الدرس 81 _زكاة الغلات الأربعة 19
الأمر السَّادس: قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «والخارص الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ أو العامّ؛ لولايته على مال الفقراء، بل قد يقوى جوازه من المالك إذا كان عارفاً، وخصوصاً مع تعذُّر الرُّجوع إلى الولي العامّ، كما عن الفاضلَيْن والشَّهيد والمقداد والصَّيمري النَّصّ عليه، وعلى جواز إخراجه عدلاً يخرصه له، وإن كان الأحوط الرُّجوع إلى الوليّ مع التَّمكُّن، قال في المعتبر: ويجوز عندنا تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة السَّاعي. ولعلَّه لمعلوميَّة عدم خصوصيَّة خرص السَّاعي، وإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح سعد بن سعد: إذا خرصه أخرج زكاته، وقوله (عليه السلام): إذا صرم وخرص».
وَلْنبدأ من آخر ما قاله صاحب الجواهر (رحمه الله)، أقول: أمَّا الصَّحيحتان، فقد عرفت سابقاً المراد منهما، فلا حاجة للإعادة.
وأمَّا قوله:«ولعلَّه لمعلوميَّة عدم خصوصيَّة خرص السَّاعي».
ففيه: ما لا يخفى، ومن أين لنا العلم بعدم خصوصيَّة خرص السَّاعي؟! مع أنَّه له الولاية من قبل الإمام (عليه السلام) أو نائبه، وغيره لا ولاية له، حتى المالك، فإنَّ ولايته إنَّما هي على ماله، وأمَّا ولايته على تقدير الزَّكاة فتحتاج إلى دليل، وهو مفقود.
والخلاصة: أنَّ اعتبار خرص المالك أو مَنْ يبعثه المالك إذا كان عادلاً أو ثقةً يحتاج إلى دليل، وإن ذهب إلى ذلك جماعة من الأعلام، ومنهم المصنِّف (رحمه الله).
الأمر السَّابع: ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يجوز للخارص التَّخفيف على المالك بأن يترك بعض النَّخل وبعض شجر الكرم بلا تخمين، ولا تقدير تخفيفاً على المالك، وإرفاقاً به.
وقد يستدلُّ لذلك: بما رواه أبو عبيد بإسناده إلى النَّبيّ (ص) «كان إذا بعث الخارص، قال: خفِّفوا على النَّاس، فإنَّ في المال العريَّة والواطئة والآكلة»([1])، قال أبو عبيد: «والعريَّة: هي النَّخلة والنَّخلات يهب الإنسان ثمرتها، والواطئة: السَّابلة، سمُّوا بذلك لوطئهم بلاد الثِّمار مجتازين».
وفيه: ما لا يخفى، فإنَّ هذه الرِّواية نبويَّةٌ ضعيفةُ جدّاً، لم ترد من طرقنا، وإنَّما ذكرها بعض الأعلام في كتبهم، ولا يصحُّ الاعتماد عليها.
بل لعله لم يثبت كونها رواية عن النبي (ص) حتى عند العامة.
وقال جماعة من الجمهور منهم أحمد بن حنبل : بترك الثُّلث أو الرُّبع؛ لما روى سهل بن أبي خيثمة «أنَّ رسول الله (ص) كان يقول: إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثُّلث، فإن لم (تجدوا أو تدعوا فالربع) تدعوا الثُّلث فدعوا الرُّبع»([2])، وهي أيضاً نبويَّة ضعيفة جدّاً لم ترد من طرقنا.
أضف إلى ذلك: أنَّ ترك الثُّلث أو الرُّبع فيه إجحاف بالفقراء، وينافي أيضاً أصالة عدم جواز التَّسلُّط على مال الفقراء، لا سيَّما إذا كان نقص في أموالهم.
والخلاصة: أنَّه لا يجوز للخارص التَّخفيف على المالك من أموال الفقراء؛ هذا كلُّه إذا قلنا: بتعلُّق الوجوب ببدوِّ الصَّلاح، وكان الخرص بعد التَّسمية.
الأمر الثَّامن: ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لوِ اقتضت المصلحة تخفيف النَّخل جاز وسقط من الحقِّ بالحساب، وعن العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة: «لو احتاج إلى قطع الثَّمرة أجمع بعد بدوِّ الصَّلاح لئلاَّ تتضرَّر النَّخلة بمصِّ الثَمرة جاز القطع إجماعاً؛ لأنَّ الزَّكاة تجب على طريق المواساة، فلا يكلَّف ما يتضرَّر به ويهلك أصل ماله، ولأنَّ في حِفْظ الأصول حظًّا للفقراء لتكرُّر حقِّهم...».
أقول: أمَّا بناءً على ما ذهبنا إليه من أنَّ وقت تعلُّق الوجوب هو التَّسمية أي صِدْق التَّمر والحنطة والشَّعير والزَّبيب فالأمر واضح؛ إذ قبل ذلك هو ماله ولا يشاركه فيه أحد، فيجوز له تخفيف الثَّمرة عن الشَّجرة أو قطع الثَّمر أجمع، بل يجوز له قطع أصل الشَّجرة من أساسها؛ لأنَّ النَّاس مسلَّطون على أموالهم.
وإنَّما الكلام بناءً على القول الآخر من أنَّ وقت تعلُّق الوجوب هو بدوّ الصَّلاح واشتداد الحبّ، فنقول: إنَّ كان هناك ضرر على المالك إذا لم يخفَّف من الثَّمرة أو لم يقطع الثَّمر أجمع، فيجوز له حينئذٍ فعل ذلك، ويسقط من الحقِّ بالحساب.
وأمَّا إذا لم يتضرَّر بعدم التَّخفيف أو عدم قطع تمام الثمرة، فيجوز له أيضاً التَّصرُّف في تمام العين، ما عدا مقدار الزَّكاة، بناءً على القول: بأنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالعين على نحو الكُلِّيّ في المعيَّن، أو بناءً على القول: بتعلُّقها بها على نحو الشَّركة في الماليَّة.
وأمَّا بناءً على تعلُّقها بها على نحو الشَّركة الحقيقيَّة، فيحتاج في التَّصرُّف إلى إجازة وليّ الفقراء، وهو الحاكم الشَّرعيّ، والله العالم.
الأمر التَّاسع: المعروف بين الأعلام أنَّه لو تلفت الثَّمرة بغير تفريط منهم، مثل عروض الآفات السَّماويَّة والأرضيَّة أو ظلم ظالم سقط ضمان الحِصَّة، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده...»، وعن التَّذكرة: «الإجماع عليه...».
أقول مضافاً للاتِّفاق على ذلك : إنَّها أمانةٌ، فلا تُضمَن بالخرص، والفرض أنَّ المالك غيرُ مفرِّطٍ.
وحُكِي عن مالك أنَّه ضمَّنه؛ لأنَّ الحكم انتقل إلى ما قال الخارص, وفيه: ما لا يخفى.
([1]) سنن البيهقي: ج4، ص124 والشرح الكبير ح2 ص571.
([2]) مسند أحمد: ج4، ص2 و3، وسنن البيهقي: ج4، ص123.