الدرس 161_التكسّب الحرام وأقسامه (156). مسائل: الثانية: في جواز بيع المشتركات قبل الحيازة
الدرس 161 / الأربعاء: 31-آذار-2021
المسألة الرَّابعة: وهي ما لو عرض له الحياة بعد الموت، وقد علم حكمها ممَّا تقدَّم في الأمر الثَّاني في المسألة الأولى، فراجع.
ثمَّ اعلم أنَّ الأراضي التي تكون في يد الكافر إنْ كانت في أيديهم في دار الكفر فهي مُلْك لهم، وإن كانوا كفَّاراً حربيين، فإنَّ مال الحربيِّ، وإن كان مباحاً، إلاَّ أنَّ ذلك لا ينافي مُلْكه لها كباقي أمواله.
وأيضاً الأراضي التي في أيديهم في دار الإسلام، فهي لهم؛ لما عرفت من عدم اختصاص المُلْك بالإحياء بالمسلمين.
ثمَّ ما ملكه الكافر مِنَ الأرض إذا أسلم عليه طوعاً، فيبقى على ملكه، كسائر أملاكه.
وأما إذا انجلى عنها، وأخلاها للمسلمين، فهي مِنَ الأنفال، وتكون مُلكاً للإمام (عليه السلام).
وأمَّا الأراضي التي صالحوا عليها على أنْ تبقى الأرض لهم، وعليهم الجزية، إما على رؤوسهم أو على أرضهم، حسب ما يراه الإمام (عليه السلام)، مِنَ الثُّلث أو الرُّبع، ونحو ذلك.
وهذه الأرض هي لهم يتصرَّفون فيها بما شاؤوا من بيع وهبة، ونحو ذلك، وتسمَّى هذه الأرض بأرض الجزية، وتسمَّى أيضاً بأرض الخراج؛ لعدم انحصار الأراضي الخراجيَّة بالأراضي المفتوحة عنوةً.
وأمَّا إذا وقع الصُّلح على أن تكون الأرض للمسلمين خاصَّة، ويكون للكفَّار السُّكنى فقط، كان حكم هذه الأرض حكم الأرض المفتوحة عنوةً العامرة حال الفتح.
وأمَّا الأراضي التي أُخِذت منهم بالقهر والغلبة، وكان ذلك بإذن الإمام (عليه السلام)، مع كونها عامرةً حال الفتح، وتسمَّى هذه الأرض بالأرض المفتوحة عنوةً، فهي مُلْك للمسلمين قاطبة.
وفي الجواهر: «بلا خلاف، بلِ الإجماع بقسمَيْه عليه، ولو مَنْ يتولَّد، أو يدخل فيه، إلى آخر الأمر، على معنى أنَّها لمجموعهم، لا لكلِّ واحد منهم، فلا يملك أحد منهم بالخصوص رقبتها...».
والمعروف بين الأعلام أنَّه لا يصحُّ بيعها ولا رهنها ولا هبتها، ولا غير ذلك، ممَّا تتوقَّف صحَّته على المُلْك، وكذا لا يصحُّ بيع ما فيها من بناء وشجر وقت الفتح؛ لأنَّه مُلْك االمسلمين أيضاً.
قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «لا يصحُّ التَّصرُّف ببيع فيها وشراء، ولا هبة، ولا معاوضة، ولا تمليك، ولا إجارة، ولا ارث، ولا يصح أنْ تُبْنى دوراً ومنازل ومساجد وسقايات إلى أن قال: ولا غير ذلك من أنواع التَّصرف، ومتى فعل شيئاً من ذلك كان التَّصرُّف باطلاً...»، وكذا غيره مِنَ الأعلام؛ نعم، يمكن لوليِّ المسلمين بيع شيء منها لمصلحتهم.
ثمَّ إنَّه بالمقابل حُكِي عَنِ السَّرائر والمختلف وحواشي الشَّهيد واللُّمعة والرَّوضة أنَّه يجوز بيعها تبعاً لآثار المتصرِّف فيها، ونسبه بعض الأعلام إلى جمعٍ مِنَ المتأخِّرين، بل عن حواشي الشَّهيد التَّصريح بكونها جزءَ مبيعٍ، قال: إذا بيعت تبعاً للآثار يجوز أن تكون مجهولةً، والأَولى أنَّها جُزءُ المبيع، فلا بدَّ مِنَ العلم بها أيضاً».
وهناك قول ثالث، وهو التَّفصيل بين زماني الغيبة والحضور، فينفذ بيعها وغيره في الأوَّل، دون الثَّاني، كما هو خيرة المصنِّف (رحمه الله) هنا أي في الدُّروس في باب الجهاد حيث قال: «ولا يجوز التَّصرُّف في المفتوحة عنوةً، إلاَّ بإذن الإمام (عليه السلام)، سواء كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك، وأطلق في المبسوط أنَّ التَّصرُّف فيها لا ينفذ، وقال ابن إدريس: إنَّما يباع ويوقف تحجيرنا وبناؤنا وتصرًّفنا، لا نفس الأرض...».
ولكنَّ المصنف هنا أي في باب المكاسب قال: «ولا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوةً، ولا بيع ما بها من بناءٍ وشجرٍ وقت الفتح. نعم لو جدَّد فيها شيئاً من ذلك جاز بيعه، وربما قيل: يبيعها تبعاً لآثاره. وروى أبو بردة جواز بيع أرض الخراج من صاحب اليد، والخراج على المشتري، وفي رواية إسماعيل بن الفضل إيماء إليه».
ومن هنا تعرف أنَّ المصنِّف (رحمه الله) له عدَّة أقوال في المسألة.
ومهما يكن فقدِ استُدلَّ للقول المشهور وهو القول الأوَّل، أي المنع مطلقاً بجملة مِنَ الرِّوايات:
منها: صحيحة الحلبي «قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ السَّوَادِ، مَا مَنْزِلَتُهُ؟ فَقَالَ: هُوَ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، لِمَنْ هُوَ الْيَوْمَ، وَلِمَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْيَوْمِ، وَلِمَنْ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ. فقلت: الشِّرَاءُ مِنَ الدَّهَاقِينِ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ عَلَى أَنْ يُصَيِّرَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذا شَاءَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَهَا أَخَذَهَا، قُلت: فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، قَالَ: يَرُدُّ علَيْهِ رَأْسَ مَالِهِ، وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْ غَلَّتِهَا بِمَا عَمِلَ»[1]f168، وهي ظاهرة في المنع.
ويؤكِّد ذلك قوله: «فَإِذا شَاءَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَنْ يَأْخُذَهَا أَخَذَهَا»، فلو كانت مُلْكاً لِمَنِ اشتراها، فكيف يأخذها منه وليُّ الأمر؟
ومنها: رواية أبي الرَّبيع الشَّامي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: لَا تشترِ مِنْ أرْضِ السَّوادِ شيئاً، إِلاَّْ مَنْ كَاْنَتْ لَهُ ذِمَّةٌ، فإنَّمَاْ هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ»[2]f169، وهي دالَّة على المنع، ولكنَّها ضعيفة بجهالة أبي الرَّبيع الشَّامي.
ومنها: رواية محمَّد بن شريح «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ شِرَاءِ الْأَرْضِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ، فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرْضُ الْخَرَاجِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا لَهُ: فَإِنَّهُ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ، وَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَحِيَ مِنْ عَيْبِ ذَلِكَ»[3]f170، وهي ظاهرة في المنع.
وأما قوله في الذَّيل: «فَإِنَّهُ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ، وَعَلَيْهِ خَرَاجُهَا؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ» فيحمل على بيع الآثار الحادثة بعد الفتح، كما لو بنى فيها داراً، أو غرس شجراً، فإنَّه يجوز بيع الآثار الحادثة، ولكنَّها ضعيفة بجهالة كلٍّ من عليِّ بن الحارث، وبكَّار بن أبي بكر.