الدرس213 _مكان المصلي 6
أقول: أمّا بالنسبة لحقّ الرّهن فالمعروف بين الأعلام عدم جواز التصرّف في العين المرهونة بدون إذن المرتهن.
ويستدلّ لهم بأمرين:
الأوّل: الإجماع.
والثاني: النبوي: «الراهن، والمرتهن، ممنوعان من التصرف»[i]f481.
أمَّا الدليل الأوّل: فالإنصاف أنّ المسألة متسالم عليها بين الأعلام، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، ولكنّ التسالم دليل لبّي يُقتصر فيه على القدر المتيقّن، وهو ما كان منافياً لحقّ الرّهانة، كما لو وقف العين المرهونة، فإنَّ وقفها ينافي كونها وثيقة، إذ يمتنع استيفاء الدّين من العين الموقوفة بعد تعذّر بيعها، كذلك لو كانت العين المرهونة ممّا يؤكل، فإنّ أكلها من قِبَل الراهن ينافي حقّ الرّهانة.
وأمّا إذا لم يكن التصرّف فيها منافياً لحقه، كما إذا لَبِس العين المرهونة، أوِ افترشها، وصلّى عليها، فلا مانع حينئذٍ من ذلك، لأنّ التسالم دليل لبّي، لا إطلاق له ليشمل التصرّفات غير المنافية.
وأمّا الدليل الثاني النبوي : فإنه ضعيف بالإرسال، وبغير ذلك أيضاً.
نعم، يجوز للمرتهن الامتناع من تسليم العين، والتصرّف فيها، لأنّها متعلق حقه، إلاّ أنَّ الراهن لو أخذها من دون اطلاعه باختلاس، ونحوه، فتصرفه صحيح حينئذٍ.
وقد دلّت على ذلك صريحاً: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر N «فِي رَجُلٍ رَهَنَ جَارِيَتَه قَوْماً، أيَحِلُّ لَه أَنْ يَطَأَهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَهَنُوهَا يَحُولُونَ بَيْنَه وبَيْنَهَا، قُلْتُ: أرَأَيْتَ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا خَالِياً؟ قَالَ: نَعَمْ، لَا أَرَى بِه بَأْسا»[ii]f482.
وعليه، فإذا جاز الوطء الذي هو من أهم التصرّفات جاز غيره من سائر التصرّفات غير المنافية للأولويّة القطعيّة.
والخلاصة: أنّه لا مانع للراهن من الصّلاة في العين المرهونة، كما له الإذن لغيره في الصّلاة فيها، هذا بالنسبة لحقّ الرهن.
وأمّا حقّ غرماء الميت: فهو مبني على القول بانتقال التركة بأجمعها إلى الورثة، غايته أنّه متعلّق لحقّ الغريم.
ولكن على هذا القول لا مانع من التصرّف بمثل الصّلاة، ونحوها من التصرفات غير المزاحمة لحقّ الغريم، بل هو كحقّ الرهانة الذي قد عرفت عدم التنافي بينه وبين مثل هذه التصرفات.
نعم، بناء على القول الصحيح بأنّ المال المقابل للدين باقٍ على ملك الميت، كما يقتضيه ظاهر قوله تعالى: «مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ﴾ ]النساء: 12[، وما دلّ من النصوص على الترتيب بين الكفن والدين والوصيّة والميراث، كما في موثّقة السكوني عن أبي عبد الله N «قال: أوّل شيء يبدأُ به من المال الكفن، ثمّ الدّين، ثمّ الوصيّة، ثمّ الميراث»[iii]f483، فإنّه على هذا القول الصحيح، والذي اختاره جماعة كثيرة من الأعلام، تحصل الشّركة بين الميت والوارث في التركة بنسبة الدّين من النصف أو الثلث، ونحوهما.
وفي هذه الحالة لا يصحّ للوارث التصرّف في التركة بدون الاستئذان من ولي الميت إن كان، وإلا فالحاكم الشرعي.
وبالجملة، فإنّ تصرُّف الوارث في التركة بدون الاستئذان، سواء أكان في الصّلاة أم غيرها، وإن كان ممنوعاً وغصباً، إلاّ أنه غصب للعين، وليس تصرّفاً في متعلّق حقّ الغير حتّى يدخل في مسألة التصرُّف في متعلّق حقّ الغير.
وممَّا ذكرناه يتضح لك الحال في حقّ الميت إذا أوصى بثُلُث ماله، فإنّ الصحيح حصول الشّركة بين الميت والورثة، ويكون تصرّفهم بدون الاستئذان من ولي الميت إن كان، وإلاَّ فمن الحاكم الشرعي غصباً للعين، فيدخل في المسألة الأولى، وهي الغصب المتعلّق بالعين.
وأمَّا حقّ السّبق، كما لو سبق إلى مكان في المسجد أو غيره، فغصبه منه غاصب، فهل تبطل الصَّلاة بغصبه، أم لا؟
ظاهر جماعة من الأعلام البطلان، بل نُسِب إلى المشهور، وفي الجواهر: «أمَّا حقّ السّبق في المشتركات كالمسجد ونحوه ففي بطلان الصّلاة بغصبه وعدمه وجهان، بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقاً للعلامة الطباطبائي في منظومته، لأصالة عدم تعلّق الحقّ للسّابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه، سواء أكان هو الدافع أم غيره، وإن أثم بالدفع المزبور لأولويته، إذ هي أعمّ من ذلك قطعاً.
وربّما يؤيِّده: عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة، مضافاً إلى ما دلّ على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسّبق المزبور، إذ عدم جواز المزاحمة أعمّ من ذلك، فتأمّل...».
أقول: إذا لم يوجد ما يدلّ على تعلّق الحقّ للسّابق، على وجهٍ يمنع غيره، يكون ما ذكره صاحب الجواهر R من أصالة عدم تعلّق الحقّ للسّابق في غاية الصحّة والمتانة، إلاّ أنّه قدِ استُدلّ لثبوت الحقّ للسّابق على وجهٍ يمنع غيره بروايتَيْن:
الأُولى: مرسلة محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله N «قال: قلتُ له: نكون بمكّة، أو بالمدينة، أو الحيرة، أو المواضع التي يُرجى فيها الفضل، فربما خرج الرّجل يتوضّأ، فيجيء آخر فيصير مكانه، قال N: مَنْ سبقَ إلى موضعٍ فهو أحقُّ به، يومه وليلته»[iv]f484.
الثانية: رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله N «قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ N: سُوقُ الْمُسْلِمِينَ كَمَسْجِدِهِمْ، فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ، فَهُوَ أَحَقُّ بِه إِلَى اللَّيْلِ، (قَالَ خ ل) وكَانَ لَا يَأْخُذُ عَلَى بُيُوتِ السُّوقِ كِرَاءً»[v]f485.
وفيهما أوَّلاً: أنّهما ضعيفتا السّند، الأُولى بالإرسال، والثانية بطلحة بن زيد، فإنّه غير موثّق، ووجوده في كامل الزيارات، وتفسير عليّ بن إبراهيم، لا ينفع، لأنّه ليس من مشايخهما المباشرين.
إن قلت: إنّ الشّيخ ذَكَر أنّ له كتاباً معتبراً.
قلت: هذا لا يلزم منه توثيقه.
أضف إلى ذلك: أنّه لم يُعلم أنّ الرّواية أُخذِت من كتابه، ولعلّها أُخذِت منه مشافهةً، ولم يلتزم الشيخ الكليني R بنقل الرّواية عمَّن له كتاب، أو أصل، من كتابه أو أصله، كما التزم الشّيخ R بذلك.