الدرس 36 _زكاة الأنعام 8
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الثَّالث: أن لا تكون عوامل(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنه ليس في العوامل زكاة، ولو كانت سائمةً، وفي المدارك: «هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء كافَّةً، إلاَّ مَنْ شذَّ مِنَ العامَّة...»، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بلِ الإجماع بقسمَيْه عليه...».
أقول: يدلَّ على هذا الشَّرط مضافاً إلى التَّسالم بين المسلمين إلاَّ مَالِكاً جملة مِنَ الرِّوايات، وقد تقدَّمت.
والتي منها: حسنة الفضلاء المتقدِّمة «لَيْسَ عَلَى العَوَامِلِ شيءٌ»([1]).
ولا ينافي ذلك ما في موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قال: سَأَلْتُ أَبَاْ إِبْرَاهيمَ (عليه السلام) عَنِ الإِبلِ العَوَاملِ، عَلَيهَا زَكَاةٌ؟ فَقَاْل: نَعَمْ، عَلَيهَا زَكَاةٌ»([2])، وفي مضمرته «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِبِلِ تَكُونُ لِلْجَمَّالِ، أو تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَمْصَارِ، أَتَجْرِي عَلَيْهَا الزَّكَاةُ كَمَا تَجْرِي عَلَى السَّائِمَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ»([3])، وهي ضعيفة بالإضمار، وروايته الثَّالثة([4])، وهي مثلها، وهي ضعيفة أيضا بعبد الله بن بحر.
قال صاحب الوسائل بعد ذِكْر هذه الرِّوايات الثَّلاث : «ذكر الشَّيخ أنَّ الأصل في هذه الأحاديث إسحاق بن عمَّار، يعني: أنّها حديث واحد، فلا تعارض الأحاديث الكثيرة، ثمَّ حملها على الاستحباب، مع أنَّ الأوَّل لا تصريح فيه بكونها عوامل ولا معلوفة، ويحتمل الحَمْل على التَّقيَّة».
وجه عدم المنافاة: هو ما ذَكَره الأعلام من حَمْل هذه الرِّوايات على الاستحباب.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو في بعض الحَول، فلا زكاة فيها، وإن كانت سائمةً(1)
(1) اِعلم أنَّ الكلام في صِدْق العوامل، كالكلام في السَّائمة، فلا حاجة للإعادة، وقال المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «والكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السَّوم...»، وقال صاحب الحدائق (رحمه الله): «وقد صرَّح الشَّيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا أيضاً، كما ذَكَره ثمَّة...»، وقد عرفت ما هو مقتضى الإنصاف، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وشرط سلاَّر كونها إناثاً، وهو متروك(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يشترط في زكاة الأنعام أنْ تكون إناثاً، خلافاً للمحكيِّ عن سلاَّر، فاعتبر كونها إناثاً، وقد ذَكَر المصنِّف (رحمه الله) أنَّ هذا القول متروك.
ولقد أجاد المصنِّف (رحمه الله)، فإنَّ هذا الشَّرط لم يعتبره أحد قبل سلاَّر ولا بعده، فهو مخالف للتَّسالم بينهم.
وقد يستدلُّ لِمَا ذهب إليه سلاَّر (رحمه الله) ببعض الأدلَّة:
منها: ما في حسنة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قَاْلَا: في صِدَقةِ الإِبِلِ في كُلِّ خمسٍ شاةٌ...»([5]).
وجه الاستشهاد بها: أنَّه ذَكَر العدد، ومِنَ المعلوم أنَّ العدد إذا كان ذَكَراً كان ما بعده أنثى، تقول: جاءني خمسُ نساءٍ، وخمسةُ رجال.
قال ابن مالك في ألفيته:
ثَلَاثَةً بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ
فِي الضِّدِّ جَرِّدْ وَالْمُمَيِّزَ اجْرُرِ... جَمْعَاً بِلَفْظِ قِلَّةٍ فِي الأَكْثَرِ
وفيه: أنَّ الإبل مؤنَّث لفظيٌّ، قال الله تعالى في محكم آياته: « أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت ﴾ ]الغاشية: 17[، وقد صرَّح بعض اللُّغويين أنَّ الإبل شامل للمذكر والمؤنت، وإن جرى عليه حكم التَّأنيث.
والخلاصة: أنَّ هذا الدَّليل ليس تامّاً.
ومنها: حسنة عبد الرَّحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: في خمس قلائص شاة...»([6])، والقلوص لا يطلق إلاَّ على الإناث.
وفيه: أنَّه لا ظهور فيها في إرادة الاختصاص، فإنَّ إثباتها في القلائص لا يدلُّ على نفيها في الذُّكور.
ولعلَّ تخصيص القلائص بالذِّكْر للجري مجرى الغالب من عدم إبقاء الجمال معطلة مرسلة في مرجها عامها، وهذا الدَّليل ليس تامّاً أيضاً.
ومنها: مرسلة ابن أبي عمير في حديث «قال: كان علي (عليه السلام) لا يأخذ من جمال العمل صدقة، وكأنه لم يجب (يحب) أن يؤخذ من الذكور شيء لأنّه ظهر يحمل عليها»([7]).
وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بالإرسال.
وثانياً: أنَّه يظهر منها أنَّ علَّة عدم أخذ الزَّكاة منها كونها عوامل لا ذكوريَّتها.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذكره سلاَّر لا يصمد أمام إطلاق الرِّوايات المعتبرة المستفيضة، مع أنَّه قوله مخالف للتَّسالم بين الأعلام، والله العالم بحقائق أحكامه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: الرَّابع: النصاب، ففي الإبل اثنا عشر: خمسة، كلُّ واحد خمس، وفيه شاة. ثمَّ ستٌّ وعشرون: ففيها بنت مخاض دخلت في الثَّانية. ثمَّ ستٌّ وثلاثون: فبنت لبون دخلت في الثالثة. ثمَّ ستٌّ وأربعون: فحُقَّة دخلت في الرَّابعة. ثمَّ إحدى وستُّون: فجذعة دخلت في الخامسة. ثمَّ ستٌّ وسبعون: فبنتا لبون. ثمَّ إحدى وتسعون: فحُقَّتان. ثمَّ مائة وإحدى وعشرون: ففي كلِّ خمسين حُقَّة، وفي كلِّ أربعين بنت لبون. وقال الحسن وابن الجنيد: في خمس وعشرين بنت مخاض. وقال ابنا بابويه: في إحدى وثمانين ثَنِيٌّ.
وقال المرتضى: لا يتغيَّر الفرض من إحدى وتسعين إلَّا بمائة وثلاثين. وكلٌّ متروك(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّ نُصُب زكاة الإبل هي اثنا عشر نِصَاباً، وفي المدارك: «هذه النُّصُب مجمع عليها بين علماء الإسلام، كما نقله جماعة، منهم المصنِّف في المعتبر...»، وفي الحدائق: «ولا خلاف في الخمسة الأُوَل، وإنَّما الخلاف في النِّصاب السَّادس، فإنَّ ابن أبي عقيل أسقطه، وأوجب بنت مخاض في خمس وعشرين إلى ستٍّ وثلاثين، وهو قول الجمهور، كما صرَّح به جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم)، وفي المدارك: نقل هذا القول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد؛ وهو سهو منه، فإنَّ ابن الجنيد لم يُسْقطه، غاية الأمر أنَّه وافق ابن أبي عقيل في إخراج بنت مخاض في خمس وعشرين، وبما ذكرنا صرَّح العلاَّمة في المختلف...».
أقول: حكى العلاَّمة (رحمه الله) في المختلف عن ابن أبي عقيل (رحمه الله)، أنَّه قال: «فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون».
ثمَّ قال العلاَّمة (رحمه الله): «وقال ابن الجنيد: ثمَّ ليس في زيادتها يعني على العشرين شيء حتَّى تبلغ خمساً وعشرين، فإذا بلغتها ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم يكن في الإبل فابن لَبُون ذَكَر، فإن لم يكن فخمس شِيَاه، فإن زاد على الخَمْس والعشرين واحدة ففيها ابنة مخاض، فإن لم يوجد فابن لَبُون ذَكَر إلى خمس وثلاثين، فإن زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لَبُون أنثى».
وعليه، فالفرق بين النِّصاب الخامس والسَّادس عند ابن الجنيد (رحمه الله) هو بدليَّة الخمس الشياه في الخامس دون السَّادس.
ثمَّ اعلم أنَّ المشهور بين الأعلام أنَّ النِّصاب العاشر هو ما كان ستّاً وسبعين، وفيها بنتا لَبُون، خلافاً للمحكيِّ عَنِ الصَّدوقَيْن (رحمهما الله)، فأبدلاه بالثَّمانين، وأنَّه إذا زادت واحدة ففيها ثَنِيّ إلى تسعين.
قال الصَّدوق (رحمه الله) في هدايته: «فإذا زادت واحدة عن الستين ففيها جذعة إلى ثمانين، فإذا زادت واحدةً ففيها ثني...»، وهو المنقول أيضاً عن رسالة أبيه (رحمه الله).
ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام أنَّ النصاب الثَّاني عشر هو مائة وإحدى وعشرون، وفيها في كلِّ خمسين حِقَّة، وفي كلِّ أربعين بنت لَبُون، هذا هو المشهور بين الأعلام.
خلافاً للمحكيِّ عَنِ السَّيد المرتضى (رحمه الله) في الانتصار، حيث ذهب إلى أنَّه لا يتغيَّر الفرض من إحدى وتسعين الذي هو النصاب الحادي عشر إلاَّ ببلوغ مائة وثلاثين، بل قد يلوح من كلامه اتِّفاق الإماميَّة عليه، مع أنَّه حُكِي عنه في النَّاصريَّة دعوى الإجماع على خلافه.
([1]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح1 وقريب منه ح2.
([2]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح8.
([3]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح7 وذيل ح7.
([4]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح8 و7 وذيل ح7.
([5]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح6.
([6]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح4.
([7]) الوسائل باب 7 من أبواب زكاة الأنعام ح4.