الدرس352 _تكبيرة الاحرام 7
ثمَّ إنَّه قدِ استدلّ المحقق الهمداني R لبطلان بزيادتها مطلقاً بعدم بقاء الهيئة الاتصاليَّة المعتبرة في الصَّلاة.
وحاصله: أنَّ التكبيرة الثانية «لا تقع بقصد الافتتاح إلاَّ بعد رفع اليد عن الأُولى والعزم على استئناف الصَّلاة، وهذا العزم، وإن لم نقل بكونه من حيث هو موجباً لبطلان الأجزاء السَّابقة، وإلاَّ لاتَّجه صحَّة الثانية، كما سنشير إليه، ولكنِ اقترانه بما يقتضيه هذا العزم من استئناف الصَّلاة مانع عن بقاء الهيئة الاتصاليَّة المعتبرة في الصَّلاة بين التكبيرة الأولى وبين ما بعدها بنظر العرف، كما هو الشَّأن في جميع الأفعال العاديَّة التي يعتبر في صدق كونه عرفاً فعلاً واحداً بقاء الهيئة الاتصاليَّة، فإنّ العزم على رفع اليد عنها والتلبس بما يقتضيه هذا العزم مانع عن بقاء الهيئة الاتصالية إلى أن قال: وقد جعل الأصحاب نظر العرف مناطاً في الفعل الكثير الماحي لصورة الصَّلاة؛ ومن الواضح أنَّ إعادة تكبيرة الإحرام التي هي عبارة عن اسئناف الصَّلاة أشدّ تأثيراً لدى العرف في محو الصورة القائمة بالأُولى مع ما بعدها من تأثير، مثل الطفرة ونحوها ممَّا مثَّلوا بها لمحو الصَّورة...».
وفيه: أنَّ الإتيان بالتكبيرة ثانياً مع العزم على رفع اليد عن الأولى لا يكون مانعاً عن بقاء الهيئة الاتصاليَّة، لا يكون ماحياً لصورة الصَّلاة.
والغريب أنَّه جعل الإتيان بالتكبيرة الثانية أشدّ تأثيراً في محو صورة الصَّلاة من الطَّفرة ونحوها، مع أنه لا يصدق المحو عند العرف إلاَّ بالفعل الكثير الخارج عن ماهية الصَّلاة، أو الفصل الطويل بين الأجزاء الماحية للصُّورة، كما لو كبَّر، ثم بعد عشرين دقيقة قرأ، وهكذا.
وأمَّا مجرد التكبيرة الثانية مع العزم على رفع اليد عن الأُولى لا يكون ماحياً لصورة الصَّلاة وإلاَّ لزم منه الالتزام بذلك في سائر موارد تكرار الأجزاء الصلاتيَّة من الأفعال والأقوال، لا سيَّما إذا صدرت منه غفلةً، مع أنَّه لا يمكن الالتزام بذلك.
والإنصاف: أنَّه لا إشكال في بطلان الصَّلاة إذا أتى بها مرةً ثانيةً بقصد الجزئيَّة، وذلك للتسالم بين الأعلام من جهة.
ومن جهة أخرى لموثَّقة أبي بصير «قال: قال أبو عبد الله N من زاد في صلاته فعليه الإعادة»[i]f527، هذا إذا أتى بها بقصد الجزئيَّة.
وأمَّا إذا أتى بها احتياطاً وبقصد الرَّجاء فلا إشكال حينئذٍ لعدم صدق الزيادة حينئذٍ، هذا كلّه إذا أتى بها عمداً.
وأمًّا لو أتى بها مرةً ثانيةً سهواً فالإنصاف حينئذٍ: عدم البطلان، وذلك لصحيحة زرارة عن أبي جعفر N «أنَّه قال: لا تعاد الصَّلاة إلاَّ من خمسةٍ: الطَّهور، والوقت، والقبلة، والرُّكوع، والسُّجود...»[ii]f528، وزيادة تكبيرة الإحرام سهواً داخلة في المستثنى منه.
وهذه الصَّحيحة حاكمة على موثَّقة أبي بصير: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»، وموجبة لتخصيص البطلان بالزيادة العمديَّة، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) قال المصنِّف R في الذكرى: «ولو مدَّ همزة (الله) صار بصورة الاستفهام، فإن قصده بطلت الصَّلاة وإلاَّ ففيه وجهان: البطلان، لخروجه عن صيغة الأخبار. والصّحَّة لأنَّ ذلك كإشباع الحركة. والأوَّل أولى».
أقول: لا يخلو الثاني من وجه، لأنَّه قد ورد الإشباع في الحركات إلى حيث ينتهى إلى الحروف في لغة العرب، ولم يخرج بذلك عن الوضع.
وعليه، فلا يكون لحناً، وفي الحدائق: «أنَّ الإشباع بحيث يحصل به الحرف شايع في لغة العرب...».
إلاَّ أنَّ الإنصاف: هو الجواز إذا لم يصل إلى حد الحرف، والله العالم.
(1) قال المصنِّف R في الذكرى: «ويأتي بلفظ أكبر على زنة أفعل، فلو أشبع فتحة الباء صار جمع كَبَر بفتح الكاف والباء وهو: الطبل له وجه واحد، فإن قصده بطلت، وإلاَّ فالوجهان، أمَّا لو كان الإشباع يسيراً لا يتولّد منه ألِف لم يضرّ».
أقول: قد عرفت أنَّه مع عدم القصد لا يضرّ الإشباع، لأنَّه شايع في لغة العرب، ويشهد له سيرة المؤذّنين.
نعم، لا إشكال في أنَّ الأَولى ترك الإشباع.
نعم، إذا تولَّد منه حرف فالأقرب هو المنع.
(2) قد تقدَّم أنَّه يجوز وصل التكبيرة بما سبقها من الدُّعاء أو لفظ النيَّة، كما يجوز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما، وإن كان الأَولى الترك، والله العالم.
(3) المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ للمصلِّي أن يرفع يديه عند التكبير، وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل نفي الخلاف فيه بين العلماء عن المعتبر، وبين أهل العلم عن المنتهى، وبين علماء أهل الإسلام عن جامع المقاصد، بل عن الأمالي أنَّ من دين الإماميَّة الإقرار به...».
وحُكي عن السَّيد المرتضى R وجوبه في جميع تكبيرات الصَّلاة مدّعياً عليه إجماع الطَّائفة، قال في محكي الانتصار: «وممَّا انفردت به الإماميَّة القول بوجوب رفع اليدين في كلّ تكبيرات الصَّلاة، إلاّ أن أبا حنيفة وأصحابه والثوري لا يرون رفع اليدين بالتكبير إلاَّ في الافتتاح للصَّلاة إلى أن قال: والحجَّة فيما ذهبنا إليه طريقة الإجماع وبراءة الذمَّة».
وقد تعجَّب غير واحد من دعواه الإجماع على ما ذهب إليه، مع أنَّه لم ينقل القول به من أحد من الأعلام، عدا الأسكافي R في خصوص تكبيرة الإحرام.
ثمَّ إنَّ صاحب الحدائق R، وإنْ مال إلى القول بوجوبه في جميع التكبيرات أخذاً بظاهر الأوامر الواردة في بعض الأخبار، إلاَّ أنَّه أنكر بشدَّة على السَّيد المرتضى R في دعواه الإجماع، بل أغلظ عليه في القول، قال R في الحدائق: «لو رجع السَّيدWéلى الآية والأخبار لوجدها ظاهرة الدَّلالة على ما ذهب إليه على وجه لا يتطرق إليه النقض، ولا الطعن عليه، ولكنَّهW كما أشرنا إليه فيما سبق قليل الرُّجوع إلى الأخبار، وإنما يعتمد على أدلَّة واهية لا تقبلها البصائر والأفكار من تعليل عقليّ، أو دعوى إجماع...».
أقول: يحتمل أنَّ السَّيد المرتضى R أراد بالوجوب شدَّة الاستحباب بقرينة نقله الإجماع عليه، لا الوجوب بالمعنى الاصطلاحي الذي لم يذهب إليه أحد من المتقدِّمين، سوى الأسكافي R في خصوص تكبيرة الإحرام، و لم يذهب إليه أيضاً أحد من المتأخِّرين.
نعم، مال إليه الكاشاني R في مفاتيحه، والشيخ يوسف البحراني R في حدائقه.
ثمَّ إنَّه على فرض إرادته وجوب الرفع لا استحبابه فالإجماع المحكي من السَّيد المرتضى R مرجعه إلى الإجماع الدُّخولي كما هو مبناه في علم الأصول وذكرنا في محلِّه أنَّ أدلَّة حجيَّة خبر الواحد، وإن كانت تشمل هكذا إجماعات، لاحتمال الحس فيها، كما أوضحناه في علم الأصول، إلاَّ أنَّه لا صغرى للإجماع الدُّخولي، كما اعترف بذلك الشَّيخ الطُّوسي R، حيث ذكر أنَّه لولا قاعدة اللطف لم يتحقَّق إجماع عندنا.
ومهما يكن، فقد أنكرنا الصُّغرى للإجماع الدخولي.
وعليه، فالإجماع المدَّعى من السَّيد المرتضى R ليس بتامّ.
نعم، قد يستدلّ له بظاهر جملة من الرِّوايات كما استدلّ صاحب الحدائق R، وهي كثيرة جدّاً.
والأولى سرد هذه الرِّوايات بتمامها، ثمَّ نرى بعد ذلك هل هي ظاهرة في الوجوب أم لا؟:
منها: صحيحة صفوان بن مهران الجمَّال «قال: رأيتُ أبا عبد الله N إذا كبَّر في الصَّلاة يرفع يديه حتَّى يكاد يبلغ أُذنيه»[iii]f529.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمَّار «قال: رأيتُ أبا عبد الله N حين افتتح الصَّلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلاً»[iv]f530.
ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله N «في قول الله عز وجل: « فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر ﴾ ]الكوثر: 2[ قال: هو رفع يديك حذاء وجهك»[v]f531.
ومنها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله N في وصية النبيّ C لعلّي N «قال: وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما»[vi]f532.
[i] الوسائل باب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح2.
[ii] الوسائل باب 10 من أبواب الركوع ح5.
[iii] الوسائل باب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ح1.
[iv] الوسائل باب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ح2.
[v] الوسائل باب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ح4.
[vi] الوسائل باب 9 من أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ح8.