الدرس 181_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (13).ثانيها: ما نهي عنه لعارض
الدرس 181 / الإثنين: 24-أيار-2021
ويؤيِّد عدم الحرمة: التَّقييد بالأمصار في بعض الرِّوايات المتقدِّمة؛ إذ لا فرق على القول بالحرمة بين المصر وغيره.
وأما الكراهة فإنها تختلف بذلك شدَّةً وضعفاً.
ويؤيِّد عدم الحرمة أيضاً: معتبرة أبي مريم المتقدِّمة المستدلِّ بها على الحرمة الدَّالَّة على أنَّه إذا حَبَسَه أربعيَن صباحاً يُرِيدُ به غَلَاْء المسلمينَ، ثمَّ باعه فتصدَّقَ بثَمَنِه لم يكن كفَّارةً لِمَا صنَعَ.
وجه التَّأييد: أنَّ الطَّعام إذا لم يكن هناك باذل له، فلا يفرَّق في الحرمة بين الأربعين والثَّلاثين يوماً، وإن كان له باذل فلا يفرَّق في جواز حَبْسِه بين الأربعين والخمسين والسِّتين، ونحو ذلك.
والخلاصة: أنَّ مقتضى الصِّناعة العلمية هو الجواز مَعَ الكراهة.
نعم، الأحوط وجوباً هو الحرمة.
هذا كلُّه إذا لم يطرأ عنوان خارجي يوجب الحرمة، كما إذا كان الاحتكار يوجب الإضرار بالنَّاس، ولا مندوحة لهم عن هذا الطَّعام المحتكر، بلِ الحرمة حينئذٍ في كلِّ حَبْسٍ لكلِّ ما يحتاجه النَّاس، ويضطرون إليه، ولا مندوحة لهم عنه من مأكول أو مشروب أو ملبوس، ونحو ذلك، من غير تقييد بزمان دون زمان، ولا أعيان دون أعيان، ولا تحديد بحدٍّ، بعد حصول الاضطرار مع عدم المندوحة، وهذا ليس محلَّ الكلام بين الأعلام.
وإنَّما الكلام في حرمة الاحتكار أو كراهته فيما لو حبس الطعام انتظاراً لغلوِّ السِّعر مع حاجة النَّاس إليه، وعدم وصولهم إلى حدِّ الاضطرار، وقد عرفت أنَّه مكروه.
نعم يحرم على الأحوط، والله العالم.
الأمر الثَّاني: المشهور بين الأعلام أنَّ الاحتكار إنَّما يكون في الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والسَّمن.
قال الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية: «الاحتكار هو حَبْس الحِنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والسَّمن مِنَ البيع، ولا يكون الاحتكار في شيء سوى هذه الأجناس»، ومثلها عبارة ابن إدريس (رحمه الله).
وبالجملة، فالمشهور بينهم أنَّ الاحتكار في هذه الخمسة، أي الغلاَّت الأربع مع زيادة السَّمن، وقال الشيخ المفيد (رحمه الله): «الحكرة احتباس الأطعمة...»، وجعل أبو الصَّلاح الحلبي الاحتكار في الغلاَّت.
وأضاف الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في المقنع على الأمور الخمسة المتقدِّمة الزَّيتَ، وزاد الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط على الخمسة المشهورة الملح، وتبعه ابن حمزة، وزاد المصنِّف على الخمسة المشهورة الزَّيت والملح، فصارت سبعةً.
أقول: أمَّا الأخبار الواردة في المقام:
فمنها: رواية أبي البختري المتقدِّمة وقد اشتملت على الأمور الخمسة المشهورة، حيث ورد فيها: «لَيْسَ الحُكْرَةُ إلاَّ في الحِنْطَةِ والشَّعيرِ والتَّمرِ والزَّبيبِ والسَّمْنَ»[1]f253، وقد عرفت أنَّها ضعيفة.
ومنها: موثَّقة غيَّاث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْلَ: لَيْسَ الحُكْرَةُ إلَّاْ في الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والتَّمرِ والزَّبيبِ والسَّمنِ»[2]f254، وفي الفقيه زيادة: «والزَّيْتَ».
قال العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف: «وأجود ما وصل إلينا في هذا الباب: ما رواه غياَّث بن إبراهيم في الموثَّق، وساق الرِّواية المتقدِّمة».
أقول: من جملة الرِّوايات الواردة في المقام ما رواه الشيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الخصال بسنده عن السَّكوني عن جعفر بن محمَّد عن آبائه عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) «قَاْلَ: الحُكْرَةُ في سِتَّةِ أَشْيَاءَ: في الحِنْطَةِ والشَّعيرِ والتَّمرِ والزَّيتِ والسَّمنِ والزَّبيبِ»[3]f255، وهي ضعيفة لعدم وثاقة حمزة بن محمَّد العلوي.
ومنها: صحيحة الحلبي المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سُئِلَ عَنِ الْحُكْرَةِ، فَقَالَ: إِنَّمَا الْحُكْرَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ طَعَاماً، وَلَيْسَ فِي الْمِصْرِ غَيْرُهُ، فَتَحْتَكِرَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ طَعَامٌ أَوْ مَتَاعٌ غَيْرُهُ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَلْتَمِسَ بِسِلْعَتِكَ الْفَضْلَ»[4]f256.
ومنها: حسنته، وهي نفس الصحيحة مع زيادة «وسَأَلْتُه عَنِ الزَّيتِ، فَقَاْلَ: إِذَا كَاْنَ عِنْدَ غَيْركَ، فَلْا بأسَ بإِمْسَاكِه»[5]f257، هذه هي الرِّوايات الواردة في المقام.
وأمَّا الملح، فإنَّه لم يذكر في الرِّوايات.
نعم، نقل المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع قول الشَّيخ (رحمه الله) به في المبسوط، وقوَّاه الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، واختاره المصنِّف (رحمه الله) هنا، وهو في محلِّه؛ لشدَّة الاحتياج إليه، وتوقُّف أغلب المآكل عليه.
ولعلَّ السِّرَّ في عدم ذِكْره في الرِّوايات: أنَّ الله تعالى لعلمه بما فيه من مزيد الحاجة والاضطرار إليه جَعَله في كثرة الوجود والرُّخص قريباً مِنَ الماء الذي لا قوام للأبدان إلاَّ به، فمن ثَمَّ لم يتعرَّضوا له في الأخبار.
والإنصاف: أن يقال: إنَّ موثَّقة غيَّاث بن إبراهيم، وإن كانت ظاهرةً في اختصاص الحكم بالحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والسَّمن والزَّيت، إلاَّ أنَّ الأقوى: إلحاق الملح؛ لِما عرفت، والأمر في ذلك سهل، بناءً على القول بكراهة الاحتكار.
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّ الاحتكار مشروط بأن يستبقي هذه الأعيان للزِّيادة في الثَّمن، فلو استبقاها لحاجة إليها للبذر، أو نحوه، لم يكن به بأس.
وممَّا يدلَّ على اشتراط الاستبقاء للزِّيادة في الثَّمن في الاحتكار معتبرة أبي مريم المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أيُّما رجلٍ اشْتَرى طعاماً، فكَبَسَه أربعينَ صَبَاحاً يريدُ بِهِ غَلَاء المسلمين، ثمَّ باعه، فتصدَّق بثمنِه، لَمْ يَكُنْ كَفَّارةً لِمَا صَنَع»[6]f258.
وبالجملة، فإنَّ هذا الشَّرط متَّفق عليه بين الأعلام.
كما يشترط أيضاً في الاحتكار أن لا يوجد بائع غيره، ولا باذل، وتدلُّ عليه صحيحة الحلبي وحسنته[7]f259، وصحيحة أبي الفضل سالم الحناط المتقدِّمة[8]f260، فراجع.
[1] الوسائل باب 27 من أبواب آداب التِّجارة ح7.
[2] الوسائل باب 27 من أبواب آداب التِّجارة ح4.
[3] الوسائل باب 27 من أبواب آداب التِّجارة ح10.
[4] الوسائل باب 28 من أبواب آداب التِّجارة ح1.
[5] الوسائل باب 28 من أبواب آداب التِّجارة ح2.
[6] الوسائل باب 27 من أبواب آداب التِّجارة ح6.
[7] الوسائل باب 27 من أبواب آداب التِّجارة ح1، و2.
[8] الوسائل باب 28 من أبواب آداب التِّجارة ح3.