الدرس 24 _ الاصول العملية: البراءة 22
*ثمّ قال صاحب الكفاية: ولا يخفى أنه مع استقلاله بذلك لا احتمال لضرر العقوبة في مخالفته فلا يكون مجال ها هنا لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل كي يتوهم أنها تكون بيان...*
توضيحه: أشار بذلك إلى ما قد يتوهم في المقام، وهو ورود قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، باعتبار أنّه يكفي في البيان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، فإنّ الشك في التكليف يلازم الشك في الضرر، والعقل يستقلّ بلزوم دفع الضرر المحتمل، فيرتفع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان واصل إلى المكلف. وبعبارة أخرى: إنّ المراد بالبيان الرافع لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ليس خصوص الطريق الشرعي على الواقع، كخبر الواحد، بل المراد به كلّ ما يكون صالحاً لتنجّز الخطاب، ورافعاً لقبح المؤاخذة على مخالفة التكليف، واحتمال التكليف صالح لتنجيز الخطاب، ويكون بياناً مقتضياً للاحتياط، وبهذا المعنى تكون قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بياناً. وفيه: أنّ مورد قاعدة قبح العقاب يختلف عن مورد قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ولا يجتمعان في مورد واحد.
وتوضيحه: إنّ المراد من الضرر في حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، إمّا أن يكون هو الضرر الأخروي من العذاب والعقاب، وإمّا أن يكون هو الضرر الدنيوي من نقص في الأنفس والأطراف والأعراض، وإمّا أن يكون هو المفسدة المقتضية لجعل الحرمة، فإنّ المفاسد التي تبتنى عليها الأحكام قد لا ترجع إلى الضرر الدنيوي ولا إلى العقاب الأخروي، فإنّه يمكن أن تكون مناطات الأحكام أموراً أخر غير المضار الدنيوية والعقاب الأخروي.
وعليه: فإن كان المراد من الضرر هو العقاب الأخروي، فوجوب دفعه إمّا أن يكون نفسياً أو غيرياً أو طريقياً أو ارشادياً.
أمّا الوجوب النفسي فهو غير وارد، إذ على تقدير الوجوب النفسي يكون العقاب على مخالفة نفسه لا على مخالفة التكليف الواقعي المجهول، وأيضاً لو كان الوجوب نفسياً لما صلح لتنجيز الواقع لعدم ارتباطه به، مع أنّ غرض المستدلّ به هو تنجيز الحكم الإلزامي المجهول. مضافاً إلى أنّ الوجوب النفسي يستلزم تعدد العقاب عند مصادفة احتمال التكليف للواقع، ولا يمكن الالتزام به.
والخلاصة: إنّه على تقدير الوجوب النفسي، فهو لا يصلح لتنجيز الواقع المجهول، لعدم ارتباطه به، فيكون التكليف الواقعي غير واصل إلى المكلف، فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان بلا مانع، وبها يرتفع موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.
وأمّا الوجوب الغيري، فأيضاً غير محتمل في المقام، إذ ليس هنا واجب نفسي يترشّح منه وجوب غيري على دفع الضرر حتى يصير واجباً مقدّمياً ويتوقف عليه امتثال الواجب النفسي.
وبالجملة، فالالزام الواقعي المجهول لا يتوقّف على دفع العقاب حتى يكون دفع العقاب واجباً غيرياً، بل دفع العقاب يحصل بامتثاله، وهو من آثاره العقلية.
وأمّا الوجوب الطريقي، فهو أيضاً غير محتمل هنا، لأنّ الوجوب الطريقي إنّما جعل لأجل تنجيز الواقع، ويكون هو المنشأ لاستحقاق العقوبة على مخالفة التكليف الواقعي في صورة الإصابة، ولولاه لما كان العقاب محتملاً. وعليه، فإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن الالتزام بأنّ وجوب دفع الضرر المحتمل طريقي، إذ لو كان طريقياً لكان الوجوب في رتبة سابقة على احتمال العقاب، لأنّ الوجوب الطريقي منشأ لاحتمال العقاب، مع أنّ احتمال العقاب مأخوذ في موضوع وجوب دفع الضرر المحتمل، فلا بدّ من تقدّمه عليه تقدم الموضوع على الحكم، مع أنّه متأخّر عنه رتبة، كما عرفت، وبذلك يبطل القول بالوجوب الطريقي.