الدرس 82 _زكاة الغلات الأربعة 20
الأمر العاشر: لوِ اختار الخارص القسمة رطباً لم يجب على المالك إجابته.
نعم، لو قَبِل المالك جاز؛ لأنَّ القسمة تمييز للحقِّ وليست بيعاً.
لكنَّ هذا الكلام كلَّه مبنيٌّ على القول: بأنَّ وقت تعلُّق الوجوب هو بدوّ الصَّلاح، وأمَّا على القول الآخر فلا معنى للقسمة؛ لأنَّ المال بتمامه للمالك، وكما أنَّه تجوز القسمة رطباً بناءً على القول: بأنَّ وقت التعلُّق هو بدوّ الصَّلاح يجوز أيضاً للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو من غيره.
نعم، لو باعه من المالك بجنسه، فلا بدَّ أن يكون مع عدم الزِّيادة، وإلاَّ لكان من الرِّبا المحرَّم؛ لأنَّ العين الزَّكويَّة من المكيل والموزون، فإن باع بمثلها مع الزِّيادة كانت المعاملة ربويَّةً، فيبيع حينئذٍ بالتَّساوي أو من غير جنسه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويُصدَّق المالك في تلفها بظالم أو غيره بيمينه(1)
(1) تقدَّم الكلام في هذه المسألة عند قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً: «ويُصدَّق المالك بغير يمينٍ في عدم الحَوْل إلاَّ مع قيام البيِّنة»، فراجع، فإنَّه مهمٌّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز التَّخفيف للحاجة، ويسقط بالحساب(2)
(2) قد عرفت ما هو مقتضى الإنصاف فيها في المسألة المتقدِّمة، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز دفع الثَّمر على الشَّجر(3)
(3) المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز للمالك دفع الثَّمرة على الشَّجرة؛ لأنَّ ما دلَّ على تأخُّر وقت الإخراج إنَّما يدلُّ على عدم وجوب المبادرة في الأداء إرفاقاً بالمالك، لا عدم مشروعيَّة الدَّفْع.
نعم، بناءً على ما ذكرناه من أنَّ وقت تعلُّق الوجوب هو صِدْق التَّمر والحنطة والشَّعير والزَّبيب، فلا يجزئ الدَّفع قبل ذلك؛ إذ لا زكاة حينئذٍ ولا أمر بالوجوب.
نعم، بناءً على القول الآخر بأنَّ وقت التعلُّق هو بدوّ الصَّلاح واشتداد الحبّ، فيجوز الدَّفع حينئذٍ قبل صِدْق عنوان التَّمر والزَّبيب والحنطة والشَّعير؛ لأنَّه مأمور بالزَّكاة، وليس للسَّاعي الامتناع عن ذلك.
نعم، لو كان الدفع في تلك الحالة يوجب عدم انتفاع الفقير بها لأشكل الأمر؛ لأنَّه إتلاف لمال الفقراء.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والعنب الذي لا يصير زبيباً، والرُّطب الذي لا يصير تمراً يخرص على تقدير الجفاف(1)
(1) اِعلم أنَّ الرُّطب على قسمَيْن:
قسم يجيء منه تمر، وهو كلَّما كثر لحمه، وقلَّ ماؤه، كالبَرْنيّ والمعيقليّ، وغيرهما، وحكمه واضح.
وقسم آخر لا يجيء منه تمر، مثل الخاسويّ والإبراهيميّ، فإنَّه يُخرص على تقدير الجفاف ويُدفع حينئذٍ؛ هذا بناءً على القول: بأنَّ وقت تعلُّق الوجوب هو بدوّ الصَّلاح.
وأمَّا على المبنى الآخر، فلا وجوب حينئذٍ؛ لعدم صِدْق التَّمر عليه، وهو لا يصير تمراً بعد ذلك، فلا موضوع للزَّكاة.
وممَّا ذكرنا يتَّضح حال العنب أيضاً، فهو على قسمَيْن:
قسم يجيئ منه الزَّبيب، وحكمه واضح.
وقسم آخر لا يجيء منه الزَّبيب، وهو العنب الحميريّ، فإنَّه يخرص على تقدير الجفاف، ويُدفع حينئذٍ.
لا يُقال: إنَّه لا موضوع لوجوب الزكاة على المذهب الصَّحيح من أنَّ وقت التعلُّق هو وقت التَّسمية، وذلك لعدم كونه زبيباً.
فإنَّه يُقال: إنَّه في خصوص العنب قام الدَّليل على أنَّ وقت التعلُّق هو صِدْق العِنبيَّة، والتزمنا بذلك سابقاً، فلا إشكال من هذه الجهة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وعلى الإمام بعث خارص، ويكفي الواحد العَدْل، والعَدْلان أفضل(1)
(1) لا يشترط في الخارص الذي يبعثه الإمام (عليه السلام) أو نائبه أن يكون عادلاً، بل يكفي كونه ثقةً.
نعم، العَدْل أفضل، وأفضل منه العدلان.
وبالجملة، أنَّه لا دليل على اعتبار العدالة في الخارص، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والحنطة والشَّعير جنسان هنا(2)
(2) لا إشكال بين الأعلام في كون الحنطة والشَّعير جنسَيْن مختلفَيْن، بل تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على كونهما جنسَيْن مختلفَيْن صورةً وشكلاً، ولوناً وطعماً، فهما مختلفان اختلاف الحقيقة لا اختلاف الصِّنف.
وعليه، فعدم احتسابهما في الزَّكاة جنساً واحداً هو على طبق القاعدة.
نعم، هما في باب الرِّبا جنس واحد؛ وذلك لأجل النُّصوص الخاصَّة المستفيضة جدّاً، ولولا تلك النُّصوص لكانا أيضاً جنسَيْن مختلفَيْن.
ومن جملة النُّصوص الواردة في باب الرِّبا صحيحة أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: الحِنْطة والشَّعير رأساً برأسٍ، لا يُزَاد واحدٌ منهما على الآخر»([1]).
ومنها: صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله «قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيجوز قفيزٌ من حنطةٍ بقفيزَيْن من شعير؟ فقال: لا يجوز إلاَّ مثلاً بمثل، ثمَّ قال: إنَّ الشَّعير من الحِنْطة»([2]).
ومنها: حسنة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا يُبَاع مختومان من شعير بمختوم من حنطة، ولا يُبَاع إلاَّ مثلاً بمثل، والتَّمر مثل ذلك. قال: وسُئِل عن الرَّجل يشتري الحِنْطة فلا يجد صاحبها إلاَّ شعيراً، أيصلح له أن يأخذ اثنَيْن بواحد؟ قال: لا، إنَّما أصلهما واحدٌ، وكان عليٌّ (عليه السلام) يعدُّ الشَّعير بالحنطة»([3])، أي يعدهما واحداً، والمختوم عبارة عن صاع، والمختومان صاعان.
ومنها: موثَّقة سماعة «قال: سألته عن الحنطة والشَّعير، فقال: إذا كانا سواء فلا بأس، قال: وسألته عنِ الحنطة والدَّقيق، فقال: إذا كانا سواء فلا بأس»([4])، ومضمرات سماعة مقبولة، وكذا غيرها من الرِّوايات.
([1]) الوسائل باب 8 من أبواب الربا ح3.
([2]) الوسائل باب 8 من أبواب الربا ح2.
([3]) الوسائل باب 8 من أبواب الربا ح4.
([4]) الوسائل باب 8 من أبواب الربا ح6.