هذا الحديث ضعيف سنداً بالإرسال.
وأمَّا مسألة جبره بعمل المشهور: فقد عرفت أنَّ عملهم غير جابر، مضافاً لعدم ثبوت الصغرى، إذ لم نحرز استناد مشهور المتقدّمين في فتواهم بعدم القضاء عن الكافر الأصلي إلى هذا الحديث.
ثمّ إنّه لا شبهة في أنّه لو أسلم في دار الحرب وترك الصلاة، أو لم يأتِ بها بحدودها لجهله وجب عليه قضاؤها بعد التعلّم، وإن كان معذوراً في تركها لدى عدم التمكّن من معرفتها كغيره من أفراد الجاهل القاصر الذي فاتته الفرائض لقصوره، وذلك لعموم أدلّة القضاء غير القاصرة عن شمول مثل هذا الفرض، والله العالم.
(1) المشهور بين الأعلام سقوط القضاء مع الإغماء المستوعب للوقت، وفي الجواهر: «الأشهر،كما في الروضة، بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في السرائر أنّه المعمول عليه، بل عن الغنية الإجماع عليه، وفي الرياض أنّ عليه عامّة من تأخَّر، بل لا خلاف فيه إلاّ من نادر، كما عن الصدوق في المقنع...».
أقول: يدلّ على ما ذهب إليه الأكثر من سقوط القضاء عدة روايات، فيها الصحاح وغيرها:
منها: صحيحة أبي أيوب الخزَّاز عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سألته عن رجلٍ أُغميَ عليه أيّاماً لم يصلِّ، ثمَّ أفاقَ، أيصلِّي ما فاته؟ قال: لا شيء عليه»[iii]f593.
ومنها: صحيحة أيوب بن نوح «أنَّه كَتَبَ إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسألُه عن المغمى عليه يوماً، أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصَّلواتِ أو لا؟ فكتب: لا يقضي الصَّوم، ولا يقضي الصَّلاة»[iv]f594.
ومنها: صحيحة الحلبي «أنَّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن المريض هل يقضي الصَّلوات إذا أُغميَ عليه؟ فقال: لا، إلاَّ الصَّلاةَ التي أفاقَ فيها»[v]f595.
ومنها: صحيحة علي بن مهزيار «قال: سألته عن المغمى عليه يوماً، أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصَّلاة، أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصَّوم، ولا يقضي الصَّلاة»[vi]f596، والمكتوب إليه هو أبو الحسن الثالث عليه السلام.
ومنها: صحيحة أبي بصير المرادي عن أحدهما «قال: سألتُه عن المريض يُغمى عليه، ثمَّ يفيقُ، كيفَ يقضي صلاته؟ قال: يقضي الصَّلاة التي أدرك وقتها»[vii]f597.
ومنها: خبر معمر بن عمر «قال: سألتُ أبا جعفرٍ عليه السلام عن المريضِ يقضي الصَّلاة إذا أُغمي عليه؟ قال: لا»[viii]f598، ولكنَّه ضعيف لجهالة معمر بن عمر، وكذا غيرها من الروايات.
وهناك جملة من الروايات يظهر منها خلاف ذلك:
منها: صحيح رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سألتُه عن المغمى عليه شهراً ما يقضي من الصَّلاة؟ قال يقضيها كلها، إنَّ أمر الصَّلاة شديد»[ix]f599.
ومنها: صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: يقضي المغمى عليه ما فاته»[x]f600.
ومنها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام «قال: سألتُه عن الرجل يُغمى عليه، ثم يفيق، قال: يقضي ما فاته، يؤذِّن في الأُولى، ويقيم في البقيَّةِ»[xi]f601.
ومنها: صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام «في المغمى عليه، قال: يقضي كلّ ما فاته»[xii]f602، وكذا غيرها.
وهناك بعض الروايات فصّلت بين اليوم، فيقضي، وبين الأكثر فلا يقضي، وبعضها يقضي ثلاثة أيام من شهرٍ إذا استمرّ الإغماء شهراً واحداً، وبعضها يقضي ثلاثة أيام مطلقاً.
أمَّا المفصِّلة بين اليوم وغيره، فمنها: صحيح حفص عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سألتُه عن المغمى عليه، فقال: يقضي صلاة يوم»[xiii]f603.
وأمَّا المفصِّلة بين الثلاثة وغيرها، فمنها موثَّقة سماعة «قال: سألتُه عن المريضِ يُغمى عليه، قال: إذا جازَ عليه ثلاثة أيام فليسَ عليه قضاءٌ، وإذا أُغمي عليه ثلاثة أيام فعليه قضاء الصَّلاة فيهنّ»[xiv]f604.
وأمَّا الدَّالة على قضاء ثلاثة أيام من الشهر، فمنها صحيح أبي بصير «قال: قلتُ لأبي جعفر عليه السلام: رجل أُغمي عليه شهراً، أيقضي شيئاً من صلاته؟ فقال: يقضي منها ثلاثة أيام»[xv]f605.
[i] المستدرك باب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان ح3، وتفسير القمي ج2 ص27.
[ii] مستند العروة: الصَّلاة ج16/ 99، ط: الموسوعة.
[iii] الوسائل باب 3 من أبواب قضاء الصّلوات ح14.
[iv] الوسائل باب 3 من أبواب قضاء الصّلوات ح2.
[v] الوسائل باب 3 من أبواب قضاء الصّلوات ح1.
[vi] الوسائل باب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح18.
[vii] الوسائل باب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح17.
[viii] الوسائل باب 3 من أبواب قضاء الصلوات ح15.
[ix] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح4.
[x] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح8.
[xi] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح2.
[xii] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح3.
[xiii] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح14.
[xiv] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح5.
[xv] الوسائل باب 4 من أبواب قضاء الصلوات ح11.