الدرس 38 _زكاة الأنعام 10
ويَرِد على كلام المحقِّق (رحمه الله) أوَّلاً: أنَّه لم يذهب إلى ذلك جماعة من محققي الأصحاب؛ إذ لم ينسب الخلاف في هذه المسألة إلاَّ إلى ابن أبي عقيل وابن الجنيد (رحمه الله)، كما عرفت، فأين الجماعة من محققي الأصحاب؟!
وثانياً: أنَّ الإشكال في هذه الحسنة ليس مخصوصاً بهذا الموضع مِنَ الحَسَنة، حتَّى يقال: فيه روايتان أشهرهما كذا، بل تدلُّ بظاهرها على أنَّ النِّصاب السَّادس خمس وثلاثون، وفيه ابنة لبون؛ والسَّابع خمس وأربعون وفيها حِقَّة؛ والثَّامن ستُّون وفيها جَذْعة؛ والتَّاسع خمس وسبعون وفيها ابنتا لَبُون؛ والعاشر تسعون؛ وفيها حِقَّتان، مع أنَّه يعتبر في جميع هذه النُصُب زيادة واحدة باتَّفاق الخاصَّة والعامَّة.
فمن هنا، قد يشكل توجيهها بالحَمْل على التَّقيَّة أيضاً؛ لمخالفة الحسنة في سائر فقراتها لمذهب الجمهور أيضاً.
ومن هنا يتعيَّن القول: بلزوم إضمار جملة: «وزادت واحدة»، حتَّى يستقيم المعنى، وإلاَّ فنرد علمها إلى أهلها (عليهم السلام)، وهم أدرى بها.
ويؤيِّد الإضمار: ما ذَكَره صاحب الوسائل (رحمه الله)، فإنَّه بعد أن روى هذه الحسنة عَنِ الكليني (رحمه الله) كما ذكرناه وعَنِ الشيخ (رحمه الله) مثلها قال: «ورواه الصَّدوق في معاني الأخبار عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن حمَّاد بن عيسى مثله، إلاَّ أنَّه قال على ما في بعض النُسَخ الصَّحيحة : فإذا بلغت خمساً وعشرين، فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض إلى أن قال: فإذا بلغت خمساً وثلاثين، فإن زادت واحدة ففيها ابنة لَبُون، ثمَّ قال: إذا بلغت خمساً وأربعين، وزادت واحدة ففيها حِقَّة، ثمّ قال: فإذا بلغت ستِّين، وزادت واحدة ففيها جَذْعة، ثمَّ قال: فإذا بلغت خمسة وسبعين، وزادت واحدة ففيها بنتا لبون، ثمّ قال: فإذا بلغت تسعين، وزادت واحدة، ففيها حِقّتان، وذكر بقيَّة الحديث مثله»([1]).
والخلاصة: أنَّ ما ذهب إليه ابن أبي عقيل وابن الجنيد ليس تامّاً.
وأمَّا القول المحكيُّ عن الصَّدوقين (رحمهما الله)، فقد يستدل له: بما في الفِقه الرَّضوي: «فإذا بلغت خمسةً وأربعين، وزادت واحدة ففيها حِقَّة، وسمِّيت حِقَّة لأنَّه استحقَّت أن يُركَّب ظهرها، إلى أن يبلغ ستِّين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمسة وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ثني (بنت لبون)...»([2]).
وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من عدم ثبوت نسبة الكتاب المزبور إلى الإمام الرضا (عليه السلام)، بل استظهرنا أنَّه فتاوى لابن بابويه (رحمه الله)، إلاَّ ما كان فيه بعنوان: (قال): أو: (روي) فيكون روايةً مرسلةً.
وقد يستدلُّ له أيضاً: برواية الأعمش المرويَّة في الخِصال عن جعفر بن محمَّد في حديث شرائع الدِّين «قال: الزَّكَاةُ فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ إلى أن قال: وَتَجِبُ عَلَى الْإِبِلِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ خَمْساً فَيَكُونُ فِيهَا شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشَرَةً فَشَاتَانِ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ فَأَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَعِشْرِينَ فَخَمْسُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ابنة مَخَاضٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَثَلَاثِينَ وَزَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْساً وَأَرْبَعِينَ وَزَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا حِقَّةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ وَزَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى ثَمَانِينَ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَنِيٌّ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ تِسْعِينَ فَفِيهَا بْنَتَا لَبُونٍ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْإِبِلُ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابنة لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَيَسْقُطُ الْغَنَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيُرْجَعُ إِلَى أَسْنَانِ الْإِبِلِ»([3]).
وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في السَّند.
وثانياً: أنَّها مشتملة على ما لا يمكن القول به، وهو اعتبار الزِّيادة على الأربعين شاة في النِّصاب الأوَّل من الغنم، حيث ورد فيها: «وَتَجِبُ عَلَى الْغَنَمِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً، وَتَزِيدُ وَاحِدَةٌ فَتَكُونُ فِيهَا شَاةٌ...».
وبالجملة، فإنَّ ما ذهب إليه ابنا بابويه (رحمهما الله) ليس تامّاً.
وأما ما حكي عَنِ السَّيِّد المرتضى (رحمه الله) من الخلاف في الانتصار فقد عرفت الجواب عنه.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه مشهور الأعلام هو الأقوى الذي لا محيص عنه، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 2 من أبواب زكاة الأنعام ح7.
([2]) الفقه الرضوي: باب الزكاة ص197.
([3]) الوسائل باب 10 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه ح1.