الدرس 137 _اوصاف المستحقين للزكاة 12
وعليه، فالقول الآخر وهو عدم جواز التَّناول إلاَّ عند الاضطرار وعدم إمكان التّعيُّش بشيءٍ من الوجوه المتقدِّمة هو المتعيّن؛ وذلك لموثَّقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «قال: إنَّه لو كان العدل ما احتاج هاشميّ ولا مطَّلبي إلى صدقة، إنَّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثمَّ قال: إنَّ الرَّجل إذا لم يجد شيئاً حلَّت له الميتة، والصَّدقة لا تحلّ لأحد منهم إلاَّ أن لا يجد شيئاً ويكون ممَّنْ يحلّ له الميتة»([1]). وعليّ بن محمَّد بن الزُّبير القرشيّ الواقع في إسناد الشَّيخ إلى ابن فضَّال هو من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته. وهي ظاهرة في اعتبار شدَّة الحاجة في جواز التَّناول، وأنَّ جواز التناول مقتصر على مقدار الضَّرورة، كتناول الميتة لمَنِ اضطرّ إليها.
وهذا هو مقتضى الإنصاف عندنا.
نعم، وقع الخلاف في تحديد الضَّرورة، وقد حُكي عن الآبي تقديرها بسدِّ الرَّمق.
أقول: وهو الَّذي تقتضيه موثَّقة زرارة المتقدِّمة.
وحُكي عن ابن فهد (رحمه الله) وغيره تقديرها يوماً فيوماً. وحُكي عن بعض أنَّه يأخذ كفاية السَّنة، إلاَّ أن يرجى حصول الخمس في الأثناء.
وقيل: إنَّه لا يتقدّر بقدر، وعزاه في المختلف إلى الأكثر. وهو الصَّحيح؛ إذ لا خصوصيّة للتَّحديد باليوم أو اليوم واللَّيلة أو خصوص سدّ الرَّمق، ونحو ذلك، بل المناط كما عرفت هو صدق الضَّرورة، وهي تختلف باختلاف الحالات، فقد تندفع الضَّرورة بسدّ الرَّمق، وقد لا تندفع بأقلّ من أسبوع أو شهر أو أقلّ أو أكثر، فلا تحديد لها من حيث الزَّمان، فطالما هي متحقِّقة، فيجوز له التَّناول، وإلاَّ فلا، والله العالم.
الأمر الخامس: قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «ثمَّ إنَّه قد يظهر من جماعة كالسّيِّد والشَّيخ والمصنِّف والفاضل في جملة من كتبه إلحاق جميع الصَّدقات الواجبة بالزَّكاة كالكفَّارة ونحوها، بل ربَّما ظهر من الثَّلاثة في الانتصار والخلاف والمعتبر الإجماع عليه، بل صرَّح بعضهم بأنَّ من ذلك الصَّدقة الواجبة بالنَّذر وأخويه، وآخر الصَّدقة الموصى بها، وثالث الهدي الواجب، وربّما كان مقتضى ذلك حرمة ردّ المظالم الواجبة عليهم، ضرورة كونها كالواجبة بالعارض بنذر ووصيّة ونحوهما، لكنَّه لا دليل صالح لذلك...».
وبالمقابل، ذهب جماعة كثيرة من الأعلام إلى أنَّ المحرَّم من صدقات غير الهاشميّ عليه إنَّما هو زكاة المال الواجبة وزكاة الفطرة، كالفاضل (رحمه الله) في القواعد والمقداد (رحمه الله) في التَّنقيح والمحقِّق الكركيّ (رحمه الله) في جامع المقاصد والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة والمسالك، وصاحب المدارك والسّيِّد الحكيم في المستمسك والسّيِّد أبي القاسم الخوئي وصاحب الجواهر(رحمهم الله).
بل قال: «لولا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتِّحاد مصرف زكاة المال وزكاة الفطرة بالنِّسبة إلى ذلك لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة، اقتصاراً على المنساق من هذه النُّصوص من زكاة المال، خصوصاً ما ذكر فيه صفة التَّطهير للمال، الشَّاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضاً، وكيف كان، فالَّذي يقوى الجواز مطلقاً، وإن كان الأحوط خلافه».
أقول: قد يستدلّ للقول الأوَّل أي عموم الحكم لمطلق الصَّدقة الواجبة بثلاثة أدلَّة:
الأوَّل: الإجماع المدَّعى من بعض الأعلام.
وفيه أوَّلاً: أنَّه غير حُجَّة، كما عرفت في أكثر من مناسبة.
وثانياً: مع قطع النَّظر عن ذلك: أنَّه دليل لُبيّ، يُقتصر فيه على القدر المتيقَّن، وهو خصوص الزَّكاة من الصَّدقة الواجبة.
وأمَّا القول: بأنَّ معقد الإجماع مطلق.
ففيه: أنَّه لم يثبت الإطلاق من معقده.
وثالثاً: مع قطع النَّظر عن كلِّ ذلك: كيف يحصَّل مع ذهاب الكثير إلى خلافه؟
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل الأوَّل ليس تامّاً.
الدَّليل الثَّاني: إطلاق النُّصوص المحرِّمة للصَّدقة، والتي منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) المتقدِّمة «قال: لا تحلّ الصَّدقة لولد العبّاس ولا لنظرائهم من بني هاشم»([2]).
ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم وأبي بصير وزرارة المتقدِّمة أيضاً عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: قال رسول الله (ص): إنَّ الصَّدقة أوساخ أيدي النَّاس، وإنَّ الله قد حرَّم عليَّ منها ومن غيرها ما قد حرَّمه، وإنّ الصَّدقة لا تحلُّ لبني عبد المطلب...»([3])، وكذا غيرها.
وفيه أوَّلاً: أنَّ المنساق من هذه الرِّوايات الزَّكاة، لاشتمال بعضها على قوله (عليه السلام) بأنَّها: «أوساخ النَّاس»، كما في الحسنة المتقدِّمة وغيرها ممّا لم نذكره، وهذا مختصّ بالزَّكاة.
ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا بانعقاد الإطلاق، إلاَّ أنَّه مقيّد بما دلّ على أنَّ المحرَّم عليهم هو الزكاة، كما في جملة من النُّصوص:
منها: موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصَّدقة التي حرِّمت على بني هاشم، ما هي؟ فقال: هي الزَّكاة، قلتُ: فتحلُّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم»([4])، وهي، وإن كانت ضعيفةً بطريق الشَّيخ (رحمه الله) بعدم وثاقة القاسم بن محمَّد الجوهريّ، إلاَّ أنَّها موثَّقة بطريق الكلينيّ (رحمه الله)، وهي واضحة في حصر الحرمة بالزَّكاة فقط.
وعليه، فلو فرضنا الإطلاق في الرِّوايات السَّابقة، إلاَّ أنَّها تقيّد بهذه الموثَّقة.
ومنها: رواية زيد الشحام المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سألته عن الصَّدقة التي حرّمت عليهم، فقال: هي الزَّكاة المفروضة، ولم يحرّم علينا صدقة بعضنا على بعض»([5])، ولكنَّها ضعيفة بالمفضَّل بن صالح.
([1]) الوسائل باب 33 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([3]) الوسائل باب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([4]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.
([5]) الوسائل باب 32 من أبواب المستحقين للزكاة ح4.