الدرس 1150 _كتاب الخمس 30
واحتمل بعض الأعلام أنَّ المتيقَّن للمالك هو الأربعون درهماً فقط في المثال المتقدِّم، والرُّجوع في الزَّائد المشكوك إلى القُرعة، فإنَّها لكلِّ أمرٍ مشكل.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الكلام ليس تامّاً؛ لأنَّ قاعدة القُرعة لا تجري في مورد الأمارات، ولا الأصول الشَّرعيّة والعقليّة، فلو كان المورد فيه أمارة أو أصل شرعيّ أو عقليّ فلا مسرح لها؛ لأنَّها لكلِّ أمرٍ مشكل، ومع وجود الأمارة أو الأصول الشَّرعيّة أو العقليّة، فلا أمر مشكل؛ إذ مقامنا مجرى لقاعدة اليد الدَّالّة على الملكيّة، فينتفي موضوع القُرعة.
هذا كلُّه إذا كان المال تحت يده.
وأمَّا إذا لم يكن تحت يده، فيأخذ المالك القدر المتيقن أنَّه له، وهو الأربعون درهماً في المثال المتقدِّم.
كما أنَّ القدر المتيقَّن من الحرام وهو الخمسة دراهم يكون لغيره، ويبقى المشكوك، وهو الخمسة دراهم، فيرجع فيها إلى القُرعة؛ لأنَّها لكلِّ أمرٍ مشكل، وموردها الشُّبهة الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجماليّ الَّذي لا يمكن فيه الاحتياط، ولا أيّ شيءٍ من الأصول، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو عَلِم قدره تصدَّق به.
الصُّورة الثَّالثة: أن يكون قدر الحرام معلوماً تفصيلاً، وصاحبه مجهولاً، وفيها ثلاثة أقوال:
وهو المشهور بين الأعلام : أنَّه يجب التّصدُّق به، سواء أكان المعلوم بالتَّفصيل بقدر الخُمُس، أم أزيد، أم أنقص، ومنهم صاحب المدارك والمحقِّق الهمدانيّ والسّيِّد مُحسِن الحكيم والسّيِّد أبو القاسم الخوئيّ، والمصنِّف في جملة من كتبه، وغيرهم (رحمهم اﷲ جميعاً).
بل قد يظهر من الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه اﷲ) في كتاب الخُمُس أنَّ وجوب التّصدُّق بكلِّ ما يُعلم من قليلٍ أو كثيرٍ هو مورد اتِّفاق الأصحاب من غير خلاف.
ما ذهب إليه صاحب الحدائق (رحمه اﷲ)، وهو وجوب الخُمُس، سواء أكان الحرام أقلّ من الخُمُس أم أكثر.
وجوب إخراج الخُمُس، ثمَّ الصَّدقة بالزَّائد في صورة الزِّيادة، ونسبه صاحب الحدائق (رحمه اﷲ) إلى القيل، ولم يُعلم قائله.
إذا عرفت ذلك، فقدِ استُدلّ للقول الأوَّل وهو المشهور بين الأعلام بجملةٍ من الرِّوايات:
منها: صحيحة يُونِس (قَاْل: سُئِل أبو الحسن الرِّضا (عليه السلام) وأنا حاضر إلى أن قال: فقال: رفيقٌ كان لنا بمكَّة، فرحل منها الى منزله، ورحلنا إلى منازلنا، فلمَّا أن صرنا في الطَّريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأيُّ شيءٍ نصنع به؟ قَاْل: تحملونه حتَّى تحملوه إلى الكوفة، قَاْل: لسنا نعرفه، ولا نعرف بلده، ولا نعرف كيف نصنع؟ قَاْل: إذا كان كذا فبعه، وتصدَّق بثمنه، قَاْل له: على مَنْ جُعِلت فداك! ؟ قَاْل: على أهل الولاية)([1]).
ويظهر منها أيضاً: جواز بيع المال المجهول مالكه أو المعلوم مالكه مع تعذُّر الوصول إليه، والتّصدُّق بالثَّمن.
ومنها: رواية عليّ بن أبي حمزة (قال كان لي صديق من كتّاب بني أُميّة، فقال لي: استأذن لي على أبي عبد اﷲ (عليه السلام)، فاستأذنت له، فأذن له، فلمَّا أن دخل سلّم وجلس، ثمَّ قال: جُعلت فداك! إنّي كنتُ في ديوان هؤلاء القوم، فأصبتُ من دُنياهم مالاً كثيراً، وأغمضتُ في مطالبه، فقال أبو عبد اﷲ (عليه السلام): لولا أنَّ بني أُميَّة وجدوا لهم مَنْ يكتب، ويجبي لهم الفيء، ويُقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم، لما سلبونا حقَّنا، ولو تركهم النَّاس وما في أيديهم ما وجدوا شيئاً إلَّا ما وقع في أيديهم، قال: فقال الفتى: جُعلت فداك! فهل لي مخرج منه؟ قَاْل: إن قلتُ لك تفعل؟ قَاْل: أفعل، قال له: فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمَنْ عرفتَ منهم رددتَ عليه ماله، ومَنْ لم تعرف تصدَّقتَ به، وأنا أضمن لك على اﷲ (عز وجل) الجنَّة، فأطرق الفتى طويلاً، ثمَّ قال له: لقد فعلت جُعلت فداك! قال ابن أبي حمزة: فرجع الفتى معنا إلى الكوفة، فما ترك شيئاً على وجه الأرض إلَّا خرج منه حتَّى ثيابه الَّتي كانت على بدنه، قَاْل: فقسمتُ له قسمةً، واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة، قَاْل: فما أتى عليه إلاَّ أشهر قلائل حتَّى مرض، فكنَّا نعوده، قَاْل: فدخلت يوماً وهو في السُّوق، قال: ففتح عينَيْه، ثمَّ قال لي: يا عليّ! وفى لي واﷲ صاحبك، قَاْل: ثمَّ مات فتولَّينا أمره، فخرجتُ حتّى دخلتُ على أبي عبد اﷲ (عليه السلام)، فلمَّا نظر إليَّ قال لي: يا عليّ! وفينا واﷲ لصاحبك، قَاْل: فقلتُ: صدقت جُعلت فداك! هكذا واﷲ قال لي عند موته)([2]).
ولكنَّها ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة، وجهالة إبراهيم بن إسحاق النَّهاونديّ.
([1]) الوسائل باب7 من أبواب اللُّقطة ح2.
([2]) الوسائل باب 47 من أبواب ما يُكتسب به ح1.