الدرس 191_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (23).ثالثها: ما نهي عنه تنزيها
الدرس 191 / الأربعاء: 08-أيلول-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإظهار جيِّد المتاع، وإخفاء ردِّيه (رديئه) إذا كان يظهر للحسِّ، (انتهى كلامه)
(1) وأمَّا إذا كان لا يظهر للحسِّ فيحرم.
وقد استدلَّ لكراهة إظهار جيِّد المتاع وإخفاء رديئه إذا كان يظهر للحس برواية سعد الأسكاف عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: مرَّ النَّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) في سُوْق المدينة بطعام، فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلَّا طيباً، وسأله عن سِعْرِه، فأوحى الله عزّ وجلّéليه أن يدسَّ يده في الطَّعام، ففعل فأخرج طعاماً رديئاً، فقال لصاحبه: ما أراك إلاَّ وقد جمعت خيانة وغشّاً للمسلمين»[1]f326، ولكنَّها ضعيفة بأبي جميلة وعدم وثاقة سعد الإسكاف.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والاستحطاط بعد العقد، ويتأكَّد بعد الخيار. والنَّهي من النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) للكراهة؛ لأنَّه روي عن الصَّادق (عليه السلام) قولاً وفعلاً، كما روي عنه تركه قولاً فعلاً. (انتهى كلامه)
(1) المعروف بين الأعلام كراهة الاستحطاط من الثَّمن بعد العقد، أي طلب المشتري تخفيض الثَّمن من البائع بعد تمام العقد.
وقد استدلَّ لذلك بجملة من الرّوايات:
منها: رواية إبراهيم الكَرْخي «قال: اشتريتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) جاريةً، فلمَّا ذهبتُ أنقدهم، قلت: أستحطّهم؟ قال: لَاْ، إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى عنِ الاستحطاط بعد الصَّفقة»[2]f327، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة إبراهيم الكَرْخي، ولو تمَّت سنداً لحمل النَّهي على الكراهة؛ للتَّسالم بين الأعلام على عدم الحرمة، ولا يضرُّ مخالفة مَنْ خالف من بعض متأخِّري المتأخِّرين، وللرِّوايات الدّالَّة على الجواز، ومقتضى الجمع العرفي حمل هذه الرِّواية على الكراهة.
ومنها: صحيحة زيد الشّحَّام بطريق الشّيخ الطّوسي (رحمه الله) «قال: أتيتُ أبا جعفرٍ محمَّد بن عليّ (عليه السلام) بجاريةٍ أعرضها عليه، فجعل يساومني وأنا أُساومه، ثمَّ بعتها إياه، فضمن على يدي، فقلتُ: جعلت فداك، إنَّما ساومتك لأنظر المساومة، تنبغي أو لا تنبغي، وقلتُ: قد حططتُ عنك عشرة دنانير، فقال: هيهات، ألا كان هذا قبل الضَّمنة؟ أمَّا بلغك قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الوضيعة بعد الضَّمنة حرام؟!»[3]f328.
وهذه الرِّواية، وإن كانت ضعيفة بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)؛ لأنَّ في إسناده إلى زيد الشّحَّام أبا جميلة، وهو ضعيف، وضعيفة أيضاً في الكافي بالإرسال، إلاَّ أنَّها صحيحة بطريق الشَّيخ الطُّوسي (رحمه الله).
والمراد من الحرمة: شدَّة الكراهة؛ لما عرفت.
نعم، هي ظاهرة في كراهة الحطِّ فضلاً عن الاستحطاط، وقد التزم بذلك بعض الأعلام.
إلاَّ أنَّ الإنصاف: أنَّ المراد منها الاستحطاط؛ لأنَّ الحطَّ إحسان محض، فلا إشكال فيه، بل هو مرغوب فيه.