الدرس 160_التكسّب الحرام وأقسامه (155). مسائل: الثانية: في جواز بيع المشتركات قبل الحيازة
الدرس 160 / الثلاثاء: 30-آذار-2021
المسألة الثَّالثة: في حُكْم الأرض الموات بعد العمارة، والمعروف بين الأعلام أنَّ العمارة إن كان أصليَّةً، ثمَّ عرض لها الموات فهي للإمام (عليه السلام)؛ لما دلَّ على أنَّ الأرض الميتة للإمام (عليه السلام) الشَّاملة للميتة بالأصالة، وبالعرض.
ولما دلَّ مِنَ الرِّوايات أيضاً على أنَّ الأرض التي لا ربَّ لها، فهي للإمام (عليه السلام).
وأما إن كانت العمارة من معمِّر، ثمَّ ماتت، فهل هي باقية على مُلْك معمِّرها، أو أنَّها خرجت عن مُلْكه، ودخلت في مُلْك من عمَّرها ثانياً، أو يفصَّل بين ما إذا كان مُلْكه لها بالإحياء فيزول، وبين ما إذا كان بغيره كالشِّراء والعطيَّة فلا يزول مُلْكه عنها؟
فالمعروف بين الأعلام أنَّ الأرض إذا ماتت بعد أنْ كانت معمورةً في يد مالكها، وعَلِم أنَّ مُلْكه لها بالإحياء، فضلاً عمَّن لم يعلم، وكان صاحبها أو وارثه معلوماً لا مجهولاً، فهي باقية على مُلْكه أو مُلْك وارثه.
بل قيل: إنَّه لم يعرف الخلاف في ذلك قبل العلاَّمة (رحمه الله) في التذكرة، فإنَّه حكى عن مالكٍ: مُلْكَ المحيي الثَّاني، ثمَّ قال: «لا بأس بهذا القول عندي»، واختاره الشَّهيد الثَّاني في المسالك والرَّوضة، وفي جامع المقاصد: «أنَّ هذا القول مشهور بين الأصحاب».
وقد يستدلُّ لهذا القول أي الذي اختاره العلاَّمة في التَّذكرة وجملة مِنَ الأعلام بجملة مِنَ الرِّوايات:
منها: صحيحة معاوية بن وهب «قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَتى خَرِبَةً بَائِرَةً، فَاسْتَخْرَجَهَا، وَكَرى أَنْهَارَهَا وَعَمَرَهَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةَ؛ فَإِنْ كَانَتْ أَرْضٌ لِرَجُلٍ قَبْلَهُ، فَغَابَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا، فَأَخْرَبَهَا، ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ يَطْلُبُهَا، فَإِنَّ الْأَرْضَ ﷲ وَلِمَنْ عَمَّرَهَا»[1]f164.
وفيه: أنَّه يحتمل أن يكون المراد أنَّها للأوَّل الَّذي عمَّرها، فقوله (عليه السلام): «وَلِمَنْ عَمَّرَهَا»، أي للأوَّل الذي عمَّرها، خصوصاً مع عدم فرض السُّؤال في الرواية عن وجود شخص آخر عمَّرها.
ومنها: صحيحة أبي خالد الكابلي المتقدِّمة، حيث ورد فيها «فَإِنْ تَرَكَهَا أَوْ أَخْرَبَهَا، فَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهِ، فَعَمَرَهَا وَأَحْيَاهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الَّذِي تَرَكَهَا...»[2]f165.
وفيه: ما ذكرناه سابقاً، من أنَّه يردُّ عِلْمها إلى أهل البيت S، وهم أدرى بها، لا سيَّما ما ورد في آخرها من انتزاع الأرض من يد مالكها.
ومن جملة الأدلَّة: ما ذكره في المسالك من أنَّ «هذه الأرض أصلُّها مباح، فإذا تركها حتَّى عادت إلى ما كانت عليه، صارت مباحةً، كما لو أخذ ماءً من دجلة ثمَّ ردَّه إليها، ولأنَّ العلَّة في تملُّك هذه الأرض الإحياء والعمارة، فإذا زالت العلَّة زال المعلول، وهو المُلْك، فإذا أحياها الثَّاني، فقد أوجد سبب الملك، فيثبت المُلْك له، كما لوِ التقط شيئاً، ثمَّ سقط من يده، وضاع عنه، فالتقطه غيره، فإنَّ الثَّاني يكون أحقُّ به».
وفيه: ما لا يخفى، فإنَّ هذا الكلام لا يتطابق مَعَ القواعد المسلَّمة في المذهب الشَّريف، وإنَّما ذكرهما العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة دليلاً لمالك بن أنس على أصوله.
والإنصاف: أنَّها باقية على مُلْك المالك الأوَّل، أو وارثه، وذلك لعموم: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً فَهِيَ لَهُ»، فإنَّ ظاهر التَّمليك المستفاد من ظاهر (اللام) عدم انقطاعه بموتها بعد إحيائها.
وقدِ استدلَّ أيضاً لبقاء الملك لمالكه الأوَّل أو وارثه بصحيحة سليمان بن خالد «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي الْأَرْضَ الْخَرِبَةَ، فَيَسْتَخْرِجُهَا، وَيُجْرِي أَنْهَارَهَا وَيَعْمُرُهَا وَيَزْرَعُهَا، مَاذَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ صَاحِبَهَا؟ قَالَ: فَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ حَقَّهُ»[3]f166، ومثلها صحيحة الحلبي[4]f167.
وأما الاستدلال لذلك بالاستصحاب، باعتبار أنَّها قبل الموات كانت ملكاً له، فبعد الموات نشكُّ في بقاء المُلْك، فيستصحب.
فيرد عليه: أنَّه مِنِ استصحاب الأحكام الكليَّة، وقد عرفت ما فيها، والله العالم والهادي.