الدرس 168 _بقيّة أحكام الزكاة 18
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجب على الإمام بَعْث عاملٍ إلى كلِّ بلدٍ. ويُراعى فيه البلوغ والعقل والإيمان والعدالة والفِقه في الزَّكاة، وأن لا يكون هاشميّاً ولا عبداً على الأقوى. ولو كان مكاتباً فالأقرب: الإجزاء. ولو تولّى الهاشميُّ العمالة على قبيله احتمل الجواز، وكذا لو تطوّع بها بغير سهم(2)
(2) تقدَّم الكلام عن هذه الأمور عند الكلام عن العاملين عليها في قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً «والعاملون، وهم السُّعاة في تحصيلها...»، وذكرنا ذلك بالتَّفصيل هناك في الأمر الثَّالث، فراجع.
نعم، لم نتكلَّم هناك عن مسألة اشتراط الحريّة في العاملين عليها، فلا بأس أن نذكرها هنا.
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «اِختلف الأصحاب في اعتبار هذا الشَّرط، فذهب الشَّيخ إلى اعتباره، واستدلّ له في المعتبر بأنَّ العامل يستحقّ نصيباً من الزَّكاة، والعبد لا يملك، ومولاه لم يعمل، ثمَّ أجاب عنه بأنَّ عمل العبد كعمل المولى، وقوَّى العلاَّمة في المختلف عدم اعتبار هذا الشَّرط؛ لحصول الغرض بعمله، ولأنَّ العمالة نوع إجارة، والعبد صالح لذلك مع إذن سيده. ويظهر من المصنِّف في المعتبر الميل إليه، ولا بأس به. أمَّا المكاتب فلا ريب في جواز عمالته، لأنَّه صالح للملك والتّكسُّب».
أقول: قد ثبت سابقاً أنَّ العبد يملك بلا إشكال.
وعليه، فلا يُوجد مانع من عمالته، وما ذكر من بعض الوجوه للمنع لا يصمد أمام التَّحقيق، أو هي وجوه اعتباريّة استحسانيّة.
والخلاصة: أنَّه لا يُشترط الحريّة في العاملين عليها، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو فرَّقها الإمام أو الفقيه سقط سهم العامل، وكذا لو فرَّقها المالك بنفسه على الأصناف(1)
(1) وذلك لانتفاء الموضوع، وهذا واضح.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويسقط مع الغيبة أيضاً إلاَّ مع تمكّن الفقيه من نصبه(2)
(2) كما ذكرنا عند البحث عن سهم العاملين عليها، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وسهم المؤلَّفة إلاَّ مع وجوب الجهاد(3)
(3) قال صاحب المدارك (رحمه الله): «وهل يسقط هذا السهم بعد النبي (ص)؟ قيل: نعم، وبه قطع ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، وهو قول لبعض العامة، معللين بأن الله سبحانه أعز الدين وقوّى شوكته فلا يحتاج إلى التأليف.
وقال المصنف في المعتبر: إن الظاهر بقاؤه، لأن النبي (ص) كان يعتمد التأليف إلى حين وفاته، ولا نسخ بعده.
وقال الشيخ: إنه يسقط في زمن غيبة الإمام (عليه السلام) خاصة، لأن الذي يتألفهم إنّما يتألفهم للجهاد، وأمر الجهاد موكول إلى الإمام (عليه السلام) وهو غائب».
أقول: قد ذكرنا في مبحث المؤلَّفة قلوبهم أنَّ الصَّحيح من الأقوال المتقدِّمة في تعريف المؤلَّفة قلوبهم هو القول الثَّالث الَّذي ذهب إليه ابن الجنيد وصاحب الحدائق (رحمهما الله) وغيرهما، وهو: أنَّ المؤلَّفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقرُّوا بالإسلام، ودخلوا فيه، لكنَّه لم يستقرّ في قلوبهم ولم يثبت ثبوتاً راسخاً، فأمر الله تعالى نبيه (ص) بتأليفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم وتشتدّ قلوبهم على البقاء على هذا الدِّين، فالتَّأليف إنَّما هو لأجل البقاء على الدِّين والثَّبات عليه.
ومن هنا يتَّضح لك بقاؤه وعدم سقوطه، بل نسبه العلاَّمة (رحمه الله) في التَذكرة إلى علمائنا، بل حتَّى لو ذهبنا إلى ما ذهب إليه المشهور في تعريف المؤلفة قلوبهم، وهم قوم مختصّون بالكفّار الَّذينَ يستمالون للجهاد مع المسلمين، فإنَّه أيضاً لا يسقط؛ وذلك لأنَّه قد يجب الجهاد في حال غيبة الإمام (عليه السلام)، بأن يدهم المسلمين عدو يخاف منه عليهم، فيجب عليهم الجهاد لدفع الأذى، بل يجوز الجهاد للدعوة إلى الإسلام في عصر الغيبة؛ وذلك لإطلاق الأدلَّة، كما سيأتي بحثه مفصّلاً إن شاء الله تعالى في كتاب الجهاد.
وعليه، فإن احتيج إلى التأليف حينئذٍ جاز صرف السهم إلى أربابه من المؤلفة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يسقط سهم سبيل الله، ولو قصرناه على الجهاد (و)كان تابعاً له(1)
(1) بناءً على ما ذهبنا إليه من تعريف سهم سبيل الله: بأنه مطلق سُبُل الخير، سواء أكان من المصالح العامَّة أم لا، فلا إشكال حينئذٍ في عدم سقوطه، وأمَّا لو قلنا: بأنه مختصّ بالجهاد فيكون تابعاً له حينئذٍ، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويجوز الدَّفع إلى موالي الهاشميِّين، وكرهه ابن الجنيد(2)
(2) المعروف بين الأعلام جواز دفع الزَّكاة لموالي الهاشميِّين والمراد بهم: عتقاؤهم.
ويدلّ على ذلك جملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة سعيد بن عبد الله الأعرج «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): أتحلُّ الصَّدقة لموالي بني هاشم؟ فقال: نعم»([1]).
ومنها: مرسلة حماد بن عيسى الطويلة، حيث ورد فيها: «وقد تحلّ صدقات النَّاس لمواليهم، فهم والنَّاس سواء»([2])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وكذا غيرها.
ولا تعارض هذه الرِّوايات: موثَّقة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: مواليهم منهم، ولا تحلُّ الصَّدقة من الغريب لمواليهم، ولا بأس بصدقات مواليهم عليهم...»([3])؛ وذلك لأنَّ النَّهي محمولٌ على الكراهة جمعاً بينها وبين الرِّوايات المتقدِّمة، والمراد بقوله (عليه السلام): «صدقات مواليهم عليهم»، أي بعضهم على بعض.
وعليه، فما ذهب إليه ابن الجنيد (رحمه الله) من القول بالكراهة هو الصَّحيح.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإلى بني المطَّلب، خلافاً للمفيد(1)
(1) ذكرنا هذه المسألة بالتَّفصيل في الأمر السَّابع من الأمور المتقدِّمة عند قول المصنِّف (رحمه الله) سابقاً: «ولا تُعطى الهاشميّ إلاَّ من قبيله»، فراجع، فإنَّه مهمّ.
تمَّ الانتهاء منه عصر يوم السَّبت في التَّاسع من شهر شعبان المعظَّم سنة 1443 للهجرة الموافق للثاني عشر من شهر آذار سنة 2022 للميلاد، والحمد ﷲ ربِّ العالمين.
([1]) الوسائل باب 34 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 34 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([3]) الوسائل باب 34 من أبواب المستحقين للزكاة ح5.