الدرس 23 _ما يشترط في وجوب الزكاة 12
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو تبرّع المقرِض بالإخراج عَنِ المديون، فالوجه: اشتراط إذنه في الإجزاء(1)
(1) قال في المدارك: «ولو تبرَّع المقرض بالإخراج عنِ المقترض فالوجه الإجزاء، سواء أَذِن له المقترض في ذلك أم لا، وبه قطع في المنتهى، قال: لأنَّه بمنزلة أداء الدَّين، ويدلُّ عليه صريحاً ما رواه الشَّيخ في الصَّحيح، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رَجُلٍ اسْتَقْرضَ مَاْلاً فحَاْلَ عَلَيْه الحَوْلُ وهو عنده (قال) فقال: إنْ كَاْنَ الَّذي أَقْرَضَه يؤدِّي زكاتَه فَلَاْ زكاةَ عَلَيْه، وإنْ كَاْنَ لَاْ يؤدِّي أدَّى المُسْتَقْرِضُ»([1]) واعتبر الشهيد في الدروس والبيان في الإجزاء إذن المقترض، والرواية مطلقة». انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).
أقول: إنَّ مقتضى إطلاق أدلَّة التَّكاليف أداءً وقضاءً اعتبار المباشرة، وعدم السُّقوط بفعل الغير، تطوُّعاً أم استنابةً، فيحتاج السُّقوط إلى الدَّليل الخاصِّ المُخرِج عنِ الإطلاق.
نعم، ثبت في الحجِّ مع العجز، وكذا في الطَّواف مَعَ العجز.
وثبت أيضاً جواز التَّوكيل في الزَّكاة، بل ثبتتِ النِّيابة فيها، كما أنَّه ثبت هنا التَّبرُّع بها مِنَ المقرض؛ لصحيحة منصور بن حازم المذكورة في كلام صاحب المدارك، وهي صحيحة بطريق الشَّيخ (رحمه الله)، وإن كانت ضعيفة بطريق الكليني (رحمه الله) بجهالة محمَّد بن إسماعي البندقي النيشابوري.
ومقتضى إطلاق الصَّحيحة عدم الحاجة إلى استئذان المقترض في الأداء.
فما ذكره المصنِّف (رحمه الله) من أنَّ الوجه هو اشتراط إذنه في الإجزاء، ليس تامّاً.
ولعلَّ الوجه فيما ذكر المصنِّف (رحمه الله): هو أنَّ الزَّكاة عبادة تجب على المقترض، فلا بدَّ من فِعْله لها مباشرةً أو تسبيباً، والإذن نوع مِنَ التَّسببيب.
وفيه أوَّلاً: أنَّ الإذن لا يجعل الفعل منسوباً إلى المقترض.
وثانياً: ما عرفت من أنَّ الصَّحيحة مطلقة، وقد دلَّت على جواز التَّطوُّع، وسقوط الواجب بفِعْل الغير.
وأمَّا تعليل العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى وكذا غيره ممَّنْ تأخَّر عنه لجواز التَّبرُّع، بأنَّه بمنزلة أداء الدَّين، فليس تامّاً؛ لأنَّ الدَّين حقٌّ مخصوص لشخص معيَّن يسقط بإبراء المالك، أو استيفائه ذلك الحقّ من
أيِّ شخص كان، سواء أرضيَ المدين بذلك أم لا، فإنَّ رضا الدَّائن بكون ما وصل إليه عوضاً عمَّا يستحقُّه مِنَ المدين كافٍ في سقوط حقِّه، وفراغ ذمَّة المدين، من غير توقُّفه على رضاه، وكذلك الإبراء كافٍ في سقوط حقِّه، وفراغ ذمَّة المدين، من غير توقف على رضاه.
وهذا بخلاف الزَّكاة، فإنَّها ليست مُلْكاً لأحد بالخصوص، بل المستحقِّون مصرف لها، والمالك لها هو كلِّي الفقير، أي العنوان، لا شخص معين.
ومن هنا لا يحقُّ لأحد مِنَ الفقراء إبراء مَنْ عليه الزَّكاة، وإسقاط الحقِّ عنه؛ لعدم كونه مالكاً لها.
ويتفرَّع على ذلك أنَّه لا أثر لرضا الفقير في سقوط الزَّكاة عمَّنْ وجبت عليه إذا تبرَّع بالأداء شخص آخر غير مَنْ وجبت عليه، لاسيَّما أنَّ الزَّكاة متعلِّقة بالعين لا بالذِّمَّة، وتعيين الزَّكاة يكون بيد مالك العين، أو مَنْ يقوم مقامه، فكيف يصحُّ دَفْع الزَّكاة من عين أخرى، أو من مال آخر.
نعم، يجوز للمالك أن يدفع زكاته من مال آخر؛ للنَّصِّ، وأمَّا غيره فلا، إلاَّ إذا دلَّ الدَّليل عليه، كما فيما نحن فيه، حيث دلَّت صحيحة منصور بن حازم عليه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإمكان الأداء شرط في الضَّمان، لا الوجوب، كالإسلام(1)
(1) ذكرنا سابقاً أنَّ إمكان التَّصرُّف شرط في الوجوب، كالمُلْك، وأمَّا إمكان الأداء فهو ليس شرطاً في الوجوب بالاتِّفاق، بل هو شرط في الضَّمان، كالإسلام، فإنَّه ليس شرطاً في الوجوب.
ومن هنا، قلنا: تجب الزَّكاة على الكافر.
نعم، هو شرط في الضَّمان، فلو تمكَّن مِنَ الأداء، ولم يؤدَّ إهمالاً منه حتَّى تلف النِّصاب فإنَّه يضمن.
([1]) الوسائل باب 7 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح2