الدرس 179_في المناهي وهي على أقسام ثلاثة (11).ثانيها: ما نهي عنه لعارض
الدرس 179 / الأربعاء: 19-أيار-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ومنه الاحتكار، وهو حَبْس الغلاَّت الأربع، والسَّمن، والزَّيت والملح على الأقرب فيهما؛ توقّعاً للغلاء. والأظهر: تحريمه مع حاجة النَّاس إليه.
ومظنَّتها الزِّيادة على ثلاثة أيَّام في الغلاء، وأربعين في الرُّخص؛ للرِّواية، فيجبر على البيع حينئذٍ. ولا يسعَّر عليه إلَّا مَعَ التشدُّد؛ لقول النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّما السِّعر إلى الله». ولا يسعَّر في الرُّخص قطعاً، فيحرم فِعْله. (انتهى كلامه)
(1) من جملة ما نُهِيَ عنه لعارض: الاحتكار، قال في الحدائق: «الاحتكار هو افتعال من الحُكْرة بالضَّمِّ وهو جَمْع الطَّعام، وحَبْسه، يتربَّص به الغلاء...»، وقال الشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية: «الاحتكار هو حَبْس الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والسَّمن مِنَ البيع، ولا يكون الاحتكار في شيء سوى هذه الأجناس، وإنَّما يكون الاحتكار، إذا كان بالنَّاس حاجة شديدة إلى شيء منها، ولا يوجد في البلد غيره، فأمَّا مع وجود أمثاله، فلا بأس أن يحبسه صاحبه، ويطلب بذلك الفَضْل...»، ومثلها عبارة ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر.
وعن بعض الأعلام أنَّ الاحتكار هو حَبْس الطَّعام انتظاراً لعلوِّ السِّعر، مع حاجة النَّاس إليه، وعدم وصولهم إلى حدِّ الاضطرار.
أقول: يقع الكلام في ستَّة أمور:
الأوَّل: هلِ الاحتكار محرَّم، أم هو مكروه؟
الثَّاني: موضوع الاحتكار، هل هو في الحنطة والشَّعير والتَّمر والزَّبيب والسَّمْن، أو هو في الغلاَّت فقط، أو هو في الأطعمة، ولا يشمل غيرها؟
الثَّالث: هل يشترط في الاحتكار أن يكون الاستبقاء للزَّيادة في الثَّمن، وأنْ لا يُوجَد بائع غيره، أم لا؟
الرَّابع: هل حدُّ الاحتكار في الغلاء وقلَّة الطَّعامِ ثلاثةُ أيامٍ، وفي الرُّخص، وحال السِّعة، أربعون يوماً، أم ليس له حدٌّ من هذه الجهة؟
الخامس: هلِ الاحتكار يختصُّ بالشِّراء، بمعنى أن يشتريها ويحبسها لذلك، أو يشمل ما كان من غلته، وما إذا وهبه أحد؟
السَّادس: لا كلام بين الأعلام في أنَّ الإمام (عليه السلام) أو الحاكم يُجبِر المحتكرين على البيع، ولكن هل يسعِّر عليهم أم لا؟
إذا عرفت ذلك، فنقول:
الأمر الأوَّل: فقد ذهب جماعة مِنَ الأعلام إلى الحرمة، ولعلَّ المشهور على ذلك، منهم الشَّيخ الصَّدوق وابن البراج وابن إدريس، وأبو الصَّلاح الحلبي في فصل البيع، والمصنِّف هنا، والشَّهيد الثَّاني في المسالك (قدس الله أسرارهم جميعاً).
وبالمقابل، ذهب جماعة أخرى منهم إلى الكراهة، منهم الشَّيخ المفيد، والشَّيخ في المبسوط، وأبو الصَّلاح في المكاسب، والعلاَّمة في المختلف، والمحقِّق في الشَّرائع وصاحب الجواهر (قدس الله أسرارهم جميعاً)، وكذا غيرهم.
ولكي يتَّضح الحال لا بدَّ مِنَ الرُّجوع إلى النَّبع الصَّافي، وهو روايات أهل البيت S:
منها: معتبرة السَّكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله): لَاْ يَحْتَكِرُ الطَّعَامَ إلاَّْ خَاطِئٌ»[1]f241، وهي ظاهرة في الحرمة.
ومنها: معتبرته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: الْحُكْرَةُ فِي الْخِصْبِ أَرْبَعُونَ يَوْماً، وَفِي الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ يَوْماً فِي الْخِصْبِ فَصَاحِبُهُ مَلْعُونٌ، وَمَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْعُسْرَةِ فَصَاحِبُهُ مَلْعُونٌ»[2]f242.
لكن قد يُسْتَشكل في الدَّلالة على الحرمة؛ باعتبار أنَّ اللَّعن ليس ظاهراً فيها؛ إذ معناه الطَّرد من رحمة الله، وهو أعمُّ منها، فيشمل الكراهة.
ومنها: رواية بن القدَّاح عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْلَ: قَاْلَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله): الجَالِبُ مَرْزُوقٌ، والمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ»[3]f243، وهي ضعيفة بسهل بن زياد، وبعدم وثاقة جعفر بن محمَّد الأشعري، وهي ضعيفة أيضاً في الفقيه بالإرسال، ودلالتها مثل التي قبلها.
ومنها: مرسلة الفقيه «قَاْلَ: وَنَهَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنِ الحُكْرَةِ في الأَمْصَارِ»[4]f244، وهي، وإن كانت ظاهرة في الحرمة، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلة ورَّام بن أبي فراس في كتابه عَنِ النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله) عن جبرائيل (عليه السلام) «قَاْل: اطِّلَعتُ في النَّارِ، فرأيتُ وَاْدِياً في جهنَّمَ يَغْلِي، فَقُلْتُ: يَاْ مالكُ، لمن هذا؟ فقال لثلاثة: المُحْتَكِرِينَ، والمُدْمِنْينَ الخَمْرَ، والقوَّادِيْنَ»[5]f245، وهي، وإن كانت ظاهرة جدّاً في الحرمة، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية أبي البختري عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (عليه السلام) «أنّ عَلِيًّا (عليه السلام) كَاْنَ يَنْهَى عَنِ الحُكْرَةِ في الأَمْصَارِ، فَقَاْلَ: لَيْسَ الحُكْرَةُ إلاَّ في الحِنْطَةِ والشَّعيرِ والتَّمرِ والزَّبيبِ والسَّمْنَ»[6]f246، وهي، وإن كانت ظاهرة في الحرمة، إلاَّ أنَّها ضعيفة بأبي البختري.