الدرس 21 _ما يشترط في وجوب الزكاة 10
ومنها: رواية عبد العزيز «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ، أَيُزَكِّيهِ؟ قَالَ: كُلُّ دَيْنٍ يَدَعُهُ هُوَ إِذَا أَرَادَ أَخْذَهُ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ، وَمَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ»([1])، وهي ضعيفة بعبد العزيز العبدي.
ومنها: رواية إسماعيل بن عبد الخالق «قَاْل: سَألْتُ أَبَاْ عَبْدِ الله (عليه السلام) أَعَلَى الدَّينِ زَكَاةٌ؟ قَاْل: لَاْ، إِلاَّ أنْ تفرَّ به، فأمّا إنْ غَاْبَ عَنْكَ سَنَةً أَوْ أقلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَلَاْ تُزْكِّه إلاَّ فِيْ السَّنَةِ التي يَخْرُجُ فِيهَا»([2])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة محمَّد بن خالد الطَّيالسي، ووجوده في كامل الزِّيارات لا ينفع؛ لأنَّه ليس مِنَ مشايخه المباشرين.
ثمَّ إنَّ وجه الاستدلال بها: هو أنَّ الفرار لا يكون إلاَّ مَعَ التَّمكُّن منِ استيفاء الدَّين.
ومنها: صحيحة أبي الصّباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فِي الرَّجُلِ يَنْسى، أَوْ يُعَيِّنُ (ينسئ أو يعير)، فَلَا يَزَالُ مَالُهُ دَيْناً، كَيْفَ يَصْنَعُ فِي زَكَاتِهِ؟ قَالَ: يُزَكِّيهِ...»([3]).
ثمَّ إنَّه مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند في بعض هذه الرِّوايات، وضعف الدَّلالة في بعضها الآخر فقدِ استدلَّ بها القائل بالوجوب؛ باعتبار أنَّ الرِّوايات المتقدِّمة الدَّالَّة على أنَّه لا صدقة في الدَّين مطلقة.
وتقيّد هذه الرِّوايات بما إذا لم يكن التَّأخير من جهة صاحب الدَّين، وإلاَّ وجبتِ الزَّكاة.
وفيه أوَّلاً: أنَّ صحيحة أبي الصُّباح الكناني معارِضة للرِّوايَّات الدَّالَّة على أنَّه لا صدقة في الدَّين، ولا يصحُّ تخصيص الصَّحيحة بالدَّين الذي يكون تأخيره من جهة صاحبه؛ لأنَّ موردها النَّسيئة الظَّاهرة في المؤجِّل الذي لا سلطنة للمالك على استيفائه مهما أراد، ولا أقلَّ من كون المؤجَّل من أظهر مواردها الذي يكون صرف الصَّحيحة عنه أبعد من حَمْلها على الاستحباب.
والإنصاف بعد قطع النَّظر عن ضعف السَّند في بعضها وضعف الدَّلالة في بعضها الآخر هو حَمْلها على الاستحباب جمعاً بينها وبين صحيحة علي بن جعفر التي نصت على نفي الزَّكاة في محلِّ الكلام أي صورة الاقتدار على الأَخْذ ما لم يتحقَّق القبض خارجاً فقد روى عليُّ بن جعفر عن أخيه «قَاْل: سَأْلتُه عَنِ الدَّينِ يكونُ على القومِ المياسيرِ إِذَا شَاْء قَبَضَه صاحَبَه، هل عَلَيْه زكاةٌ؟ قَاْل: لَاْ، حتَّى يقبضَه ويَحُوْل عَلَيْه الحولُ»([4])، وهذه الرِّواية، وإن كانت ضعيفةً في قرب الإسناد بعبد الله بن الحَسَن، حيث إنَّه مهمل، إلاَّ أنَّها صحيحة لوجودها في كتاب عليِّ بن جعفر.
والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه المشهور من عدم الوجوب هو الأقوى، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: نعم، تُستحَبُّ زكاته لسنة بعد عوده(1)
(1) كما هو مورد الرِّوايات المتقدِّمة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو شرط المقترض الزَّكاة على المُقرِض فالوجه بطلان الشَّرط، والأقرب: إبطال المُلْك أيضاً(2)
(2) يقع الكلام في أمرين:
الأوَّل: فيما إذا استقرض أحد نصاباً مِنَ الأعيان الزَّكويَّة، وبقي عنده سنَّة، فعلى مَنِ الزَّكاة: هل هي على المقترِض، أم على المُقْرض؟
الثَّاني: لو شرط في عقد القَرْض أن تكون زكاة القرض على المُقْرض، فهل يصحُّ هذا الشَّرط، أم لا؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمشهور بين الأعلام أنَّ الزَّكاة على المقترض، لا على المُقْرض، لانتقاله إلى مُلْك المقترض بالقبض.
وفي الجواهر: «بلا خلاف، كما عنِ الخلاف والسَّرائر، وغيرهما، بل في التَّنقيح: هو مذهب الأصحاب، مُشعِراً بالإجماع عليه...».
أقول: هناك تسالم بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار على ذلك، بحيث خرجت المسألة عنِ الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت مِنَ الواضحات عند الفقهاء.
ومع ذلك، فالنُّصوص الواردة في المقام، بلغت حدَّ الاستفاضة.
منها: حسنة زرارة «قَاْل: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ دَفَعَ إِلى رَجُلٍ مَالاً قَرْضاً، عَلى مَنْ زَكَاتُهُ؟ عَلَى الْمُقْرِضِ، أَوْ عَلَى الْمُقْتَرِضِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ زَكَاتُهَا إِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً عِنْدَهُ حَوْلاً عَلَى الْمُقْتَرِضِ، قَالَ: قُلْتُ: فَلَيْسَ عَلَى الْمُقْرِضِ زَكَاتُهَا؟ قَالَ: لَا يُزَكَّى الْمَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ عَلَى الدَّافِعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ، إِنَّمَا الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ (الآخر)، فَمَنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ زَكَّاهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَفَيُزَكِّي مَالَ غَيْرِهِ مِنْ مَالِهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ مَالُهُ مَا دَامَ فِي يَدِهِ، وَلَيْسَ ذلِكَ الْمَالُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا زُرَارَةُ، أَرَأَيْتَ وَضِيعَةَ ذلِكَ الْمَالِ وَرِبْحَهُ لِمَنْ هُوَ؟ وَعَلى مَنْ؟ قُلْتُ: لِلْمُقْتَرِضِ، قَالَ: فَلَهُ الْفَضْلُ، وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ، وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ، وَيَلْبَسَ مِنْهُ، وَيَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ؟! بَلْ يُزَكِّيهِ؛ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ»([5]).
ومنها: صحيحة يعقوب بن شعيب: «سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الرَّجل يُقرِض المَاْلَ للرَّجُلِ السَّنة والسَّنتين والثَّلاث، أو ما شاء الله، على مَنْ الزَّكاة: على المُقرِض، أو على المُسْتَقْرضِ؟ فقال: على المُسْتقرِض؛ لأنَّ له نَفْعَه، وعَلَيْه زَكَاتُه»([6])، وكذا غيرها مِنَ الرِّوايات.
الأمر الثَّاني: فيما لوِ اشترط المقترض زكاته على المُقرِض، فالمشهور بين الأعلام أنَّها لا تجب على المُقرِض لبطلان الشَّرط، وحُكِي عَنِ الشَّيخ أنَّها تسقط عَنِ المقترض وتجب على المُقرِض.
وفي الجواهر: «أنَّ القول بصحَّة هذا الشَّرط خلاف المشهور بين الأصحاب، وإنِ اختلفوا في كونها حينئذٍ على المستقرض، كما عَنِ التَّذكرة والمنتهى والتَّحرير والتَّلخيص والإيضاح وظاهر البيان، ولعلَّه لفساد الشَّرط خاصَّة، أو على المقرض إن تمكَّن مِنَ التَّصرف، وإلاَّ سقط عنهما، كما عَنِ الدُّروس وحواشي القواعد والموجز وشرحه، لبطلان القرض أيضاً ببطلان الشَّرط».
أقول: تارةً: يكون المقصود بالشَّرط هو أن يؤدِّي المُقرِض الزَّكاة عنه، مع كون المقترض مشغول الذِّمَّة بها، فإن وفى له بالشَّرط، وإلاَّ فهو مشغول الذِّمَّة، ويجب عليه دفع الزَّكاة لإفراغ ذمَّته مِنَ الحقِّ الواجب عليه.
وأخرى: يكون المقصود بالشَّرط هو أن يكون الخطاب بالزَّكاة متوجِّهاً إلى المُقرِض، أي بحيث تكون ذمَّة المستقرض غير مشغولة بها.
([1]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح5.
([2]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح13.
([3]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح11.
([4]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح15.
([5]) الوسائل باب 7 من أبواب من تجب عليه لزكاة ح1.
([6]) الوسائل باب 7 من أبواب من تجب عليه لزكاة ح5.