الدرس 20 _ما يشترط في وجوب الزكاة 9
ولا يمنع حَجْر المفلس من وجوب الزَّكاة أيضاً، وذلك لقدرته على الأَخْذ، ونحو ذلك، والحَجْر على المفلِّس لا يكون إلاَّ بحكم الحاكم بعد مراجعة الغرماء كلِّهم أو بعضهم للحاكم الشَّرعي، وطلب الحجر عليه منه، فليس للحاكم أنْ يتبرع بالحجر عليه، كما ليس له ذلك إذا طلب المفلِّس الحجر على نفسه.
هذا، وقد ذهب الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط إلى أن حجر المُفْلِس يمنع مِنَ الزَّكاة؛ لأنَّه غير متمكِّن مِنَ التَّصرُّف فيه.
وفيه: ما عرفته من أنَّ المراد من التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف هو قدرته على أَخْذه وإتلافه، ونحو ذلك، والفرض أنَّه حاصل، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي وجوبها في الدَّين، مَعَ استناد التَّأخير إلى المدين، قولان: أقربهما السُّقوط(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا تجب الزَّكاة في الدَّين الذي لم يكن تأخيره من قِبَل صاحبه، أي الدَّائن، بل كان تأخيره من قبل المدين، أي المديون، إمَّا لأنَّه مؤجَّل، أو لكون المدين معسراً، لا يستطيع الأداء، أو نحو ذلك.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده، بلِ الإجماع بقسمَيْه عليه»، وفي الحدائق : «والظَّاهر أنَّه لا خلاف في عدم الوجوب في الدَّين الذي لا يقدر صاحبه على أَخْذه...».
أقول: هناك تسالم بين الأعلام على ذلك، بحيث خرجت المسألة عَنِ الإجماع المصطلح عليه.
فقول المصنِّف : «وفي وجوبها في الدَّين مَعَ استناد التَّأخير إلى المدين قولان...»، في غير محلِّه، بلِ الخلاف إنَّما هو فيما لو كان التَّأخير من قبل الدَّائن، لا المدين، كما سنذكره إن شاء الله تعالى .
ولعلَّ هناك تصحيف في عبارة المصنِّف عند النسخ، والله العالم.
ومهما يكن، فيدلُّ على عدم الوجوب لو كان التَّأخير مستنداً إلى المدين مضافاً إلى التَّسالم بين الأعلام جملة مِنَ الرِّوايات:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: لَاْ صَدَقةَ عَلَى الدَّيْن، ولَاْ عَلَى المَاْل الغَائِبِ عَنْك حتَّى يقعَ في يَدَيْك»([1]).
ومنها: موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قَاْل: قُلْتُ لأبي إبراهِيْمَ (عليه السلام): الدَّينُ عَلَيْه زَكَاةٌ؟ فَقَاْل: لَاْ، حتَّى يَقْبضَه، قلتُ: فَإِذَا قَبضَه أَيُزكِّيه؟ قَاْل: لَاْ، حتَّى يحول عليه الحَوْل في يَدِه»([2]).
ومنها: موثَّقة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: قُلْتُ له: لَيْسَ في الدَّينِ زَكَاةٌ؟ فَقَاْلَ: لَاْ»([3]).
ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ نِصْفُ مَالِهِ عَيْناً وَنِصْفُهُ دَيْناً، فَتَحِلُّ عَلَيْهِ الزَّكاة؟ قَالَ: يُزَكِّي الْعَيْنَ، وَيَدَعُ الدَّيْنَ، قُلْتُ: فَإِنَّهُ اقْتَضَاهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: يُزَكِّيهِ حِينَ اقْتَضَاهُ...»([4]).
ومنها: صحيحة إبراهيم بن أبي محمود «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْوَدِيعَةُ وَالدَّيْنُ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ يَأْخُذُهُمَا، مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكاة؟ قَالَ: إِذَا أَخَذَهُمَا، ثُمَّ يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ يُزَكِّي»([5]).
ومنها: موثَّقة سماعة «قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى النَّاسِ تجب (يَحْتَبِسُ) فِيهِ الزَّكاة؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ حَتّى يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَعَلَيْهِ الزَّكاة، وَإِنْ هُوَ طَالَ حَبْسُهُ عَلَى النَّاسِ حَتّى يمر (يَتِمَّ) لِذلِكَ سِنُونَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتّى يَخْرُجَ (يخرجها)، فَإِذَا هُوَ خَرَجَ، زَكَّاهُ لِعَامِهِ ذلِكَ...»([6])، ومضمرات سماعة مقبولة، وكذا غيرها من الرِّوايات الدَّالَّة على ذلك.
هذا، وقدِ استفاد الأعلام من رواية عبد الحميد بن سعد الاستحباب في المؤجَّل على المليِّ الثِّقة بعد القبض لكلِّ ما مرَّ به مِنَ السِّنين «قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ بَاعَ بَيْعاً إِلى ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ رَجُلٍ مَلِيٍّ بِحَقِّهِ وَمَالِهِ فِي ثِقَةٍ: يُزَكِّي ذلِكَ الْمَالَ فِي كُلِّ سَنَةٍ تَمُرُّ بِهِ، أَوْ يُزَكِّيهِ إِذَا أَخَذَهُ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ يُزَكِّيهِ إِذَا أَخَذَهُ، قُلْتُ لَهُ: لِكَمْ يُزَكِّيهِ؟ قَالَ: لِثَلَاثِ سِنِينَ»([7]).
وقد ذكر الأعلام أنَّها محمولة على الاستحباب، بقرينة الرِّوايات السَّابقة النَّافية للوجوب.
مضافاً إلى أنَّه لا يوجد عامل بمضمونها مِنَ المتقدِّمِين والمتأخِّرين؛ إذ لم يقل أحد بوجوب الزَّكاة ثلاث سنين بعد القبض.
أضف إلى كل ذلك: أنَّها ضعيفة بجهالة عبد الحميد بن سعد، وهو غير عبد الحميد بن سالم العطَّار الثقة، فالاستحباب مبنيٌّ على التَّسامح في أدلَّة السُّنَن؛ هذا كلُّه إذا لم يكن تأخير الدَّين من قِبَل صاحبه.
وأمَّا إذا كان تأخيره من جهة صاحبه بأن أمكنه استيفاء الدين بسهولة، ولم يفعل فقد ذهب جماعة مِنَ الأعلام إلى وجوب الزَّكاة على صاحب الدَّين، منهم السَّيد المرتضى والشَّيخ المفيد في المقنعة، والشَّيخ الطوسيّ في الخلاف والمبسوط، واختاره صاحب الحدائق (رحمهم الله).
وعن جماعة من الأعلام عدم الوجوب، وفي الجواهر: «القائل بذلك هو المشهور شهرة عظيمة، بل عليه إجماع المتأخِّرين».
وقدِ استدلَّ للقول بالوجوب بجملة مِنَ الرِّوايات:
منها: موثَّقة زرارة المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أَنَّهُ قَالَ: فِي رَجُلٍ مَالُهُ عَنْهُ غَائِبٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، قَالَ: فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ، فَإِذَا خَرَجَ زَكَّاهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ (فإن) كَانَ يَدَعُهُ مُتَعَمِّداً، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ، فَعَلَيْهِ الزَّكاة لِكُلِّ مَا مَرَّ بِهِ مِنَ السِّنِينَ»([8]).
وجه الاستدلال بها: أنَّ المال الغائب يصدق على الدَّين، اللَّهمَّ إلاَّ أن يقال: إنَّه منصرف عَنِ الدَّين.
ومنها: رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّيْنِ هُوَ الَّذِي يُؤَخِّرُهُ، فَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلى أَخْذِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتّى يَقْبِضَهُ»([9])، وهي ضعيفة بعدم وثاقة إسماعيل بن مرَّار.
([1]) الوسائل باب 5 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح6.
([2]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح3.
([3]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح4.
([4]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح9.
([5]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح1.
([6]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح6.
([7]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح8.
([8]) الوسائل باب 5 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح7.
([9]) الوسائل باب 6 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح7.