الدرس 95 _زكاة مال التجارة 8
أقول: قدِ استُدلّ لعدم اجتماع الزَّكاتَيْن ببعض الأدلَّة:
منها: الإجماع المدَّعى.
والإنصاف: أنِّي لم أعثر على مخالف، وإن نسب القول إلى بعضهم باجتماعهما، ولكنَّ صاحب هذا القول مجهول، كما اعترف في المدارك.
وعليه، فهناك تسالم على عدم اجتماع الزَّكاتَيْن، سواء أكانت زكاة التِّجارة مستحبَّةً أم واجبةً.
وعليه، فخرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.
ومنها: قول النَّبيّ (ص) «لا ثنيّ في الصَّدقة»([1])، وفي الصحاح: «لا ثنيّ في الصَّدقة، أي لا تُؤخذ في السنة مرتين»، ولكنَّها نبويّة ضعيفة جدّاً، ولم ترد من طرقنا أصلاً، وعمل المشهور لا يجبر ضعف السَّند، كما عرفت في أكثر من مناسبة.
ومنها: حسنة زرارة «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ دَفَعَ إلى رجلٍ مَاْلاً قَرْضاً، على مَنْ زكاته، على المُقرِض أو على المُقترِض؟ قال: لا، بل زكاتُها إن كانت موضوعةً عنده حولاً على المُقترِض، قال: قلتُ: فليس على المُقرِض زكاتها؟ قال: لا يُزكَّى المالُ من وجهَيْن في عامٍ واحدٍ...»([2]).
والخلاصة إلى هنا: أنَّه لا إشكال في عدم اجتماع الزَّكاتَيْن في عام واحد، وإنَّما الكلام فيما ذكروه من سقوط زكاة التِّجارة، وإن قلنا: بوجوبها، تعيَّن وجوب زكاة المال.
وما ذكروه من الأدلَّة على تعيُّن سقوط زكاة التِّجارة هي كلُّها وجوه ظنيَّة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
والإنصاف: أنَّ مقتضى إطلاقات أو عمومات زكاة التِّجارة هو سببيَّة حول الحَوْل على مال التِّجارة من حيث كونه مالاً معمولاً لثبوت الزَّكاة فيه، أي التصدُّق برُبع عُشره من حيث الماليَّة، كما أنَّ قضيَّة إطلاق ما دلَّ على سببيَّة حؤول الحَوْل على الأجناس الزكويَّة لوجوب فريضتها وجوب إخراج شاةٍ من الأربعين شاةً التي حال عليها الحَوْل مطلقاً، للتِّجارة أو غيرها، ولا معارضة بين دليلهما ذاتاً؛ إذ لا تنافي بين الأمرَيْن لولا الدَّليل الخارجيّ على أنَّه لا يُزكَّى مال من وجهَيْن في عام.
وبالجملة، فمقتضى القاعدة فيما نحن فيه أي إطلاق دليل كلٍّ من الزَّكاتين أو عمومه هو اجتماعهما في المقام، ولكن قام الدَّليل من الخارج على أنَّه لا يُزكَّى المال من وجهَيْن في عام واحد.
وعليه، فهل تسقط زكاة التِّجارة أم زكاة المال.
والخلاصة: أنَّ التَّعارض بين الدَّليلَيْن إنَّما هو بسبب الدَّليل الخارجيّ لا بحسب ذاتهما وليست المسألة من باب التَّزاحم حتى يُقال بناءً على استحباب زكاة التِّجارة أنَّ الواجب مقدَّم على النَّدب، وبناءً على وجوب زكاة التِّجارة، فوجوب زكاة المال مقدَّم؛ لأنَّ وجوب زكاة المال متَّفق عليه، بخلاف وجوب زكاة التِّجارة.
وبالجملة، فليست المسألة من باب التَّزاحم حتى يُقدَّم هذا على ذاك من باب الأهميَّة، ونحو ذلك.
نعم، قد أشرنا إلى أنَّه لولا الدَّليل الخارجيّ على أنَّ المال لا يُزكَّى من وجهَيْن في عام واحد لأخذنا بإطلاق كلٍّ منهما؛ إذ لا تنافي بينهما ذاتاً، وبما أنَّه علم من دليل خارجيّ أنَّ أحد هذَيْن التَّكليفَيْن المعيّن في الواقع المبهم عندنا مرفوع عن المكلَّف، فلا بدَّ من دليل معتبر يُعيِّن ما هو المرفوع، وبما أنَّه لا يُوجد هكذا دليل فمقتضى الاحتياط هو الإتيان بزكاة لا ينوي فيها خصوص أحدهما، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو زرع أرض التِّجارة أو استثمر نخلها فعُشرهما لا يُغني عن زكاة التِّجارة في الأصل، خلافاً للمبسوط. ولا يمنع انعقاد الحَوْل على الفرع(1)
(1) قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «ومن النِّتاج ثمرة النَّخل والكرم، ولا يمنع وجوب العُشر فيهما من انعقاد حول الأصل ولا حولهما، وعن المبسوط المنع؛ لأنَّ المقصود من الأصول والأرض: الثَّمرة، فهي كالتَّابعة لها، وقد زكت بالعُشر الواقع عن الثَّمرة، والأصول ومغرسها. وفيه: أنَّا لا نُسلِّم التَّبعيّة، لوجوب العُشر على مَنْ ملك الثَّمرة المجرَّدة عن الأصل والمغرس، ولئن سلَّمنا ذلك فجهتا الزَّكاتَيْن متغايرتان، كما هو واضح...».
أقول: قدِ اتَّضح حكم هذه المسألة ممَّا ذكرناه سابقاً فلا حاجة للإعادة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وعامل المضاربة يُخرجها إذا بلغ نصيبه نصاباً(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه إذا دفع إنسان إلى غيره مالاً قراضاً أي مضاربة على النِّصف مثلاً، فظهر فيه ربح، استحبّت زكاة التِّجارة على العامل فيما يستحقّه من الرِّبح إذا بلغت حصته نصاباً مع حولان الحَوْل عليها.
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «وأمَّا حصّة العامل، فإن قلنا: إنَّه يملكها بالظُّهور، وجبت زكاتها عليه إذا بلغت النِّصاب وحال عليها الحَوْل من حين الملك، وكان متمكِّنا من التصرُّف فيها، ولو بالتمكُّن من القسمة، وإن قلنا: إنَّه لا يملكها إلاَّ بالقسمة، فلا زكاة عليه قبلها لانتفاء الملك، والأظهر سقوط زكاة هذه الحصَّة عن المالك أيضاً على هذا التَّقدير؛ لأنَّها متردّدة بين أن تسلم فتكون للعامل أو تتلف فلا تكون له ولا للمالك. وإن قلنا: إنَّه لا يملك الحصَّة وإنَّما يستحقّ أجرة المثل، فالزَّكاة كلّها على المالك؛ لأنَّ الأجرة دين، والدَّين لا يمنع الزَّكاة» انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).
([1]) النهاية لابن الأثير: ج1، ص224.
([2]) الوسائل باب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ح1.