الدرس 180_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (12).ثانيها: ما نهي عنه لعارض
الدرس 180 / الخميس: 20-أيار-2021
ومنها: معتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْلَ: قَاْلَ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله) أيُّما رجلٍ اشترى طَعَاماً، فَكَبَسَه أربعينَ صَبَاحاً يُرِيدُ بِهِ غَلَاْء المُسْلِمينَ، ثمَّ بَاعَه، فتصدَّقَ بثمَنِه، لم يكن كفَّارةً لِمَا صَنَعَ»[1]f247، وهي معتبرة؛ لأنَّ أحمد بن عبدون المعروف بابن حاشر هو شيخ النَّجاشي، ومشايخه ثقات، وأمَّا عليُّ بن محمَّد بن الزُّبير فهو مِنَ المعاريف، والباقي ثقات.
وقد يستشكل في دلالتها على الحرمة؛ إذ لو كان ذلك حراماً لَمَا كان هناك فرق بين الأربعين يوماً والثَّلاثين والعشرين، ونحو ذلك، وإنَّما يناسب ذلك الكراهة، وكذا التَّفصيل بين الثَّلاثة، والأربعين، كما تقدَّم.
ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحُكْرَةِ، فَقَالَ: إِنَّمَا الْحُكْرَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ طَعَاماً، وَلَيْسَ فِي الْمِصْرِ غَيْرُهُ، فَتَحْتَكِرَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ طَعَامٌ أَوْ مَتَاعٌ غَيْرُهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْتَمِسَ بِسِلْعَتِكَ الْفَضْلَ»[2]f248، وهي ظاهرة في الحرمة بمفهوم الشَّرط، أي إذا لم يكن في المِصْر طعام غيره ففيه بأس، والبأس كناية عَنِ الحرمة.
ومثلها رواية الكليني عن الحلبي، وزاد «قال: وَسَأَلْتُه عَنِ الزَّيتِ، فَقَاْلَ: إِذَاْ كَاْنَ عِنْدَ غَيْركَ فَلَاْ بَأْسَ بإِمْسَاكِه»[3]f249، ومفهومها أنَّه إذا لم يكن عند غيرك ففيه بأس، وهي حسنة.
ومنها: صحيحة أبي الفضل سالم الحناط «قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): مَا عَمَلُكَ؟ قُلْتُ: حَنَّاطٌ، وَرُبَّمَا قَدِمْتُ عَلى نَفّاقٍ[4]f250، وَرُبَّمَا قَدِمْتُ عَلى كَسَادٍ، فَحَبَسْتُ، قَالَ: فَمَا يَقُولُ مَنْ قِبَلَكَ فِيهِ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ: مُحْتَكِرٌ، فَقَالَ: يَبِيعُهُ أَحَدٌ غَيْرُكَ؟، قُلْتُ: مَا أَبِيعُ أَنَا مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ جُزْءاً.
قَالَ: لَا بَأْسَ، إِنَّمَا كَانَ ذلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ: حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ الطَّعَامُ الْمَدِينَةَ، اشْتَرَاهُ كُلَّهُ، فَمَرَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله)، فَقَالَ: يَا حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ، إِيَّاكَ أَنْ تَحْتَكِرَ»[5]f251.
ولا يخفى عليك أن الشاهد في الرواية في موضعين. الأول: نفي الإمام البأس، حيث سأله الإمام (عليه السلام) هل يبيعه أحد غيرك، فأجاب بأنَّ البائع كثير والطَّعام مِنَ الكثرة بحدٍّ لا يكون ما أبيعه جزءاً من ألف جزء مِنَ الطَّعام الموجود ولا مفهوم لنفي البأس حتى يكون شاهداً على الحرمة.
وإنما تستفاد الحرمة من الشاهد الثاني، وهو قول النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) لحكيم بن حزام: «إياك أنْ تَحْتَكِر»؛ وبهذه الرِّوايات استدلَّ مَنْ ذهب إلى الحرمة.
وأمَّا مَنْ ذهب إلى الكراهة، فقد يستدلُّ له بحسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ، وَيَتَرَبَّصُ بِهِ: هَلْ (يصلح) يَجُوزُ ذلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ الطَّعَامُ كَثِيراً يَسَعُ النَّاسَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلاً لَا يَسَعُ النَّاسَ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَحْتَكِرَ الطَّعَامَ، وَيَتْرُكَ النَّاسَ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ»[6]f252.
ومن المعلوم أنَّ كلمة «يُكْرَه» ظاهرة في الكراهة، ومقتضى الجمع بين هذه الحسنة وبين الرِّوايات السَّابقة هو حَمْل النَّهي والبأس في الرِّوايات السَّابقة على الكراهة، وهذا هو مقتضى الإنصاف عندنا.