الدرس 37 _زكاة الأنعام 9
ومهما يكن، فإنَّ هذه هي الأقوال في المسألة.
ويدلُّ على ما ذهب إليه المشهور جملة مِنَ الرِّوايات بلغت حدَّ الاستفاضة:
منها: حسنة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: فِي خَمْسِ قَلَائِصَ([1]) شَاةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِ شَيْءٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إِلى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ: هذَا فَرْقٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ إِلى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلى سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إِلى تِسْعِينَ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْإِبِلُ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ»([2])، وهي حسنة بطريق الكليني، وصحيحة بطريق الشَّيخ إلا أنَّه زاد بعد قوله إلى تسعين : «فإذا زادَتْ واحدةً ففيها حِقَّتان إلى عشرين ومائة، فإذا كثرتِ الإبلُ ففي كلِّ خمسين حِقَّةٌ».
ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الزَّكَاةِ فَقَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِ مِنَ الْإِبِلِ شَيْءٌ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْساً فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عَشْرٍ، فَإِذَا كَانَتْ عَشْراً فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثٌ مِنَ الْغَنَمِ إِلَى عِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنَ الْغَنَمِ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا كَانَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنَ الْغَنَمِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ أُنْثَى إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ابنتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ...»([3]).
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، وهي مثل صحيحة أبي بصير المذكورة إلاَّ أنَّ آخرها هكذا: «فإن زادتْ واحدةً فحِقَّتان إلى عشرين ومائة، فإن زادتْ على العشرين والمائة واحدة، ففي كلِّ خمسين حِقَّة، وفي كلِّ أربعين ابنة لَبُون»([4]).
وأمَّا ما ذهب إليه ابن أبي عقيل (رحمه الله)، فقد استدلَّ له بحسنة الفضلاء زرارة ومحمَّد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجلي والفضيل كلّهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «قَالَا: فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إِلى أَنْ تَبْلُغَ خَمْساً وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ ذلِكَ، فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ خَمْساً وَثَلَاثِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ خَمْساً وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ خَمْساً وَسَبْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ تِسْعِينَ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ عَلى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، ثُمَّ تَرْجِعُ الْإِبِلُ عَلى أَسْنَانِهَا، وَلَيْسَ عَلَى النَّيِّفِ([5]) شَيْءٌ، وَلَا عَلَى الْكُسُورِ شَيْءٌ...»([6])، وهذه الحسنة مَعَ اشتمالها على ما لا يقول به أحد مِنَ الأعلام من جَعْل المائة وعشرين نِصَاباً، وبإضافة الواحد نصاباً آخر.
فقد أجاب عنها السَّيد المرتضى (رحمه الله): بحَمْل بنت المخاض على كونها بالقيمة عن الخمس الشياه.
وقد أجاب عنها الشَّيخ (رحمه الله): باحتمال أن يكون المراد من قوله (عليه السلام): «فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض»، بتقدير: وزادت واحدة، وإن لم يذكر في اللَّفظ؛ لعلمه بفَهْم المخاطب ذلك، قال: «ولو لم يحتمل ما ذكرناه لكان لنا أن نحمل هذه الرِّواية على ضَرْبٍ من التَّقيَّة؛ لأنَّها موافقة لمذهب العامَّة».
واعترضه المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، فقال بعد نَقْل كلامِه : «والتَّأويلان ضعيفان، أمَّا الإضمار: فبعيد في التَّأويل، وأمَّا التَّقيَّة: فكيف تحمل على التَّقيَّة ما اختاره جماعة من محقِّقي الأصحاب؟ ورواه أحمد بن محمَّد بن أبي نصر البزنطي؟ وكيف يذهب مثل عليِّ بن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممَّنْ اختار ذلك مذهب الإماميَّة من غيرهم؟ والأولى أن يقال: فيه روايتان، أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم».
ويقصد بالمشايخ الخَمْسَة: الشَّيخ الطُّوسي، والشَّيخ المفيد، والشَّيخ الصَّدوق، ووالده، والسَّيد المرتضى (قدس سرهم).
([1]) قال في الصِّحاح: القَلُوص مِنَ النُّوقِ: الشَّابَّة، وجمع القَلُوص: قُلُصٌ وقَلائِصٌ.
([2]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح4.
([3]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([4]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([5]) قال في الصِّحاح: النَّيف: الزَّيادة، يُخفّف ويُشدَّد، وأصله من الواو. يقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف وكلُّ ما زاد على العَقْد فهو نَيِّف حتَّى يبلغ العَقْد الثَّاني.
([6]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح6.