الدرس 244 _ المقصد الثالث في العام والخاص 19
الدرس 244 _ المقصد الرابع في العام والخاص 19
الفصل الثاني: تعريف العام وأقسامه وصيغه / المبحث الخامس: استصحاب العدم الأزلي.
· دليل الميرزا على كون العدم نعتي في المسألة، وتوضيحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمة الثالثة:
أشرنا سابقاً إلى أنّ الموضوع المركّب، إمّا أن يكون مركّباً من جوهرين؛ كما لو كان موضوع وجوب التصدّق مركّباً من وجود زيد ووجود عمرو، وإحراز الموضوع المركّب تارةً يكون بالوجدان، أو بالتعبد، أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد؛ كما إذا كان وجود زيد محرزاً بالوجدان، وشك في وجود عمرو وأنّه باقٍ أو مات، فلا مانع من استصحاب بقائه وعدم موته، وبذلك يحرز كلا فردي الموضوع.
وإمّا أن يكون موضوع العام مركّباً من عرضين، فهنا صورتان:
الصورة الأولى: أن يكونا عرضين لجوهر واحد؛ كموضوع جواز التقليد المركّب من (علم زيد) و(عدالته) مثلاً، فالعلم والعدالة عرضان عرض كلاهما على جوهر واحد وهو زيد. وحالهما حال العرضين المأخوذين في الموضوع بلا فرق بينهما؛ إذ قد يكون كلّ منهما محرزاً بالوجدان، وأخرى يكون كلّ منهما محرزاً بالتعبد؛ كما إذا ثبت كلّ منهما بالبيّنة مثلاً أو بالأصل، وقد يكون أحدهما محرزاً بالوجدان والآخر بالتعبد، وبضمّ الوجدان إلى الأصل يلتئم موضوع المركّب، فيترتب عليه أثره، وهو جواز التقليد.
الصورة الثانية: أن يكونا عرضين لجوهرين؛ كموضوع الإرث المركّب من (موت المورِّث) و(إسلام الوارث)، فالموت والإسلام عرضان، عرض الأوّل منهما على جوهر وهو المورِّث، وعرض الثاني على جوهر آخر وهو الوارث.
وعليه، فحالهما حال الجوهرين وحال العرضين لموضوع واحد؛ فكما أنّه يمكن إحراز كليهما بالوجدان أو التعبد، أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد، فكذلك في المقام. ومن هذا القبيل صحّة اقتداء المأموم بالإمام في الركوع، فإنّ موضوعه مركّب من (ركوع الإمام) و(ركوع المأموم) في زمان واحد، فلو ركع المأموم وشك هل رفع الإمام رأسه خلال هويه للركوع أم لا، فيمكنه تصحيح اقتدائه من خلال إحراز جزأي موضوع صحة الاقتداء؛ فإنّ ركوعه محرز بالوجدان، ويحرز إدراك الإمام في ركوعه إذا شك في رفع رأسه من خلال استصحاب بقائه فيه إلى حين الركوع، وبضمّ الأصل إلى الوجدان يلتئم الموضوع، ويترتب الأثر، وهو صحّة الاقتداء.
نعم، بناءً على أنّ موضوع صحّة الاقتداء هو اقتران ركوعيهما، وهو عنوان انتزاعي، لا مجرّد وجود ركوع الإمام ووجود ركوع المأموم في زمان واحد، فلا يمكن إثباته إلا على القول بالأصل المثبت الذي لا نقول به؛ لأنّ استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى حين ركوع المأموم يلزمه عقلاً ثبوت التقارن.
وإمّا أن يكون موضوع العام مركباً من جوهر وعرض.
وعليه، فإمّا أن يكون هذا العرض لجوهر آخر؛ كما لو كان الموضوع مركّباً من (وجود زيد) و(قيام عمرو)، فحاله حينئذٍ حال ما سبق من حيث إثباته بالوجدان أو بالتعبد أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد. وإمّا أن يكون هذا العرض للجوهر نفسه؛ كما لو كان الموضوع مركّباً من (وجود زيد) و(عدالته). وعليه، ففي هذه الحالة لا محالة يكون المأخوذ في الموضوع هو وجود العرض بوجوده النعتي؛ حيث إنّ العرض نعت لموضوعه وصفة له.
وبالجملة، فإنّ العرض بالنسبة إلى محلّه، إنّما يكون نعتاً ووصفاً له، ويكون للجهة النعتية والتوصيفية دخل لا محالة، ولا يمكن أخذ العرض شيئاً بحيال ذاته في مقابل المحلّ القائم به؛ إذ وجود العرض بنفسه ولنفسه عين وجوده لمحلّه وبمحلّه، فلا محيص من أخذ العرض بما هو قائم بمحلّه موضوعاً للحكم.
وعليه، فإن كان لاتصاف الموضوع به وجوداً أو عدماً حالةٌ سابقة، جرى استصحاب بقائه، وإلا فلا؛ ففي قولك: (أكرم العلماء إلاّ فساقهم)، يكون الموضوع مركباً من (العالم) و(غير الفاسق)، وعند الشك في فسق زيد العالم تجري أصالة عدم فسقه بمفاد ليس الناقصة إذا كان عدم فسق زيد مسبوقاً بالتحقق، أو أصالة فسقه بمفاد كان الناقصة إذا كان فسقه مسبوقاً بالتحقق. ويترتب على الأوّل وجوب إكرامه، وعلى الثاني عدم وجوبه.
والإشكال بأنّه لا معنى لاستصحاب نقيض موضوع الحكم إذ الأثر الشرعي مترتب على وجود الموضوع، ولا أثر لنقيضه ضعيف جداً، فإنّه يكفي في جريان الاستصحاب إثبات عدم الأثر الشرعي، وإلا لانسدّ باب الاستصحابات العدمية بالنسبة إلى الأحكام؛ إذ عدم الحكم ليس مجعولاً شرعياً، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في محله.
وعلى أي حال، إن كان الوجود أو العدم النعتي مسبوقاً بالتحقق، فلا إشكال في جريانه فيه، بما أنّه وجود وعدم نعتي. وأمّا إذا لم يكن مسبوقاً بالتحقق، فلا محلّ للأصل فيه؛ وذلك كالمرأة القرشية، فإنّ عروض وصف القرشية للمرأة مساوق زماناً لوجود المرأة، فهي إمّا أن توجد قرشية، وإمّا أن توجد غير قرشية، وليس العدم النعتي مسبوقاً بالتحقق؛ لأنّ سبق تحقق العدم النعتي يتوقف على وجود الموضوع آناً ما فاقداً لذلك الوصف. وأمّا إذا لم يكن كذلك كالمثال، فلا محلّ لاستصحاب العدم النعتي.
نعم، استصحاب العدم الأزلي يجري؛ لأنّ وصف القرشية كان مسبوقاً بالعدم الأزلي لا محالة؛ لأنّه من الحوادث، إلا أنّ الأثر لم يترتب على العدم الأزلي، بل على العدم النعتي، وإثبات العدم النعتي باستصحاب العدم الأزلي يكون من أوضح أنحاء الأصل المثبت؛ إذ عدم وجود القرشية في الدنيا يلازم عقلاً عدم قرشية هذه المرأة المشكوك حالها.
وبعد تمام هذه المقدمات الثلاث، نرجع إلى أصل النـزاع بين الأعلام، وهو أنّه هل المأخوذ في العام بعد التخصيص هو عدم محمولي بمفاد ليس التامة، كما ذهب إليه صاحب الكفاية والسيد الخوئي وجماعة من الأعلام (رحمهم الله)، أم عدم نعتي بمفاد ليس الناقصة، كما ذهب إليه الميرزا النائيني R؟ مثلاً: وردت عمومات في انفعال كلّ ماء بمجرد ملاقاة النجاسة، ثمّ وردت مخصِّصات باستثناء الكرّ؛ كما في صحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله N قال: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»[1]f98، فهل بعد التخصيص يصبح موضوع العام هو (الماء المقيّد بعدم الاتصاف بالكريّة) على نحو العدم المحمولي وبمفاد ليس التامة، أم (الماء المتصف بعدم الكرية) على نحو العدم النعتي وبمفاد ليس الناقصة؟
فعلى الأوّل، مع الشك في بلوغ ماء معيّن قدر كرّ، يمكن استصحاب عدم الكرية، فيلتئم موضوع العام حينئذٍ، غاية الأمر أنّ أحد جزئيه، وهو الماء، محرز بالوجدان، وجزأه الآخر، وهو العدم المحمولي، محرز بالأصل.
وعلى الثاني، فإن كان لهذا الماء حالة سابقة متيقّنة نستصحبها، فلو كنّا على يقين بعدم كرِّية هذا الماء من قبل؛ أي كنا على يقين باتصافه بعدم الكرية، ثمّ شككنا بتحققها، نستصحب اتصافه بعدمها ليلتئم موضوع العام حينئذٍ، أو كنّا على يقين بكرِّية هذا الماء أي كنّا على يقين باتصافه بالكرية ثمّ شككنا بارتفاعها عنه، فنستصحب بقاءها، فلا يدخل الماء المشكوك تحت العام حينئذٍ. أمّا لو لم يكن لهذا الماء حالة اتصاف سابقة حتى يمكن استصحابها، فهنا لا ينفع استصحاب عدم الاتصاف بالكرّية الأزلي لإثبات الاتصاف بعدم الكرية؛ لأنّ ذلك من الأصل المثبِت، وهو على ما ذهبنا إليه لا يُثبِت.
إذا عرفت ذلك، فقد استدل الميرزا النائيني على ما ذهب إليه، وهو أنّ المأخوذ في العام بعد التخصيص هو العدم النعتي؛ بدليل.
حاصله: لو كان المأخوذ هو العدم المحمولي؛ مثلاً (العالم المقيّد بعدم الاتصاف بالفسق)، فهنا نسأل: ما هو حال هذا العام بعد التخصيص من جهة الاتصاف بالفسق أو الاتصاف بعدمه باعتبار أنّ العدم النعتي من نعوت موضوع العام وأوصافه؟
والجواب: بما أنّه لا يعقل الإهمال في مقام الجعل والثبوت، لا يخلو حال العام في هذا المقام من ثلاث حالات: فإمّا أن يكون مطلقاً من هذه الجهة، أو مقيّداً بالاتصاف بالفسق، أو مقيّداً بالاتصاف بعدم الفسق، ولا يمكن الأوّل؛ لاستلزامه التناقض والتهافت؛ إذ كيف يكون مطلقاً وهو مقيّد بعدم الفسق على نحو العدم المحمولي، فإنّ الجمع بينهما غير ممكن؛ فلا يعقل أن يكون الموضوع في قولك: (أكرم كلّ عالم إلا الفساق منهم) مطلقاً بالإضافة إلى العدم النعتي، وهو اتصافه بعدم الفسق بعد فرض تقييده بالعدم المحمولي، وهو عدم الفسق بمفاد ليس التامة، فإنّ مردّ إطلاق الموضوع في القضية هو أنّ العالم سواء كان متصفاً بالفسق أم لم يكن، يجب إكرامه، وهذا الإطلاق كيف يجتمع مع الاستثناء وتقييد العالم بعدم الفسق بمفاد ليس التامة.
وكذا لا يمكن الثاني؛ ضرورة أنّ الموضوع قد قيّد بعدم الفسق بمفاد ليس التامة، فكيف يعقل تقييده بمفاد كان الناقصة؟ فيتعيّن أن يكون مقيداً بالاتصاف بعدم الفسق، إلا أنّه بذلك يكون موضوع العام بعد التخصيص مستغنياً عن تقييده بعدم الاتصاف بالفسق؛ إذ بعد تقييده بالعدم النعتي يصبح تقييده بالعدم الأزلي لغوياً.
هذا حاصل دليل الميرزا على كون المأخوذ في العام بعد التخصيص هو العدم النعتي لا الأزلي.