الدرس 167 _بقيّة أحكام الزكاة 17
الأمر الثَّاني: المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز له إبدالها بعد العزل؛ لعدم الدَّليل على ولايته على التَّبديل بعد العزل.
ومن المعلوم أنَّ المراد بالعزل: تعيينها في مال مخصوص وصيروتها أمانةً في يده لا يضمنها إلاَّ بالتفريط، فهي متعيِّنة للفقراء.
ومن هنا كان على المصنِّف (رحمه الله) أن يقطع بعدم جواز الإبدال، لا أن يجعل عدم الإبدال وجهاً، حيث قال: «فليس له إبداله في الموضعين في وجه».
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّ نماءها للمستحقّين؛ وذلك لتبعيَّة النماء لأصله، فإذا كانت الزكاة المعزولة للمستحقّين، فيكون النماء لهم؛ خلافاً لما ذهب إليه المصنِّف (رحمه الله): من جعل النماء للمالك، ولعلَّه اعتبر أنَّ العزل لا يخرج المال عن ملك المالك، وإنَّما يتعيَّن دفعه للمستحقّين.
وفيه: ما عرفته.
مضافاً إلى أنَّ ما ذكره منافٍ لما دل على كون التلف على تقدير عدم التفريط من الفقير.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وروى الكلينيّ عن الباقر (عليه السلام): أنَّه لو اتَّجر بها تبعها ربحها. ولو اتَّجر بماله ولمّا يعزلها فلها بقسطها، ولا وضيعة عليها(1)
(1) إذا اتَّجر بالمال الَّذي فيه الزَّكاة قبل أدائها فالبيع بالنِّسبة إلى حصَّة الزَّكاة يكون فضوليّاً تتوقَّف صحَّته على إجازة الحاكم الشَّرعيّ، الَّذي هو وليّ الفقراء، فإذا أدَّى البائع الزَّكاة بعد البيع من الخارج فيملك حصَّة الفقير من المبيع بذلك، ولا يحتاج إلى إجازة، وذلك للنَّصّ الخاصّ، وهو حسنة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ لم يُزكِّ إبله أو شاته عامَيْن فباعها، على مَنِ اشتراها أن يُزكِّيها لما مضى؟ قال: نعم، تُؤخذ منها زكاتها، ويتبع بها البائع أو يُؤدِّي زكاتها البائع»([1])، وهي ظاهرة في أنَّه إذا أدّى الزَّكاة من الخارج يملك حصَّة الفقير من المبيع.
وأمَّا إذا لم يؤدِّ الزَّكاة من الخارج، فالبيع بالنِّسبة إلى حصَّة الفقير يكون فضوليّاً، فإن أجازه الحاكم الشَّرعيّ صحّ، وتنتقل الزَّكاة إلى الثَّمن، ويكون الرِّبح للفقير بالنِّسبة، وإلاَّ كانت المعاملة باطلةً، وأخذ الحاكم الشَّرعيّ حصَّة الفقير من المبيع، ورجع المشتري بالثَّمن على البائع؛ هذا هو مقتضى القاعدة.
ولكن قد يُقال هنا: إنَّ البيع بالنِّسبة لحصة الفقير صحيح، ولا يحتاج إلى إجازة الحاكم الشَّرعيّ؛ وذلك للنَّصّ الخاصّ الَّذي أشار إليه المصنِّف (رحمه الله)، وهو رواية علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: سألتُه عن الزَّكاة تجب عليَّ في موضع (مواضع) لا يُمكنني أن أُؤدّيها؟ قال: اعزلها، فإن اتَّجرت بها فأنت لها ضامن ولها الرِّبح، وإن تَوِيَتْ([2]) في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك (شيء)، فإن لم تعزلها فاتَّجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الرِّبح ولا وضيعة عليها»([3]).
والشَّاهد: هو قوله (عليه السلام): «فإن لم تعزلها فاتَّجرتَ بها...»، فإنَّه يدلّ بوضوح على صحَّة المعاملة من دون حاجة لإجازة الحاكم الشَّرعيّ، كما أنَّها دالَّة أيضاً على جواز العزل، فتكون من الرِّوايات المستدلّ بها على صحَّة العزل.
ولكنَّها ضعيفة السَّند بالإرسال، وبجهالة معلَّى بن عبيد، وأمَّا عليّ بن أبي حمزة فالظَّاهر أنَّه ليس البطائنيّ، بل هو ابن أبي حمزة الثُّمالي، فهو وأبوه أبو حمزة الثُّمالي من الثُّقات.
والخلاصة: أنَّه لا بدّ من إجازة الحاكم الشَّرعيّ لتصحيح البيع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كان المال غائباً عنه ضمن بنقله إلى بلد آخر(1)
(1) ذكرنا سابقاً أنَّه إذا تلفت بالنَّقل مع وجود المستحقّ ضمن، ولا حاجة للإعادة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويستحبّ صرف الفطرة في بلده، والماليّة في بلدها(2)
(2) المعروف بين الأعلام: استحباب صرف زكاة الماليّة في بلدها، قال صاحب المدارك (رحمه الله): «أمَّا استحباب صرف الزَّكاة في بلد المال، فهو مذهب العلماء كافَّة...» .
أقول: هذا التسالم بينهم هو العُمدة. وأمَّا حسنة عبد الكريم (الملك) بن عتبة الهاشمي المتقدِّمة([4]) والآتية إن شاء الله تعالى فهي دالَّة على استحباب صرف زكاة أهل البوادي في أهل البوادي، وزكاة أهل الحضر في أهل الحضر، وهذا لا يقتضي استحباب الصَّرف في بلد المال.
وأمَّا استحباب صرف الفطرة في بلده؛ فلأنَّها تجب في الذِّمّة دون المال، فلا مدخليّة حينئذٍ لبلد ماله، كما أنَّه لا مدخليَّة لبلد استيطانه، بل يستحبّ له تأديتها في البلد الَّذي هو فيها، سواء أكانت بلد استيطانه أم لا.
وأمّا بالنسبة لجواز النقل من بلده إلى بلدة أخرى، فسيأتي الكلام عنه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وصرف صدقة البوادي على أهلها، والحاضرة على أهلها(3)
(3) يدلُّ على ذلك حسنة عبد الكريم (الملك) بن عتبة الهاشميّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: كان رسول الله (ص) يُقسِّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر»([5]).
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ووسم النَّعم في القويّ الظاهر، كالفخذ في الإبل والبقر، وأصول الآذان في الغنم. ويكتب في الميسم اسم الله، وأنّها زكاة أو صدقة أو جزية(1)
(1) الميسم: بكسر الميم وفتح السين: اسم للآلة التي يوسم بها كالمكواة. قال المصنف (رحمه الله) في البيان: «ويستحب وسم الإبل والبقر على أفخاذها، والغنم على آذانها، لكثرة الشعر على أفخاذها، وليكن ميسمها ألطف من ميسم البقر، وهو ألطف من ميسم الإبل. والفائدة فيه تميزها عند الاشتباه ومعرفة مالكها بها لئلاّ يشتريها، ويكتب في الميسم: زكاة الله أو صدقة». وقوله: «لئلاّ يشتريها» إشارة إلى كراهة شراء المالك المدفوع منه بعد دفعه.
([1]) الوسائل باب 12 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
([2]) تويت أي هلكت.
([3]) الوسائل باب 52 من أبواب المستحقين للزكاة ح3.
([4]) الوسائل باب 38 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([5]) الوسائل باب 38 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.