الدرس 12 _ما يشترط في وجوب الزكاة 1
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: يشترط أيضاً في وجوبها المُلْك(1)
(1) في المدارك: «أمَّا اشتراط المُلْك، فقال في المعتبر: أنَّ عليه اتِّفاق العلماء؛ لأنَّ وجوب الزَّكاة مشروط بمُلْك النِّصاب...»، وفي الجواهر: «إجماعاً في المحكيِّ عن نهاية الأحكام، بل باتِّفاق العلماء، كما عَنِ المعتبر، بل كافَّة، كما عَنِ المنتهى...».
أقول: اشتراط المُلْك في وجوب الزَّكاة مِنَ المسلَّمات عند الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث لم يخالف في ذلك متفقِّه فضلاً عن فقيه.
ثمَّ إنَّه يحتمل أن يكون المراد من الملكية المشترطة ما كان متعلقها مقابلاً للمباحات، فلا تتعلق الزكاة بغير المملوك كالمباحات الأصلية.
ويحتمل أيضاً أن يكون المراد من شرط الملكيَّة هو أن يكون الشَّي المملوك مُلْكاً لشخصٍ خاصٍّ، في مقابل الموقوف على جهة عامة كالعلماء، أو الفقراء، ونحو ذلك، فإنَّ نماء هذا الوقف لو بلغ حدَّ النِّصاب لا تجب فيه الزَّكاة؛ لأنَّه ليس ملكاً لشخص خاصٍّ، بل هو ملك للجهة العامَّة.
والخلاصة: أنَّه لا مانع من إرادة كلٍّ من هذَيْن الاحتمالين في المقام.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فلا زكاة على العبد، وإن قلنا: بمُلْكه؛ لعدم التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه لا تجب الزَّكاة على المملوك، سواء قلنا بمُلْكه كما هو الأصح؛ لوجود جملة من الرِّوايات تدلُّ على أنَّه يملك، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذِكْر بعضها قريباً أو قلنا: بأنَّه لا يملك.
أمَّا على القول بعدم الملك: فالأمر واضح؛ لأنَّ ما بيده يكون مُلْكاً لمولاه، بل لا وجه لاشتراط الحريَّة على هذا التَّقدير؛ لأنَّ اشتراط المُلْك يغني عنه.
وأمَّا على القول: بأنَّه يَمْلك، فقدِ استدلَّ لعدم وجوب الزَّكاة عليه بأمرَيْن:
الأوَّل: أنَّه لا يتمكَّن مِنَ التَّصرُّف للحجر عليه، والتَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف شرط في وجوب الزَّكاة.
أضف إلى ذلك: أنَّ مُلْكه متزلزل؛ لأنَّ للمولى انتزاعه منه متى شاء، إجماعاً، كما عَنِ المختلف وغيره.
الثَّاني وهو الأهمُّ : جملة مِنَ الرِّوايات:
منها: حسنة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: لَيْسَ فِي مَالِ الْمَمْلُوكِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ أَلْفٍ، وَلَوِ احْتَاجَ لَمْ يُعْطَ مِنَ الزَّكاة شَيْئاً»([1]).
ومنها: صحيحته عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ سَأَلَهُ رَجُلٌ، وَأَنَا حَاضِرٌ، عَنْ مَالِ الْمَمْلُوكِ، أَعَلَيْهِ زَكَاةٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَوِ احْتَاجَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الزَّكاة شَيْءٌ»([2]).
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَهَبُ لِعَبْدِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَيَقُولُ: حَلِّلْنِي مِنْ ضَرْبِي إِيَّاكَ، وَمِنْ كُلِّ مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْكَ، وَمِمَّا أَخَفْتُكَ، وَأَرْهَبْتُكَ، فَيُحَلِّلُهُ وَيَجْعَلُهُ فِي حِلٍّ، رَغْبَةً فِيمَا أَعْطَاهُ، ثُمَّ إِنَّ الْمَوْلَى بَعْدُ أَصَابَ الدَّرَاهِمَ الَّتِي كَانَ أَعْطَاهَا فِي مَوْضِعٍ قَدْ وَضَعَهَا فِيهِ الْعَبْدُ، فَأَخَذَهَا الْمَوْلَى، أَحَلَالٌ هِيَ لَهُ؟ قَالَ: فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ افْتَدَى بِهَا نَفْسَهُ مِنَ الْعَبْدِ مَخَافَةَ الْعُقُوبَةِ، وَالْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُزَكِّيَهَا إِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ؟ قَالَ: لَا، إِلاَّ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ بِهَا (فيها)، وَلَا يُعْطَى الْعَبْدُ مِنَ الزَّكاة شَيْئاً»([3]).
وعليه، فما عَنِ المعتبر ومحكيِّ المنتهى وإيضاح النَّافع من وجوب الزَّكاة على تقدير المُلْك، واضح الضَّعف.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو صرَّفَه مولاه، فهو تصرُّف متزلزل(1)
(1) هذا هو المعروف بينهم، فلو رفع الحجر عنه مولاه، وأذن له بالتَّصرُّف، فلا زكاة عليه مطلقاً؛ لإطلاق حسنة وصحيحة ابن سنان المتقدمتَيْن، بل هو صريح موثَّقة إسحاق المتقدِّمة.
أضف إلى ذلك: أنَّ تصرُّفه متزلزل؛ لأنَّ للمولى أن يرجع عنه متى شاء.
وعليه، فما عَنِ الفاضل القطيفي والأردبيلي مِنَ الزَّكاة عليه في صورة الإذن بالتَّصرُّف ضعيف جدّاً، ومخالف للرِّوايات المتقدِّمة.
وأمَّا رواية عليِّ بن جعفر المرويَّة في قرب الإسناد عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «قَاْلَ: لَيْسَ عَلَىْ المَمْلُوكِ زكاةً، إلاَّ بإذن مواليه»([4]).
فهي أوَّلاً: ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.
وثانياً: يحتمل أن يكون المراد منه نفي وجوب دفع الزَّكاة على مال السَّيِّد الذي بيده إلاَّ إذا أذن له بالدَّفع.
وقد حمله صاحب الوسائل (رحمه الله) على الاستحباب، أي يستحبُّ دفع الزَّكاة من مال المملوك إذا أذن له مواليه.
ثمَّ إنَّه حُكِي عَنِ المشهور أنَّ العبد لا يملك، وما في يده من المال تجب زكاته على مولاه.
ويظهر من بعض الأعلام القول: بوجوب الزَّكاة على مولاه مطلقاً، سواء أقلنا: بأنَّه يملك أم لا.
وقيل في توجيهه: بأنَّه مال مملوك لأحدهما، فلا تسقط زكاته عنهما معاً، ولأنَّه مال مستجمع لشرائط الزَّكاة، فإذا لم يجب على المملوك وجب على سيِّده؛ ولأنَّ المولى لمَّا كان له انتزاعه من يده متى شاء كان كمالٍ في يد وكيله.
ولكن يرد على هذا الكلام: أنَّه لا وجه لوجوب الزَّكاة على المولى في صورة كون العبد يملك.
نعم، على القول: بأنَّه لا يملك، قد يقال: بوجوب الزَّكاة على مولاه؛ باعتبار أنَّه مال مملوك له في يدِ عبدِه، قادر على التَّصرُّف فيه، وانتزاعه منه، فتجب عليه الزَّكاة بمقتضى عموم أدلَّتها.
ولكنَّ الأقرب: عدمُ وجوبِ الزَّكاة على المولى في هذه الصُّورة أيضاً؛ وذلك لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: قُلْتُ لَهُ: مملوكٌ في يدِه مالٌ، أعليه زكاةٌ؟ قَاْلَ: لَاْ، قَاْل: قلتُ: فعلى سيِّدِه؟ فَقَاْل: لَاْ، (لأنّه) إنَّه لم يَصِل إلى السَّيِّدِ، وَلَيْسَ هُوَ للمَمْلُوكِ»([5])، وهذه الصَّحيحة ظاهرة في أنَّ ما بيد المملوك من مال هو لمولاه، وهو مأذون بالتَّصرُّف فيه.
وعليه، فمثل هذا المال لا تجب زكاته على العبد وإن كان مأذونًا بالتكسب به لعدم كونه ملكاً له، ولا على مولاه؛ لعدم وصوله إليه، فهو غير متمكِّن مِنَ التَّصرُّف فيه، ويشترط في وجوب الزكاة التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف، كما لا يخفى.
وكون المولى متمكناً شرعاً مِنِ انتزاع ما في يده منه لا ينفع في تمكُّنه مِنَ التَّصرف فيه بالفعل قبل إيصاله إليه، أو إعلامه به، وتمكينه مِنَ التَّصرُّف فيه كي تجب الزَّكاة عليه.
وبالجملة، فإنَّ من شرائط وجوب الزَّكاة كون المال تحت تصرُّفه، فلا زكاة إذا لم يمكن التَّصرُّف فيه، كالمال الغائب أو المركون في مكان، وهو لا يدري، أو أنَّه انتقل إليه بتجارة من وكيله كالعبد مثلاً وهو جاهل بذلك، فلا زكاة في هذه الموارد وأشباهها، لأنَّ المال لم يصل إلى صاحبه، ولم يكن تحت تصرُّفه، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 4 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 4 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح3.
([3]) الوسائل باب 4 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح6، وذكر تمامه في تهذيب الأحكام باب 1 من أبواب العتق وأحكامه ج8، ص225 ح41.
([4]) الوسائل باب 4 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح2.
([5]) الوسائل باب 4 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح4.