الدرس 193_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (25).ثالثها: ما نهي عنه تنزيها
الدرس 193 / الإثنين: 13-أيلول-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والزِّيادة وقت النِّداء، بل حال السُّكوت. وقال ابن إدريس: لا يُكرَه. وقال الفاضل: المراد السُّكوت مع عدم رضا البائع بالثَّمن. (انتهى كلامه)
(1) ذكر جماعة من الأعلام، منهم الشَّيخ (رحمه الله) في النهاية: «أنَّه إذا نادى المنادي على المتاع فلا يزيد في المتاع، فإذا سكت المنادي زاد حينئذٍ إن شاء».
وقد استدلَّ للكراهة برواية أُميّة بن عَمْرو الشّعيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين يقول: إذا نادَى المنادِي فَلَيْس لَكَ أنْ تزيدَ وإنَّما يحرِّمُ الزِّيادة النِّداء، ويحلُّها السُّكوت»[1]f337.
وقد حُمِلت الحرمة على شدَّة الكراهة؛ لعدم الحرمة بالاتِّفاق، ولكنَّ الرِّواية ضعيفة؛ لجهالة الحسن (الحسين) ابن ميَّاح، وأميَّة بن عَمْرو الشّعيري، وضعيفة بالإرسال أيضاً.
وعليه، فالنّداء على السّلعة الذي تضمّنته رواية الشّعيري هو أن يعطي بعض المشترين ثمناً، فينادي به الدّلاّل قبل أن يقع بينهما تراضٍ عليه، فإن حصل من أعطى أزيد من الأوّل فربّما باعه وتراضى مع ذلك المعطى عليه، وربّما نادى به أيضاً طلباً للزّيادة، والإمام (عليه السلام) قد نهى عن الزّيادة في حال النداء، وجوّزها في حال السّكوت، ولكن بما أنَّ الرّواية ضعيفة فالكراهة غير ثابتة.
ثمَّ إنَّه وقع هنا خلط من ابن إدريس والعلاّمة في المنتهى t بين كراهة الزيادة وقت النّداء، وبين كراهة دخول المؤمن في سوم أخيه.
قال ابن إدريس (رحمه الله) في السّرائر: «وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا نادى المنادي على المتاع، فلا يزيد في المتاع، فإذا سكت المنادي، زاد حينئذٍ إن شاء وقال في مبسوطه: وأمّا السّوم على سوم أخيه، فهو حرام، لقوله (عليه السلام): لا يسوم الرّجل على سوم أخيه، هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة، فإن كان كذلك فلا تحرم المزايدة، وهذا هو الصّحيح، دون ما ذكره في نهايته، لأنَّ ذلك على ظاهره غير مستقيم، لأنَّ الزّيادة في حال النّداء غير محرّمة، ولا مكروهة، فأمَّا الزّيادة المنهي عنها، هي عند الانتهاء، وسكون نفس كلّ واحد من البيِّعين على البيع، بعد استقرار الثّمن، والأخذ، والشّروع في الإيجاب والقبول، وقطع المزايدة، فعند هذه الحال لا يجوز السّوم على سوم أخيه، لأنَّ السّوم في البيع هو الزّيادة في الثّمن، بعد قطعه، والرّضا به، بعد حال المزايدة، وانتهائها، وقبل الإيجاب والقبول؛ لقوله (عليه السلام): لا يسوم الرّجل على سوم أخيه».
وأمَّا العلاّمة (رحمه الله) في المنتهى، فإنَّه بعد أن نقل كلام ابن إدريس (رحمه الله) المتقدِّم ذكر أن الشيخ (رحمه الله): «عوّل في ذلك على رواية الشّعيري، ثمَّ قال بعد نقلها: «وهذه الرواية إن صحَّ سندها حملت على ما إذا وقع السُّكوت عن الزِّيادة لا للشِّراء ثمَّ قال: التَّحقيق هنا أن نقول: لا يخلو الحال من أربعة أقسام، أحدها: أن يوجد من البايع التصريح بالرضا بالبيع فهذا يحرم السّوم...الثَّاني: أن يظهر منه ما يدلّ على عدم الرّضا بالبيع، فهذا لا يحرم فيه الزيادة...الثَّالث: أن لا يوجد منه ما يدلّ على الرّضا، ولا على عدمه، فهنا أيضاً يجوز السّوم...الرَّابع: أن يظهر ما يدلّ على الرّضا من غير تصريح، فالوجه هنا التّحريم أيضاً» هذا ما ذكره العلاّمة (رحمه الله).
ولا يخفى عليك الخلط بين المسألتين، فإنَّ مسألة كراهة الزّيادة في السّلعة وقت النّداء تختلف عن مسألة كراهة دخول المؤمن في سوم أخيه، فلا منافاة بينهما؛ لاختلافهما موضوعاً، وقد عرفت معنى زيادة السّلعة وقت النّداء.
وأمّا مسألة كراهة دخول المؤمن في سوم أخيه، فقد ذكرناها سابقاً عند قول المصنّف (رحمه الله): «وقطع الفاضلان بكراهيّة الدّخول في السّوم»، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وسمسرة الحاضر للبادي. وفي المبسوط: لا يجوز فيما يضطرّ إليه الحاضر. وفي الوسيلة: النّهي عن بيع الحاضر للبادي في البدو، لا في الحضر. وابن إدريس: إنَّما يكره إذا تحكَّم عليه الحاضر فباع بدون رأيه، أو أكرهه على البيع بغلبة الرّأي. وليس بشيء.
ولا خلاف في جواز السَّمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد إلى بلد. (انتهى كلامه)
(1) في الحدائق : «ومنها أن لا يتوكّل حاضر لبادٍ، والمراد بالبادي: الغريب الجالب للبلد، أعمّ من أن يكون من البادية أو قرويّاً، ومعناه: أن يحمل البدويّ أو القرويّ متاعه الى بلد فيأتيه البلديّ، ويقول له: أنا أبيعه لك بأعلى ما تبيعه، قبل أن يعرّفه السّعر، ويقول: أنا أبيع لك، وأكون سمساراً، كذا ذكره في المسالك، وقد اختلف الأصحاب في ذلك تحريماً وكراهة، فذهب الشّيخ في النّهاية الى الثّاني، وهو قول العلاّمة في المختلف، واختيار المحقّق في الشّرائع، والشّهيد في الدّروس، وفي المبسوط والخلاف إلى الأوّل، إلاّ أنَّه قيّده في المبسوط بما يضطرّ إليه النّاس، بأن يكون في فَقْده إضرار بهم، وقال ابن البرّاج في المهذب كقول الشَّيخ في المبسوط، وبه قال ابن إدريس، والعلاَّمة في المنتهى...».
وقال ابن إدريس (رحمه الله) في السّرائر : «ولا يجوز أن يبيع حاضر لبادٍ، ومعناه أن يكون سمساراً له، بل يتركه أن يتولّى لنفسه، ليرزق الله بعضهم من بعض، فإن خالف أثم، وكان بيعه صحيحاً، وينبغي أن يتركه في المستقبل، هذا إذا كان ما معهم يحتاج أهل الحضر إليه، وفي فَقْده إضرار بهم، فأمَّا إذا لم يكن بهم حاجة ماسَّة إليه، فلا بأس أن يبيع لهم، هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مبسوطه، وكذلك الفقيه ابن البرّاج في مهذّبه، وهذا هو الصّحيح الَّذي لا خلاف فيه بين العلماء، من الخاصّ والعامّ إلى أن قال: ووجدت بعض المصنِّفين قد ذكر في كتاب له، قال: نهي أن يبيع حاضر لبادٍ، فمعنى هذا النَّهي والله أعلم معلوم في ظاهر الخبر، وهو الحاضر للبادي، يعني متحكّماً عليه في البيع، بالكره، أو بالرّأي الَّذي يغلب به عليه، يريه أنّ ذلك نظر له، أو يكون البادي يولّيه عرض سلعته، فيبيع دون رأيه، أو ما أشبه ذلك، فأمَّا إن دفع البادي سلعته إلى الحاضر، ينشرها للبيع، ويعرضها، ويستقصي ثمنها، ثمّ يعرفه مبلغ الثّمن، فيلي البادي البيع بنفسه، أو يأمر من يلي ذلك له بوكالته، فذلك جائز، وليس في هذا من ظاهر النّهي شيء، لأنَّ ظاهر النّهي إنَّما هو أن يبيع الحاضر للبادي، فإذا باع البادي بنفسه فليس هذا من ذلك بسبيل، كما يتوهَّمه من قصر فهمه، هذا آخر الكلام، فأحببت إيراده هاهنا، ليوقف عليه، فإنَّه كلام محصَّل، سديد في موضعه، فأمَّا المتاع الَّذي يحمل من بلد إلى بلد، ليبيعه السّمسار، ويستقصي في ثمنه، ويتربّص، فإنَّ ذلك جائز، لأنَّه لا مانع منه، وليس كذلك في البادية»، انتهى كلام ابن إدريس (رحمه الله).
أقول: قد استدلّ لعدم توكّل الحاضر للبادي في بيع المال بجملة من الرِّوايات:
منها: رواية عروة بن عبد الله عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديث : لا يبيع حاضر لبادٍ، والمسلمون يرزق الله بعضهم من بعض»[2]f338، وهي ضعيفة بعَمْرو بن شمر، وجهالة عروة بن عبد الله.
ومنها: رواية جابر «قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا يبيع حاضر لباد، دعوا النَّاس يرزق الله بعضهم من بعض»[3]f339، وهي ضعيفة جدّاً، فإنَّ أكثر رجال السند من العامة، وهم بين ضعيف ومجهول الحال.