الدرس290 _القِبلة 18
بقي شيء في المقام، وهو أنَّ الطائفتَيْن المتقدمتَيْن اتفقتا على نفي القضاء، ومع ذلك فقد حُكي عن بعض وجوبه.
ويشهد له خبر معمر (عمرو) بن يحيى «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن رجلٍ صلَّى على غير القِبلة، ثمَّ تبيّنت القِبلة وقد دخل وقت صلاة أُخرى، قال: يعيدها قبل أنَّ يصلِّي هذه التي قد دخل وقتها...»[i]f154.
وفيه أوَّلاً: أنَّه ضعيف، لأنَّ إسناد الشَّيخ R إلى الطاطري فيه أحمد بن عمرو بن كيسبة، وهو غير مذكور في الرِّجال.
وأمَّا عليّ بن محمَّد بن الزُّبير القرشي الموجود في الطريق فلا بأس به، لأنَّه من المعاريف، فالرِّواية ضعيفة بابن كيسبة فقط.
وثانياً: أنَّه يحتمل إرادة وقت الفضيلة من وقت الأخرى، كما يشير عدم تصريح السَّائل بخروج وقت الأولى، فالرِّواية أجنبية عن القضاء.
وثالثاً مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند، وعن الاحتمال الذي ذكرناه وقلنا: بأنَّها ظاهرة في إرادة وقت الأخرى، أي: بعد خروج وقت الأُولى فلا مناص حينئذٍ من حَمْلها على الاستحباب، جمعاً بينها وبين ما تقدَّم، والله العالم بحقائق أحكامه.
الصَّورة الثانية: المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان التبيُّن في الأثناء مضى ما تقدَّم واستقام في الباقي، وقد ادَّعى جماعة من الأعلام الإجماع في المقام.
وفيه: ما تقدَّم.
نعم، تدلُّ عليه بعض الرِّوايات:
منها: موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله N «قَالَ فِي رَجُلٍ صَلّى عَلى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَيَعْلَمُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: إِنْ كَانَ مُتَوَجِّهاً فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَلْيُحَوِّلْ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ سَاعَةَ يَعْلَمُ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَجِّهاً إِلى دُبُرِ الْقِبْلَةِ فَلْيَقْطَعِ الصَّلَاةَ ، ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ»[ii]f155، ومنها رواية القاسم بن الوليد «قال: سألته عن رجل تبيّن له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة، قال: يستقبلها إذا ثبت ذلك، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها»[iii]f156. بناءً على أنَّ المراد يستقبل القبلة لا الصلاة، وإلاّ كانت على خلاف المدَّعى أدلّ.
وأيضا بناءً على أنَّ المراد من قوله «أنَّه على غير القِبلة»، أي: فيما بين المشرق والمغرب، ولكنّ الرِّواية ضعيفة من جهتين:
الأُولى: أنَّ القاسم بن الوليد مهمل.
الثانية: أنَّها مضمرة.
وقد يستدلّ أيضاً بذَيْل صحيحة معاوية بن عمَّار المتقدّمة، بناءً على ظهورها في عدم خصوصيّة الفراغ، لأنَّ ما لا يفسد الكلّ لا يفسد البعض.
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان منحرفاً إلى اليمين أو اليسار أو مستدبراً فإن كان في الأثناء استأنف، وإن كان بعد الفراغ وفي الوقت أعاد، وإن علم خارج الوقت فلا إعادة عليه.
وعن جماعة من الأعلام أنَّه إذا ظهر له الاستدبار أعاد إن كان في الوقت، وقضى إن كان خارجه، ونسبه الشَّهيد الثاني R في الرَّوضة إلى المشهور، كما أنَّ المحقِّق الثاني R نسبه في جامع المقاصد إلى كثيرٍ من الأصحاب.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ القول الأوَّل أقوى، وذلك للأخبار الكثيرة:
منها: صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله N «قال: إذا صلَّيت وأنت على غير القبلة، واستبان لك أنَّك صلَّيت وأنت على غير القِبلة وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تُعِد»[iv]f157.
ومنها: صحيحة يعقوب بن يقطين «قال: سألتُ عبداً صالحاً عن رجلٍ صلَّى في يوم سحاب على غير القِبلة، ثمَّ طلعت الشَّمس وهو في وقت أيُعيد الصَّلاة إذا كان قد صلَّى على غير القِبلة؟ وإن كان قد تحرَّى القِبلة بجهده أتجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه»[v]f158، وقد تقدمت هاتان الصحيحتان.
ومنها: صحيحة سُليمان بن خالد «قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله N: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي قَفْرٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ، فَيُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ تصحى، فَيَعْلَمُ أَنَّهُ صَلّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ، فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ، وإن كان مَضَى الْوَقْتُ فَحَسْبُهُ اجْتِهَادُه»[vi]f159.
ومنها: صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله «أنَّه سئل الصَّادق N عن رجل أعمى صلَّى على غير القِبلة، فقال: إن كان في وقتٍ فَلْيُعِد، وإن كان قد مضى الوقت فلا يُعِد، قال: وسألتُه عن رجلِ صلَّى وهي مغيمة، ثمَّ تجلّت فعلم أنَّه صلَّى على غير القِبلة، فقال: إن كان في وقت فَلْيُعِد وإن كان الوقت قد مضى فلا يعيد»[vii]f160.
ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله N «قال: الأعمى إذا صلَّى لغير القِبلة فإن كان في وقت فَلْيُعِد، وإن كان قد مضى الوقت فلا يعيد»[viii]f161، ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ في طريق الشَّيخ الصَّدوق R إلى أبي بصير علي بن أبي حمزة البطائني، وهو ضعيف.
[i] الوسائل باب 9 من أبواب القِبلة ح5.
[ii] الوسائل باب 10 من أبواب القِبلة ح4.
[iii] الوسائل باب 10 من أبواب القِبلة ح3.
[iv] الوسائل باب 11 من أبواب القِبلة ح1.
[v] الوسائل باب 11 من أبواب القِبلة ح2.
[vi] الوسائل باب 11 من أبواب القِبلة ح6.
[vii] الوسائل باب 11 من أبواب القِبلة ح8.
[viii] الوسائل باب 11 من أبواب القِبلة ح9.