الدرس 141 _ المقصد الأول في الاوامر 73
وأمّا الوجوب الطريقي الذي هو عبارة عن كون الإنشاء بداعي تنجيز الواقع على تقدير وجوده، وإن شئت قلت: إنّ المراد به ما وجب لتنجيز الواجب أو التعذير عنه.
قال السيد الخوئي R وجماعة من الأعلام كما في أخبار الاحتياط بناءً على تماميتها ووجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية، فإنّ الأمر بالاحتياط يستكشف به أنّ الحكم الواقعي على تقدير كون المشتبه به محرّماً واقعاً منجّز على المكلف؛ أي يعاقب المكلف على مخالفته. ويرد عليه: أنّ جعله أخبار الاحتياط من باب الوجوب الطريقي في غير محلّه؛ وذلك لأنّ أخبار الاحتياط لا تنجّز الواقع بل الواقع منجّز بالعلم الإجمالي بجملة من الأحكام الإلزامية، أو بوجود الأمارات القائمة عليها. وعليه، فالأحكام متنجّزة قبل وجوب الاحتياط، لا أنّها تنجّزت بسببه كما هو معنى الوجوب الطريقي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لا معنى أيضاً للوجوب الطريقي بمعنى المعذّرية؛ لأنّه لا يتصوّر في الاحتياط مخالفة الواقع ليكون وجوبه معذّراً عنها؛ لأنّ الاحتياط عبارة عن إتيان الواقع على وجه القطع، فلا يتحقق فيه مخالفة للواقع أبداً.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ وجوب التعلم ينطبق عليه ملاك الوجوب الطريقي؛ لأنّه وجب لأجل تنجيز الواجب والتعذر عنه، ولا ينطبق عليه ملاك الوجوب الإرشادي. نعم، يمكن أن تكون أدلّة وجوب التعلم من الآيات الشريفة والروايات إرشاداً لحكم العقل بوجوب التعلّم، والله العالم.
المحاولة السادسة:
هذه هي المحاولة السادسة التي ذكرت للتفصّي عن إشكال لزوم فعل المقدمة قبل زمان ذيها، وهي للمحقق الأصفهاني R، وحاصلها: إنّ ما هو معروف من أنّ وجوب المقدمة معلول لوجوب ذيها ومترشّح عنه في غير محلّه، فصحيح أنّ وجوب المقدمة وجوب غيري إلا أنّه منفكّ عن وجوب ذي المقدمة.
وتوضيحه: إنّ الأمر هو فعل الآمر سواء كان الأمر نفسياً أم غيرياً؛ فالآمر هو العلّة الفاعلية له دون سواه، ولكن كلّ أمر إنّما يصدر عن إرادة الآمر؛ لأنّه فعله الاختياري، والإرادة مسبوقة بالشوق إلى فعل المأمور به؛ أي إنّ الآمر لا بدّ أن يشتاق أوّلاً إلى فعل الغير على أن يصدر من الغير، فإذا اشتاقه فلا بدّ أن يدعو ويحثّ الغير على الفعل، فيشتاق إلى الأمر به في نفس الغير للفعل المطلوب، وذلك بتوجيه الآمر نحوه.
وبالجملة، فإنّ مقدمة الواجب بناءً على وجوبها يحصل الشوق أوّلاً في نفس الآمر إلى صدور الفعل من المكلف، غاية الأمر أنّ هذا الشوق تابع للشوق إلى ذي المقدمة ومنبثق عنه؛ لأنّ المختار إذا أحب شيئاً واشتاق إلى تحصيله، أحبّ واشتاق بالتبع إلى كل ما يتوقف عليه ذلك الشيء على نحو الملازمة بين الشوقين. وإذا لم يكن هناك مانع من الأمر بالمقدّمات، حصلت لدى الآمر ثانياً الإرادة الحتميّة التي تتعلق بالأمر بها، فيصدر حينئذٍ الأمر.
وأمّا ذو المقدمة، فبحسب الفرض لا يمكن البعث نحوه والأمر به قبل وقته؛ لعدم حصول ظرفه، فلا أمر قبل الوقت وإن كان الشوق إلى الأمر به حاصلاً حينئذٍ، ولكن لا يبلغ مبلغ الفعلية؛ لوجود المانع.
وعليه، فتجب المقدمة المفوّتة قبل وجوب ذيها، ولا محذور فيه، بل ما ذكرناه حاصل حتى بالنسبة إلى فعل الإنسان نفسه، فإنّه إذا اشتاق إلى فعل شيء اشتاق إلى مقدماته تبعاً. ولمّا كانت المقدمات متقدمة بالوجود زماناً على ذيها، فإنّ الشوق إليها يشتدّ حتى يبلغ درجة الإرادة الحتمية المحركة للعضلات، فيفعلها مع أنّ ذا المقدمة لم يحن وقته بعد، ولم تحصل له الإرادة الحتمية المحركة للعضلات، وإنّما يمكن أن تحصل له الإرادة الحتمية إذا حان وقته بعد طيّ المقدمات، فإرادة الفاعل التكوينية للمقدمة متقدمة زماناً على إرادة ذيها، وعلى قياس الإرادة التشريعية، فلا بدّ أن تحصل الإرادة للمقدمة المتقدمة زماناً قبل أن تحصل لذيها المتأخّر زماناً، فيتقدم الوجوب الفعلي للمقدمة على الوجوب الفعلي لذيها زماناً على العكس ممّا اشتهر.
وعليه، فليس معنى تبعيّة وجوب المقدمة لوجوب ذيها هو أنّه معلول له، بل معناه أنّ الباعث للوجوب الغيري على تقدير القول به هو الواجب النفسي.
وهكذا حصل الانفكاك بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها؛ فمن قَبِل بهذا الانفكاك ارتفع الإشكال بالنسبة إليه، وإلا فلا. وسيتضح لك قريباً إن شاء الله تعالى ما هو الصحيح في المقام حول وجوب المقدمة شرعاً، وأنّه مترشّح عن وجوب ذيها أم لا.
هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالمقدمة المفوتة، وكيفية وجوبها قبل وجوب ذيها.