الدرس 192_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (24).ثالثها: ما نهي عنه تنزيها
الدرس 192 / الخميس: 09-أيلول-2021
وأمَّا الرِّوايات الدّالّة على الجواز، فهي خمسة، وكلّها ضعيفة السّند:
الأولى: رواية علي أبي الأكراد «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّي أتقبَّلُ العملَ فيه الصِّناعة وفيه النقش، فأُشارط عليه النّقاش على شيء فيما بيني وبينه العشرة أزواج بخمسة دراهم والعشرين بعشرة، فإذا بلغ الحساب قلت له: أحسِن، فأستوضعه من الشَّرط الَّذي شارطته عليه، قال: تطيبُ نفسُه؟ قلت: نعم، قَاْل: لَاْ بأس»[1]f329، وهي ضعيفة بجهالة إسماعيل بن أبي بكر، وعلي أبي الأكراد.
الثَّانية: رواية معلّى بن خنيس «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرَّجلِ يشتري المتاع، ثمَّ يستوضع، قال: لا بأس، وأمرني فكلَّمت له رجلاً في ذلك»[2]f330، وهي ضعيفة بالمعلَّى بن خنيس.
الثَّالثة: رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: قلتُ له: الرَّجل يستوهبُ من الرَّجل الشَّيء بعد ما يشتري، فيهب له، أيصلح له؟ قال: نعم»[3]f331، وهي ضعيفة بجهالة جعفر، فإنَّه مشترك بين عدة أشخاص.
الرابعة: رواية أبي العطارد «قَاْل: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الطَّعام فأضع في أوَّله، وأربح في آخره، فأسأل صاحبه أن يحطَّ عنِّي في كلِّ كرٍّ كذا وكذا، قال: هذا لا خير فيه، ولكن يحطَّ عنك جملة، قلتُ: فإن حطَّ عنِّي أكثر ممَّا وضعت، قال: لَاْ بأس...»[4]f332، وهي ضعيفة بجهالة أبي العطارد، والكرُّ مكيال لأهل العراق، أو ستون قفيزاً.
الخامسة: رواية يوسف بن يعقوب «قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرَّجلُ يشتري من الرَّجلِ البيع فيستوهبه بعد الشِّراء من غير أن يحمله على الكره، قَاْل: لا بأس به»[5]f333، وهي ضعيفة بجهالة يوسف بن يعقوب وبمحمَّد بن سنان الواقع في طريق الشّيخ الصّدوق (رحمه الله) إلى يوسف بن يعقوب.
وقد جمع الأعلام بين الرِّوايات النّاهية والرّوايات المجوّزة بحمل النّاهية على الكراهة، وهذا جمع عرفي.
وجمع في الوافي بين الرِّوايات بحمل الرِّوايات المجوّزة على ما إذا كان الاستحطاط على جهة الهبة، كما تضمّنه بعضها، حملاً لمطلقها على مقيّدها، وإبقاء الرّوايتَيْن النّاهيتَيْن أي رواية إبراهيم الكرخي وصحيحة زيد الشحام على ظاهرهما من التّحريم، وقدِ استجود ذلك صاحب الحدائق (رحمه الله).
والإنصاف: أنَّه لو أخذنا بهذه الرِّوايات لكان الجمع الَّذي ذهب إليه المشهور بالحمل على الكراهة هو الأقرب عرفاً.
ولكنّ الرِّوايات المجوّزة كلّها ضعيفة السّند، لا تصلح أن تكون صارفةً لرواية النّهي عن ظاهرها، وقد عرفت أنَّ الرِّوايات النّاهية هي رواية إبراهيم الكرخي، وهي ضعيفة.
وصحيحة زيد الشّحّام، وتحمل الحرمة فيها على الكراهة؛ للتّسالم بينهم على عدم حرمة الاستحطاط، ولا تضرّ مخالفة مَنْ خالف، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والبيع في موضع يخفى فيه العيب، (انتهى كلامه)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يكره البيع في موضع يستتر فيه العيب؛ لظلمة ونحوها، حذراَ من الغش والتدليس.
وقدِ استدلَّ لذلك بصحيحة هشام بن الحكم «قال: كنت أبيع السَّابري[6]f334 في الظِّلال، فمرَّ بي أبو الحسن الأوَّل موسى (عليه السلام) (راكباً)، فقال لي: «يا هشام، إنَّ البيع في الظِّلال غُشٌّ، والغُشُّ لا يحلُّ»[7]f335، وقد حملها الأعلام على الكراهة؛ لعدم كون ذلك غُشّاً حقيقيّاً، ولا تدليساً، مضافاً إلى التَّسالم بينهم على عدم الحرمة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والاستقصاء في الأُمور؛ لقول الصّادق (عليه السلام): «منِ استقصى فقد أساء». (انتهى كلامه)
(2) ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يكره أن يطلب الاستقصاء في جميع أموره وأحواله ومعاملاته.
وقد استدلَّ لذلك: برواية حمَّاد بن عثمان «قَالَ: دَخَلَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَشَكَا إِلَيْهِ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ الْمَشْكُوُّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): مَا لِأَخِيكَ فُلَانٍ يَشْكُوكَ؟ فَقَالَ لَهُ: يَشْكُونِي أَنِ اسْتَقْضَيْتُ حَقِّي، قَالَ: فَجَلَسَ مُغْضَباً، فَقَالَ: كَأَنَّكَ إِذَا اسْتَقْضَيْتَ حَقَّكَ لَمْ تُسِئْ، أَرَأَيْتَكَ مَا حَكَاهُ الله تَعَالَى فَقَالَ: « وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب ﴾ ]الرعد: 21[، إِنَّمَا خَافُوا أَنْ يَجُورَ الله عَلَيْهِمْ، لَا وَالله مَا خَافُوا إِلاَّ الِاسْتِقْضَاءَ، فَسَمَّاهُ الله سُوءَ الْحِسَابِ، فَمَنِ اسْتَقْضَى فَقَدْ أَسَاءَ»[8]f336، وهي ضعيفة بطريق الشَّيخ الطُّوسي (رحمه الله) بعدم وثاقة محمَّد بن يحيى الصّيرفي، كما أنّها ضعيفة في الكافي بعدم وثاقة معلّى بن محمَّد.
وعليه، فالكراهة غير ثابتة.
[1] الوسائل باب 44 من أبواب آداب التِّجارة ح2.
[2] الوسائل باب 44 من أبواب آداب التِّجارة ح3.
[3] الوسائل باب 44 من أبواب آداب التِّجارة ح4.
[4] الوسائل باب 44 من أبواب آداب التِّجارة ح5.
[5] الوسائل باب 44 من أبواب آداب التِّجارة ح7.
[6] السَّابري: نوع من الثِّياب الرَّقيق (الصّحاح سبر 2: 675).
[7] الوسائل باب 86 من أبواب ما يكتسب به ح3.
[8] التَّهذيب ج6 باب الدُّيون وأحكامها ص194 ح50، والكافي ج5 باب آداب اقتضاء الدَّين ص100 ح1.