الدرس 1220 _كتاب الصوم 20
الأمر الثَّالث: لا فرق في الكذب بين أن يكون بالقول أو الكتابة أو الإشارة أو الكناية أو غيرها ممَّا يصدق عليه الكذب، كلُّ ذلك للإطلاق، وعدم التَّقييد بالقول، فلو قصد الحكاية عن ثبوت شيءٍ لشيءٍ ناسباً ذلك إلى الله تعالى، وقد أبرزه في الخارج بالكتابة أو الإشارة أو بالقول الصَّريح أو بالكناية، فإنَّه يصدق على الجميع الكذب على الله تعالى.
الأمر الرَّابع: لا فرق في مُفطِّريّة الكذب على الله تعالى ورسوله (ص) والأئمَّة (عليهم السلام) بين أن يكون هو الكاذب عليهم مباشرةً، وبين أن يكون غيره، وهو أخبر به مُسنداً إليه، كما لو قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) كذا، كما ذكره المُؤلِّف الفُلانيّ.
نعم، لو كان على وجه الحِكاية عن فلان، فلا يكون كذباً على الإمام (عليه السلام)، بل هو نَقْلٌ للكذب، كما لو قال: المُؤلِّف الفُلانيّ يقول: إنَّ الإمام قال كذا، وكذا.
الأمر الخامس: لو قصد الصِّدق في الإخبار فبان كذباً، لم يقدح ذلك في صحَّة صومه، ولو قصد الكذب فبان صدقاً بناءً على عدم الفساد بنيّة القاطع لم يقدح أيضاً في صحَّة الصَّوم.
نعم، بناءً على ما هو الصَّحيح عندنا من أنَّ نيَّة القاطع مُوجبةٌ لفساد الصَّوم، فيكون ذلك قادحاً في الصِّحَّة، والله العالم بحقائق أحكامه.
* * *
وأمَّا تعمُّد القيء.
قال في المدارك: «اِختلف الأصحاب في حُكم تعمُّد القيء للصَّائم بعد اتِّفاقهم على أنَّه لو ذرعه أي سبقه بغير اختياره لم يفطر، فذهب الشَّيخ وأكثر الأصحاب إلى أنَّه مُوجبٌ للقضاء خاصَّةً. وقال ابن إدريس (رحمه الله): إنَّه محرَّمٌ، ولا يجب به قضاءٌ، ولا كفَّارةٌ. وحكى السّيِّد المرتضى عن بعض عُلمائنا قولاً بأنَّه مُوجبٌ للقضاء والكفَّارة، وعن بعضهم أنه ينقض الصَّوم، ولا يبطله، قال: وهو الأشبه. والمعتمد الأوَّل»[1].
وبالجملة، فالمعروف بين الأعلام أنَّ تعمُّد القيء مُوجبٌ للقضاء خاصَّةً.
وفي الجواهر: «على المشهور بين الأصحاب شهرةً عظيمةً، بل إجماع من المتأخِّرين، بل في الخِلاف وظاهر الغُنية والمحكيّ عن المنتهى الإجماع عليه...»[2].
أقول: قدِ استُدلّ على أنَّ تعمُّد القيء موجبٌ للقضاء بجملة من الرِّوايات المستفيضة:
منها: صحيحة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: إذا تقيَّأ الصَّائمُ فَقَدْ أَفْطَرَ، وإنْ ذَرَعه من غيرِ أنْ يتقيّأَ فَلْيتمَّ صومَه»[3].
ومنها: صحيحته الثَّانية عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: إِذا تقيَّأَ الصَّائم فَعَلَيْهِ قضاءُ ذلك اليومِ، وإنْ ذَرَعه من غيرِ أنْ يتقيَّأَ فَلْيتمَّ صومَه»[4].
ومنها: موثَّقة سَماعة «قَاْل: سألتُه عن القيءِ فِي رمضانَ؟ فقال: إنْ كان شيءٌ يَبدرُه فلا بأس، وإن كان شيءٌ يُكره نفسَه عليه أفطر، وعليه القضاءُ...»[5].
قال صاحب الوسائل (رحمه الله): «ورواه الصَّدوق بإسناده عن سَماعة بن مهران أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام)، وذكر مثله».
وهي أيضاً موثَّقة ومُعتبرةٌ بطريق الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه.
ومنها: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «أنَّه قَاْل: مَنْ تقيَّأ مُتعمِّداً، وهو صائمٌ، فقد أفطر، وعليه الإعادة، فإنْ شاءَ الله عذَّبه، وإن شاءَ غفر له، وقَاْل: مَنْ تقيَّأ، وهو صائمٌ، فعليه القضاء»[6].
وهي ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.
ومنها: مرسلة عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: مَنْ تقيَّأ مُتعمِّداً، وهو صائمٌ، قضى يوماً مكانَه»[7].
وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «قَاْل: سألتُه عن الرَّجل يستاك، وهو صائمٌ، فيقيء ما عليه؟ قَاْل: إنْ كان تقيَّأ مُتعمِّداً فعليه قضاؤُه، وإنْ لم يكن تعمَّد ذلك فليس عليه شيءٌ»[8].
[1] المدارك: ج6، ص98.
[2] الجواهر: ج16، ص287.
[3] الوسائل باب 29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.
[4] الوسائل باب 29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح3.
[5] الوسائل باب 29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5.
[6] الوسائل باب 29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح6.
[7] الوسائل باب 29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح7.
[8] الوسائل باب 29 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح10.