الدرس 165 _بقيّة أحكام الزكاة 15
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّ قبض وكيل الفقير كقبضه.
ولكن عن ابنَي إدريس والبرَّاج (رحمهما الله): منع الوكالة في ذلك، واختاره صاحب المدارك (رحمه الله)، قال: «وفي معنى الدَّفع إلى المستحقّ الدَّفع إلى وكيله إن سوَّغنا الوكالة في ذلك، لكنَّ الأظهر عدم الجواز، كما اختاره ابن إدريس في سرائره ونقله عن ابن البرَّاج؛ لأنَّ إقامة الوكيل مقام الموكِّل في ذلك يحتاج إلى دليل، ولم يثبت. واستدلّ عليه ابن إدريس أيضاً بأنَّ الذِّمّة مرتهنة بالزَّكاة، ولا خلاف بين الأمَّة أنَّ بتسليمها إلى مستحقّها تبرّأ الذِّمّة بيقين، وليس كذلك إذا سلِّمت إلى الوكيل؛ لأنَّه ليس من الثَّمانية الأصناف بلا خلاف. وبأنَّ التوَّكيل إنَّما يثبت فيما يستحقّ الموكّل المطالبة به، والزَّكاة لا يستحقّها واحد بعينه، ولا يملكها إلاَّ بعد القبض».
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الكلام في غير محلِّه؛ لأنَّ إطلاقات أدلَّة الوكالة تشمل ما نحن فيه، كشمولها لوكيل المالك، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو لم ينوِ المالك عند أخذ الإمام، أو السَّاعي، أو الفقيه أجزأت إن أُخذت كُرهاً. ويجب عليهم النِّيّة عند الدَّفع إلى المستحقّ(1)
(1) يُجتَزأ بنيَّة الإمام (عليه السلام) أو السَّاعي أو الفقيه عند التَّسليم للمستحقّ بعد أخذ الزَّكاة كُرهاً من المالك، ولو لم ينوِ المالك، لقيامهم بعد امتناعه مقامه.
ومن المعلوم أنَّهم أولياؤه بعد امتناعه، فلهم النِّيّة عند الأخذ منه والاكتفاء بها عن نيَّته عند التَّسليم، لقيامهم مقام المالك والقابض.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو أُخذت طوعاً، فوجهان، أقربهما: الإجتزاء (الإجزاء) إذا نوى الثَّلاثة(2)
(2) إذا أخذ الإمام (عليه السلام) أو السَّاعي أو الفقيه الزَّكاة طوعاً من صاحبها، ولم ينوِ عند الدَّفع إليهم، فهل تُجزي نيّتهم مع عدم وكالتهم عنه؟
المعروف هو عدم الإجزاء وفاقاً للشَّيخ، وخلافاً للمحقِّق في الشَّرائع، والعلاَّمة في الإرشاد، والمصنِّف هنا، والشَّهيد الثَّاني في المسالك (رحمهم الله جميعاً).
وقدِ استدلُّوا للإجزاء بوجوه، أهمّها: أنَّ الإمام (عليه السلام) وليّ عن المالك، ولذا يأخذها منه مع الامتناع اتفاقاً.
وفيه: أنَّ كون المعصوم (عليه السلام) أولى بالمؤمن من نفسه لا يقتضي النِّيابة عنه فيما هو متعبَّد به بلا امتناع منه.
وأمَّا قياس ذلك على الممتنع، ففي غير محلِّه؛ لأنَّه وليّ الممتنع بالاتِّفاق، وممَّا ذكرنا يتضح حكم السَّاعي والفقيه.
نعم، لو كانوا وكلاء عنه جاز الاكتفاء بنيّتهم حينئذٍ كما تقدَّم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب فيها الجزم، فلو قال: هذا زكاة أو خمس أو فرض أو نفل، أو إن كان مالي الغائب باقياً فهو زكاة أو نفل، لم يُجزئ(1)
(1) ذكر كثير من الأعلام أنَّ الوجه في عدم الإجزاء هو التَّرديد في النِّيّة، مع أنَّه يُشترط في الصِّحّة الجزم بها.
والإنصاف: أن يُقال: إنَّ التَّرديد، إن كان بين الفرض أو النَّفل فهو ليس ترديداً في النِّيّة؛ لأنَّه قاصد الإتيان بالأمر المتوجّه إليه، ولكنَّه لا يعلم صفته، وأنَّه واجب أو مستحبّ، فالتَّرديد في صفة المنويّ، لا في النية.
نعم، لو كان قصده الإتيان به على تقدير وجوبه، دون ما لو كان مستحباً، فهو حينئذٍ ترديد في النِّيّة.
وبالجملة، فإنَّ التَّرديد بين الوجوب والنَّدب مع قصد الإتيان بالأمر المتوجِّه إليه مهما كانت صفته لا يضرّ بالصِّحّة.
وأمَّا لو قال: هذا زكاة أو خمس، فإنَّه لا يُجزئ؛ لعدم قصد عنوان المأمور به، ولو إجمالاً؛ إذ يُشترط في الصِّحّة قصد العنوان المأمور به، فلا بدّ أن يقصد أنَّ ما دفعه للفقير هو زكاة، وإلاَّ فلا يكون ممتثلاً؛ لأنَّ العناوين مأخوذة على نحو الجهة التَّقييديّة، ولابدّ من قصدها عند امتثال الأمر، فلو أتى بركعتَيْن مردَّدتَيْن بين نافلة الفجر أو الفريضة فلا يجزيه.
وكذا لو أمسك عن المفطرات مردّداً بين الصَّوم أو رياضة النَّفس فلا يقع صوماً.
وممَّا ذكرنا يتَّضح حكم ما لو قال: إن كان مالي الغائب باقياً فهو زكاة أو نفل، فإنَّه لا يصحّ؛ لأنَّه لا بدّ من قصد عنوان الزَّكاة في الامتثال، والفرض أنَّه غيرُ حاصلٍ.
نعم، لو قصد عنوان الزَّكاة إلاَّ أنَّه لم يعلم أنَّها واجبة أو مستحبَّة، فهذا لا يضرّ لما عرفت.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو قال: إن لم يكن باقياً فنفل أجزأ(1)
(1) إذا قال: إن كان مالي الغائب باقياً فهذه زكاته، وإن كان تالفاً فهي نافلة، فالمعروف بينهم أنَّه ليس ترديداً في النِّيّة، بل في المنويّ، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده بين من تعرَّض له منَّا، بل في فوائد الشَّرائع: لا مانع من صحَّته بوجه من الوجوه، بل عن الشَّيخ الإجماع عليه...».
وبالجملة، فإنَّه قاصد لامتثال الأمر، وجازم بالوجوب على تقدير بقاء المال، كما أنَّه جازم بالنَّفل على تقدير عدمه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو دفعها عن المال الغائب فبان تالفاً، فالأقرب: جواز صرفه إلى غيره، مع بقاء العين أو تلفها، وعلم القابض بالحال(2)
(2) ولو دفعها عن ماله الغائب إن كان سالماً، ثمَّ بان تالفاً، فالمعروف بين الأعلام أنَّه يجوز نقلها إلى غيره من أمواله، سواء أكانت العين باقيةً أم تالفةً، إذا كان القابض عالماً بالحال؛ لما عرفت من بقاء المال المدفوع على ملك المالك لفساد قبضه بعنوان الزَّكاة بعد فرض علمه بالحال، فكان مضموناً في يد القابض؛ لقاعدة اليد، سواء أتلف المال أم لم يتلف، فله حينئذٍ احتساب العين أو مثلها أو قيمتها زكاة عن غير ذلك من أمواله على المدفوع إليه أوَّلاً وعلى غيره، وله أخذها واحتساب غيرها عليه أو على غيره إن كان عليه حقّ.
وأمَّا مع عدم علمه بالحال، فالمعروف بينهم عدم ضمانه مع التَّلف؛ لأنَّه مغرور، فلا يرجع عليه بالعوض، والله العالم.