الدرس 136 _اوصاف المستحقين للزكاة 11
الأمر الثَّاني: ذكر جماعة من الأعلام وهو مقتضى الإنصاف عندنا أنَّه لا فرق بين سهم الفقراء والمساكين وغيرهما من سائر السِّهام، ويقتضيه إطلاق الأدلَّة.
مضافاً إلى تصريح صحيحة العيص المتقدِّمة بحرمة سهم العاملين عليها، الَّذي هو كالعوض عن العمل، فغيره أولى.
وحُكي عن كشف الغطاء (رحمه الله) التّأمُّل في حرمة سهم سبيل الله وسهم المؤلّفة قلوبهم والرِقاب مع فرضهما بارتداد الهاشميّ أو كونه من ذرية أبي لهب، ولم يكن في سلسلة مسلم، وأمَّا فرض الرِّقاب فكما لو تزوَّج الهاشمي أمةً، واشتُرط عليه رقِيّة الولد إن قلنا: بصحَّة الشَّرط وحصول الرِّقيَّة .
وكأنَّ الوجه في تأمُّل كاشف الغطاء (رحمه الله): هو التَّعليل في بعض الرِّوايات: «بأنها أوساخ أيدي النَّاس» الدَّالّ على أنَّ منعهم إياها تكريم لهم، وهو غير منطبق على سهم المؤلَّفة؛ لعدم استحقاقهم هذا التَّكريم ولا على سهم الرِّقاب؛ لعدم تصرفهم فيه بوجه، وإنَّما يدفع إلى المالك عوضاً عن رقابهم.
ولكن لا يخفى عليك: أنَّه لا يمكن التَّعليل بذلك في مقابل إطلاقات الأدلَّة، لا سيَّما وأنَّ التَّعليل بأنّها أوساخ النَّاس هو حكمة، وليس علَّةً يدور الحكم مدارها.
نعم، يصحّ ما ذكره في بعض أفراد سهم سبيل الله ممَّا لا يعدّ صدقة عليهم، كما لو كان هناك وقف عامّ متخذ من الزَّكاة، فإنَّ الهاشميّ ينتفع به كما ينتفع غيره؛ وذلك لخروجها فعلاً عن عنوان الزَّكاة، واندراجها تحت عنوان الوقف العامّ، وإن كانت متخذةً من الزَّكاة، فإنَّها نظير تناول الهاشميّ الزَّكاة بهبة ونحوها عن يد مستحقّها بعد وصولها إليه.
وقد رُوي: «أنَّ بريرة مولاة عائشة تُصُدِّق عليها بلحم، فأهدته إلى رسول الله (ص)، فعلَّقته عائشة وقالت: إنَّ رسول الله (ص) لا يأكل لحم الصدقة، فجاء رسول الله (ص) واللحم معلَّق، فقال: ما شأن هذا اللحم لم يُطبخ؟ فقالت: يا رسول الله، صُدِّق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، فقال (ص): هو لها صدقة، ولنا هدية، ثمَّ أمر بطبخه»([1])، والرِّواية حسنة.
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز للهاشميّ أخذ زكاة الهاشميّ، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنُّصوص...»، وفي المدارك: «وهذا الحكم أعني جواز تناول الهاشميّ زكاة مثله مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً، وعزاه في المنتهى إلى علمائنا مقروناً بدعوى الإجماع عليه...» .
أقول: يدلّ عليه مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام، ومضافاً إلى العمومات عدَّة من الرِّوايات بلغت حدَّ الاستفاضة:
منها: موثَّقة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: قلتُ له: صدقات بني هاشم بعضهم على بعض، تحلّ لهم؟ فقال: نعم، صدقة الرَّسول (ص) تحلُّ لجميع النَّاس من بني هاشم وغيرهم، وصدقات بعضهم على بعض تحلّ لهم، ولا تحلّ لهم صدقات إنسان غريب»([2]).
ومنها: موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصَّدقة التي حُرِّمت على بني هاشم، ما هي؟ فقال: هي الزَّكاة، قلتُ: فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم»([3])، وهي، وإن كانت ضعيفةً بطريق الشَّيخ (رحمه الله)، فإنَّ القاسم بن محمَّد الجوهريّ الواقع في السَّند غير موثَّق، إلاَّ أنَّها موثَّقة بطريق الكلينيّ (رحمه الله).
لا يُقال: إنَّ الرِّواية مرسلة بطريق الكلينيّ؛ لأنَّ ابن سماعة الواقع في السَّند رواها عن غير واحد.
فإنَّه يُقال: إنَّ هذا الإرسال لا يضرّ كما أشرنا إليه في أكثر من مناسبة للاطمئنان بوجود الثِّقة فيهم.
ومنها: صحيحة البزنطي عن الرِّضا (عليه السلام) «قال: سألته عن الصَّدقة، تحلُّ لبني هاشم؟ فقال: لا، ولكنَّ صدقات بعضهم على بعض تحلُّ لهم...»([4]).
ومنها: رواية أبي أسامة زيد الشحَّام عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته عَنِ الصَّدقة التي حُرِّمت عليهم، فقال: هي الزَّكاة المفروضة، ولم يُحرِّم علينا صدقةَ بعضِنا على بعض»([5])، ولكنَّها ضعيفة بالمفضَّل بن صالح.
ومنها: مرسلة حمَّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصَّالح (عليه السلام) في حديث طويل «قال: وإنَّما جعل الله هذا الخمس خاصَّةً لهم يعني: بني (عبد) المطَّلب عوضاً لهم من صدقات النَّاس، تنزيهاً من الله لهم، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض»([6])، وهي ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها من الرِّوايات.
ولا يخفى عليك: أنَّه لا فرق في جميع السِّهام بالنِّسبة إلى بعضهم مع بعض، فلا بأس حينئذٍ باستعمال الهاشميّ على صدقات بني هاشم.
وجعله المصنِّف (رحمه الله) هنا أي في الدُّروس كما سيأتي احتمالاً، حيث قال: «ولو تولَّى الهاشميّ العمالة على قبيله احتُمل الجواز...».
ولكن كان عليه (رحمه الله) أن يجزم بالمسألة لإطلاق الأدلَّة.
ولعلَّ الوجه في احتمال عدم الجواز هو إطلاق صحيحة العيص المتقدِّمة. ولكنَّها محمولة على غير الفرض، والله العالم.
الأمر الرَّابع: المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز للهاشميّ أن يأخذ زكاة غير الهاشميّ مع عدم كفاية الخمس، قال صاحب المدارك (رحمه الله): «أمَّا جواز تناول الزَّكاة للهاشميين مع قصور الخمس عن كفايتهم، فقال في المنتهى: إنَّ عليه فتوى علمائنا أجمع...».
أقول: ينبغي أنَّ نحرِّر محلّ النِّزاع في المقام قبل بيان حكم المسألة. فهل المجوز للتناول من الزَّكاة بمجرّد عدم كفايتهم من الخمس، وإن تمكَّنوا ممَّا هو جائز لهم مع الاختيار كزكاة مثلهم، والصَّدقات المندوبة، أو الواجبة غير الزَّكاة، بناءً على حلّها لهم؟ أم أنَّه لا يجوز التَّناول إلاَّ عند الاضطرار، وعدم إمكان التعيُّش بشيءٍ من الوجوه المتقدِّمة.
ظاهر عبارات الأعلام هو الأوَّل، بلِ ادَّعى عليه الإجماع جماعة من الأعلام .
قال السّيِّد المرتضى (رحمه الله) في الانتصار: «وممَّا انفردت به الإماميَّة: القول بأنَّ الصَّدقة إنَّما تحرم على بني هاشم إذا تمكّنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الصَّدقة، فإذا حرموه حلّت لهم الصَّدقة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحَّة ما ذهبنا إليه: الإجماع المتردّد، ويقوّي هذا المذهب تظاهر الأخبار بأنّ الله تعالى حرّم الصَّدقة على بني هاشم وعوّضهم بالخمس عنها، فإذا سقط ما عوضوا به لم تحرم عليهم الصَّدقة...».
وفي الغنية في شرائط المستحقّ : «وأن لا يكون من بني هاشم المستحقّين للخمس المتمكنين من أخذه بدليل الإجماع المتكرر...»، وفي الخلاف: «تحلُّ الصَّدقة لآل محمَّد (عليهم السلام) عند فوت خمسهم، أو الحيلولة بينهم وبين ما يستحقّونه من الخمس، وبه قال الإصطخريّ من أصحاب الشَّافعيّ، وقال الباقون من أصحابه: إنَّها لا تحلّ لهم؛ لأنَّها إنَّما حرّمت عليهم تشريفاً لهم وتعظيماً، وذلك حاصل مع منعهم الخمس، دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم...».
وفي المعتبر: «قال علماؤنا: «إذا مُنع الهاشميّون من الخمس حلَّت لهم الصَّدقة...».
وعن المنتهى: «أنَّ فتوى علمائنا أجمع على جواز تناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم...»، إلى غير ذلك من عباراتهم التي ظاهرها التَّناول بمجرَّد عدم التمكُّن من الخمس، وإن تمكَّن ممَّا هو جائز له مع الاختيار، كزكاة مثله والصَّدقات المندوبة أو الواجبة غير الزَّكاة، بناءً على حلّها لهم، فلو جاز الاعتماد على مثل هذه الإجماعات لقلنا: بجوز التَّناول بمجرَّد عدم التّمكُّن من الخمس، وإن تمكّن ممَّا هو جائز له مع الاختيار، كما عرفت.
ولكنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد، وإنِ استفاض نقله، فهو غير حُجَّة، كما عرفت في أكثر من مناسبة.
([1]) الوسائل باب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء ح2.
([2]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح6.
([3]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.
([4]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح8.
([5]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح4.
([6]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.