الدرس 88 _زكاة مال التجارة 1
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: تستحب زكاة التجارة، وأوجبها ابنا بابويه(1)
(1) المعروف بين الأعلام استحباب الزَّكاة في مال التِّجارة، قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: «لا زكاة في مال التِّجارة على قول أكثر أصحابنا وجوباً، وإنَّما الزَّكاة فيها استحباباً، وقال قوم منهم: تجب فيه الزَّكاة في قيمتها، تُقوَّم بالدَّنانير والدَّراهم، وقال بعضهم: إذا باعه زكاةً لسنة واحدة إذا طلب بربح أو برأس المال، فأمَّا إذا طلب بنقصان فلا خلاف بينهم أنَّه ليس فيه الزَّكاة ...».
وحكى المصنِّف (رحمه الله) الوجوب عن ابني بابويه (رحمهما الله)، ونقل صاحب الوسيلة (رحمه الله) أنَّ القائلين بالاستحباب اختلفوا، فقال بعضهم: باستحباب الزَّكاة في سنة واحدة وإن مرَّ عليه سنون، وقال آخرون: يلزم كلُّ سنةٍ، ونُقِل عن ابن أبي عقيل (رحمه الله) أنَّه قال: «اِختلفت الشِّيعة في زكاة التِّجارة، فقال طائفة منهم: بالوجوب، وقال آخرون: بعدمه، وهو الحقُّ عندي...».
أقول: قد يُستظهر القول بالوجوب من الرِّوايات التي سنذكرها إن شاء الله تعالى، ولكنَّها محمولةٌ على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما ذكرناه في أوَّل مبحث الزَّكاة من التَّسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً على عدم الوجوب، إلاّ في الأمور التِّسعة المتقدِّمة.
وقدِ ادَّعى صاحب الجواهر (رحمه الله) تواتر الأخبار على انحصار الوجوب في التِّسعة المتقدِّمة، ولعلَّه يقصد أنَّه مقطوع بمضمونها لقرائن، وإلاَّ فالتَّواتر الاصطلاحيّ، بحيث يبلغ عدد الرُّواة في كلِّ طبقةٍ حدّاً يمتنع عادةً اشتباههم أو تواطؤهم على الكذب، غيرُ حاصلٍ.
وممَّا يدلُّ على عدم الوجوب صريحاً جملةٌ من الرِّوايات، منها: صحيحة زرارة «قال: كنتُ قاعداً عند أبي جعفر (عليه السلام) وليس عنده غير ابنه جعفر (عليه السلام) فقال: يا زرارة، إنَّ أبا ذرٍّ وعثمان تنازعا على عهد رسول الله (ص)، فقال عثمان: كلُّ مالٍ من ذهب أو فضَّة يُدار، ويعمل به، ويُتّجر به، ففيه الزكاة إذا حال عليه الحَوْل، فقال أبو ذرٍّ: أمَّا ما يتَّجر به أو دير وعُمِل به فليس فيه زكاة، إنَّما الزَّكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً، فإذا حال عليه الحَوْل ففيه الزَّكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول الله (ص)، قال: فقال: القول ما قال أبو ذرٍّ... الحديث»([1])، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
وقد حَمَل صاحب الحدائق (رحمه الله) الرِّوايات الظَّاهرة في الوجوب على التَّقيّة، ولكنَّك عرفت أنَّها محمولةٌ على الاستحباب؛ للجمع العرفيّ بينها وبين ما ذكرناه، والحمل على التَّقيّة إنَّما يصحُّ فيما إذا تعارضتِ الرِّوايات، ولم يمكن الجمع العرفيّ بينها، كما هو مقرَّر في محلِّه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وهي الاسترباح بالمال المنتقل بعقد المعاوضة، فلا زكاة في الميراث، والموهوب، ولا في القنية، ولو تجدَّد قصد الاكتساب كفى على الأقوى(1)
(1) وقع الكلام بين الأعلام في تعريف مال التِّجارة الذي يُستحبّ فيه الزَّكاة، فالمشهور بينهم: أنَّه الذي يُملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب به، فخرج منه ما مُلِك لا بعقد، كالميراث وحيازة المباحات، ونحو ذلك، وإن قُصِد به الاكتساب، وكذا خرج ما يُملك بعقد لا على جهة المعاوضة، كالهِبة والصَّدقة والوقف، ونحو ذلك.
والمراد بالمعاوضة: ما كانت معاوضةً محضةً، وهي ما يقوم طرفاها بالمال، كالبيع والصُّلح ونحوهما، فيخرج الصّداق والخلع، فإنَّ أحد العوضَيْن ليس مالاً، وكذا يخرج ما لم يقصد به الاكتساب، كأن يقصد القنية والصَّدقة.
وذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّ مال التِّجارة هو المال الذي تملكه الشَّخص وأعدَّه للتِّجارة والاكتساب به، سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة أو بمثل الهبة أو الصُّلح المجانيّ أو الإرث على الأقوى.
ومال إلى هذا التَّعريف صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: «إن لم ينعقد إجماع على اعتبار الملك بعقد معاوضة لأمكن المناقشة فيه بصِدْق مال التِّجارة على المنتقل بعقد هبةٍ، بل بإرث، مع نيَّة التِّجارة به إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه، ورأس المال الموجود في النُّصوص لا يُعتبر فيه كونه من مالك العين، إذِ المراد به ثمن المتاع في نفسه وإن كان من الواهب والمورِّث، وظهور بعض النُّصوص في ذلك مع أنَّه مبنيٌّ على الغالب ليس هو على جهة الشَّرطيّة كي ينافي ما دلَّ على العموم»، ثمَّ ذكر بعض الرِّوايات الدَّالّة، والتي سنتعرض لها إن شاء الله تعالى .
وأمَّا المصنِّف (رحمه الله) وكذا الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، وجملة من الأعلام، فلم يعتبروا مقارنة قصد التَّكسُّب حال التَّملُّك، وذكروا أنَّ مال القنية إذا قُصِد به التِّجارة تعلَّقت به الزَّكاة؛ نظراً إلى أنَّ المال بإعداده للرِّبح يصدق عليه أنَّه مال تجارة، فتتناوله الرِّوايات المتضمِّنة لاستحباب زكاة التِّجارة.
([1]) الوسائل باب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح1.