الدرس 196 _زكاة الفِطرة 29
كما ينبغي تقديم أهل العلم والفضل؛ وذلك لحسنة عبد الله بن عجلان السَّكونيّ «قَاْل: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): إنِّي ربَّما قسَّمت الشَّيء بين أصحابي أصِلهم به، فكيف أُعطِيهم؟ قَاْل: أعطِهم على الهِجْرة في الدِّين والفِقه والعقل»([1])، وهي حسنة، فإنَّ عبد الله بن عجلان السَّكونيّ، وإن لم يُوثَّق بالخصوص، إلاَّ أنَّه ممدوح، قد مدحه النَّجاشيّ، كما أنَّ الرَّاوي عنه هو عيينة أو عتيبة أو عتبة، وهو ثقة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وأن لا يُعطى المستحقّ أقلّ من صاع مع الإمكان(1)
(1) قال في الحدائق: «المشهور بين الأصحاب أنَّه لا يجوز أن يُعطى الفقير أقلّ من صاع، صرَّح به الشَّيخ المفيد، وابنا بابويه، والشَّيخ، والسّيِّد المرتضى، وابن إدريس، وابن حمزة، وسلاَّر، وابن زهرة، والعلاَّمة وغيرهم، بل قال المرتضى في الانتصار: ممّا انفردت به الإماميَّة القول: بأنَّه لا يجوز أن يُعطى الفقير الواحد أقلّ من صاع، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك...».
وفي الجواهر: «المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً: أنَّه لا يُعطى الفقير منها أقلّ من صاع، بل في المختلف: نسبته إلى فقهائنا، وأنَّه لم يقف على مخالف منهم...».
وبالمقابل، ذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّه يُستحبّ أن لا يُعطى الفقير أقلّ من صاع: منهم المحقِّق في المعتبر، والشَّهيدان، وصاحب الجواهر، وظاهر السّيِّد محسن الحكيم، والسّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمهم الله) ، وغيرهم من الأعلام.
وهو الأقوى عندنا، كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى .
أقول: أمَّا مَنْ ذهب إلى المنع، وأنَّه لا يجوز أن يُعطى الفقير الواحد أقلّ من صاع، فقد يُستدلّ له بمرسلتَيْن:
الأُولى: مرسلة الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَاْل: لا تعط أحداً أقلّ من رأس»([2])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، وعمل المشهور لا يجبر ضعف السَّند.
الثَّانية: مرسلة الفقيه «وفي خبر آخر قَاْل: لا بأس أن تدفع عن نفسك وعن مَنْ تعول إلى واحد، ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً إلى نفسَيْن»([3]).
وفيها أوَّلاً: أنَّ صاحب الوافي (رحمه الله) فهم أنَّ قوله: «ولا يجوز» من كلام الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، لا من كلام الإمام (عليه السلام)، وتبعه صاحب الحدائق (رحمه الله) بل استظهره.
وثانياً: لو سلَّمنا بأنّه جزء من الرِّواية، إلاَّ أنَّها ضعيفة بالإرسال.
ثمَّ إنَّه قد ذكر جماعة من الأعلام أنَّ هاتَيْن المرسلتَيْن معارضتان برواية إسحاق بن المبارك في حديث « قَاْل: سألتُ أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفِطْرة يعطيها رجلاً واحداً أو اثنين؟ فقال: تُفرِّقها أحبُّ إليَّ، قلتُ: أُعطي الرَّجل الواحد ثلاثة أصيع وأربعة أصيع؟ قال: نعم»([4])، حيث أطلق استحباب التَّفرقة من غير تفصيل.
وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة إسحاق بن المبارك.
وأمَّا ما ذكره بعض الأعلام: منهم السّيِّد محسن الحكيم (رحمه الله)، من: «أنَّ جهالة إسحاق لا تقدح في حُجيّة الخبر، بعد كون الرَّاوي عنه صفوان، الَّذي هو من أصحاب الإجماع، وممَّنْ لا يروي إلاَّ عن ثقة»، فقد عرفت في محلِّه أنَّ هذا الكلام في غير محلِّه، فراجع ما ذكرناه في علم الرِّجال.
وثانياً: أنَّه لا يظهر من الرِّواية أنَّ السُّؤال فيها عن الفِطْرة الواحدة، بلِ الظَّاهر أنَّ السُّؤال عن جنس الفِطْرة، فتكون خارجةً عن محلِّ الكلام.
والإنصاف: هو ما ذهب إليه المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر، والشَّهيدان، وصاحب الجواهر (رحمهم الله) وغيرهم من الأعلام من استحباب عدم إعطاء الفقير أقلّ من صاع؛ وذلك لإطلاق قوله تعالى: « إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء ...﴾ ]التوبة: 60[ الآية ، فإنَّها تشمل نصف الصَّاع، كما أنَّها تشمل الصَّاع فما فوق.
وخصوصاً بعد ملاحظة ما ورد في حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ المتضمّنة لكيفيّة قسمة رسول الله (ص) صدقات أهل الحضر والبادية، وأنَّه ليس في ذلك شيء مؤقَّت، ولا مسمَّى([5]).
ثمَّ إنَّه لو وصلت النَّوبة إلى الأصل العمليّ، فإنَّ أصلَ البراءة عن حرمة إعطاء أقلّ من صاع للفقير الواحد محكّمٌ، والله العالم.
هذا تمام الكلام في كتاب الزَّكاة. ويليه كتاب الصَّدَقة.
وقد وقع الفراغ منه عصر يوم الأحد اليوم الخامس من ذي القعدة سنة 1443 للهجرة، الموافق للخامس من حزيران سنة 2022 للميلاد، وذلك في الضَّاحية الجنوبيّة لبيروت، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقني لشرح بقيّة الأبواب الفقهيّة، إنَّه سميع مجيب، وآخر دعوانا أنِ الحمد الله رب العالمين.
وأنا الأقلّ حسن بن عليّ الرُّميتيّ العامليّ (عامله الله بلطفه الخفيّ والجليّ).
([1]) الوسائل باب 25 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([2]) الوسائل باب 16 من أبواب زكاة الفطرة ح2.
([3]) الوسائل باب 16 من أبواب زكاة الفطرة ح4.
([4]) الوسائل باب 16 من أبواب زكاة الفطرة ح1.
([5]) الوسائل باب 28 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.