الدرس 22 _ما يشترط في وجوب الزكاة 11
فإن كان على النَّحو الأوَّل: فلا إشكال في صحَّة هذا الشَّرط لعدم كونه مخالفاً للكتاب والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة؛ إذ لم يحرِّم حلالاً، ولم يحلِّل حراماً.
ويشهد لصحَّة هذا الشَّرط بعض الرِّوايات الدَّالَّة على صحَّة اشتراط البائع زكاة الثَّمن أي ثمن المبيع على المشتري:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان «قال: سمعتُ أبا عَبْدِ الله (عليه السلام) يقول: بَاْعَ أبي مِنْ هِشَام بن عبد المَلِكِ أَرْضاً لَهُ بِكَذَا وكَذَا أَلْف دينارٍ، واشْتَرَطَ عَلَيْه زَكَاةَ ذلك المال عَشْرَ سِنينَ، وإنَّمَا فَعَلَ ذَلِك لِأنَّ هِشَاماً كَاْنَ هُوَ الوَالِي»([1]).
ومنها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: باع أبي أَرْضاً مِنْ سُلَيْمَانَ بِنْ عبدِ الملكِ بمالٍ، فاشْترطَ في بيعه أنْ يزكِّيَ هذا المالَ منْ عنده لِسِتِّ سِنِينَ»([2]).
وهاتان الرِّوايتان، وإن كان موردهما البَيْع، إلاَّ أنَّه لا فرق بين البَيْع والقرض من هذه الجهة.
ثمَّ إنَّه قد يحتمل أن تكون الرِّوايتان خارجتين عن محلِّ البحث؛ لاحتمال كون المراد منهما زكاة السِّنين السَّابقة على البَيْع؛ لكون المال المجعول ثمناً ممَّا فيه الزَّكاة.
ومحلُّ الكلام هو الزَّكاة المتعلِّقة بالعين بعد البَيْع، وبعد القرض، وبعد مرور سنة عليه.
ثمَّ إنَّه قد يستشكل في صحَّة هذا الشَّرط بأنَّه مستلزم للرِّبا؛ لأنَّ شرط الزِّيادة في القرض يكون ربويّاً.
وفيه: أنَّ هذا الإشكال إنَّما يتمُّ لو كان شرط الزِّيادة للمُقرِض، وجاء هذا الشَّرط من قِبَله، وأمَّا لو كان الشَّرط مِنَ المقترض والنَّفع له، لا للمقرِض، فلا بأس حينئذٍ.
وبالجملة، فإنَّ المحرَّم هو الشَّرط الذي يجرُّ نَفْعاً للمقرِض لا للمقترض، كما لا يخفى. هذا كلُّه فيما لو كان المقصود بالشَّرط هو أن يؤدِّي المقرِض الزَّكاة عنه، مع كون المقترض مشغول الذِّمَّة بالزَّكاة.
وأمَّا لو كان المقصود بالشَّرط هو أن يكون الخطاب بالزَّكاة متوجِّها إلى المُقْرض، فلا إشكال في بطلان الشَّرط.
والوجه في بطلان الشَّرط: هو كونه مخالفاً للكتاب والسُّنَّة، أي إطلاق ما دلَّ على أنَّ الزَّكاة على المالك في ماله.
ومِنَ المعلوم أنَّ الشَّرط المخالِف للكتاب والسُّنة باطل، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: المسْلِمونَ عِنْدَ شُرُوطِهم، إلاَّ كُلَّ شَرْطٍ خالفَ كِتابَ الله (عز وجل) فَلَاْ يجُوزُ»([3])، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة الدَّالَّة على بطلان الشَّرط المخالِف للكتاب.
هذا، وقد ذكر السَّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله) أنَّ الوجه في بطلان الشَّرط ليس لأجل كونه مخالفاً للكتاب والسُّنَّة، بل لأنَّه شرط لأمر غير مقدور.
وقد ذكر ما حاصله: أنَّ مورد الشَّرط المخالِف هو ما أمكن فعله أو تركه، بحيث كان تحت الاختيار، كما لو اشترط عليه أنْ لا يصلِّي صلاة الفجر، أوِ اشترط عليه أنْ يشرب الخمر، ونحو ذلك.
ثمَّ قال: «وهذا كما ترى غير منطبق على المقام؛ لوضوح أنَّ تعلَّق الوجوب، وتوجيه الخطاب بالزَّكاة، فعل من أفعال الشَّارع، وخارج عن تحت قدرة المشروط عليه واختياره بالكليَّة، فلا يمكن صدوره من هذا الشَّخص بتاتاً، كي يكون موافقاً للكتاب والسُّنَّة مرَّة، ومخالفاً أخرى إلى أن قال: فهو مثل ما لو شرط في ضمن العقد أن يرث من أبيه أو أن يرثه الأجنبي، ونحو ذلك، ممَّا يوجب قلب الحكم في مقام التَّشريع، فإنَّ الإرث أو عدمه كوجوب الزَّكاة على المقترض فيما نحن فيه حكم شرعي خارج عن تحت الاختيار، فلأجله لا يشمله دليل نفوذ الشَّرط».
أقول: المراد مِنَ الشَّرط المخالف هو الأعمُّ ممَّا كان تحت الاختيار وعدمه، ولا يختصُّ بالأوَّل؛ بدليل أنَّ الإمام (عليه السلام) ذَكَره في موارد الإرث، مع أنَّ الإرث هو حكم شرعي خارج عنِ اختيار المكلَّف، ففي صحيحة عبد الله بن سنان «قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عَنِ الشَّرطِ في الإمَاءِ لَاْ تُبَاعُ ولا تُوهَبُ، قَاْل: يجوزُ ذلكَ غَيْر المِيرَاثِ، فإنَّها تورَّثُ؛ لأنَّ كلَّ شَرْطٍ خَاْلفَ الكِتَابَ باطلٌ»([4]).
وأيضاً قد ذكر الأعلام ومنهم السَّيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) في باب نكاح المتعة، أنَّه لا طلاق ولا لِعان في المتعة، ولا توارث بينهما، إلاَّ إذا اشترط ذلك لهما، أو لأحدهما، ومَعَ الاشتراط ينفذ الشَّرط.
أقول: إنَّ الإرث، وإن كان حكما شرعيّاً لا يصحُّ اشتراطه، إلاَّ أنَّه ورد ذلك في نكاح المتعة، كما في صحيحة محمَّد بن مسلم حيث ورد في ذيلها «وإن اشْتَرطَا الميراثَ فَهُمَا على شَرْطِهَمَا»([5]).
ولو كان المراد مِنَ الشرط هو ما كان تحت الاختيار فقط لَمَا صحَّ هذا الشَّرط في نكاح المتعة، وقدِ التزم (قد) بصحَّته، وما ذلك إلاَّ لأنَّ المراد مِنَ الشَّرط هو الأعمُّ ممَّا كان تحت الاختيار، والله العالم.
ثمَّ إنَّه على جميع الأحوال لو بطل الشَّرط لا يبطل المشروط، فيكون القرض صحيحاً، وإن كان الشَّرط باطلاً، وتجب الزَّكاة حينئذٍ على المقترض.
فقول المصنِّف (رحمه الله): «فالوجه بطلان الشَّرط، والأقرب: إبطال المُلك أيضاً»، في غير محله، فإنَّ المُلك غير باطل.
([1]) الوسائل باب 18 من أبواب زكاة الذَّهب والفضَّة ح1.
([2]) الوسائل باب 18 من أبواب زكاة الذَّهب والفضَّة ح2.
([3]) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار ح2.
([4]) الوسائل باب 6 من أبواب الخيار ح3.
([5]) الوسائل باب 32 من أبواب المتعة ح5.