الدرس 96 _زكاة مال التجارة 9
أقول: مقتضى الإنصاف: أنَّه لا تُستحبّ زكاة التِّجارة على العامل فيما يستحقّه من الرِّبح، أمَّا على القول: بأنَّ المضاربة معاملة فاسدة لجهالة العوض، وإنَّما هي مجرَّد وعد لا يجب الوفاء به كما حُكي عن بعض الأعلام فلا يستحقّ العامل شيئاً من هذا المال، ولا من ربحه، بل له أجرة مثل عمله على المالك.
وعليه، فالأمر واضح، أي تكون الزَّكاة على صاحب المال، أي المالك، لا على العامل بالاتِّفاق؛ إذ لا موجب للزَّكاة عليه.
وأمَّا إن قلنا: بصحَّة المضاربة ولكن لا يملك العامل الحصَّة إلاَّ بعد القسمة أو الفسخ إذا حال الحَوْل قبل أحدهما، فأيضاً لا زكاة على العامل لانتفاء الملكية فضلاً عن غيرها من الشَّرائط.
وأمَّا إن قلنا: يملكها بمجرَّد ظهور الرِّبح، فيصير الرِّبح من حين الظُّهور مشتركاً بينه وبين المالك، وقلنا: بأنَّ الشَّركة لا تمنع من الزَّكاة، وقلنا أيضاً: بأنَّ كون الرِّبح وقاية لرأس المال عن التعرُّض للخسارة، فهذا لا يمنع أيضاً من الزَّكاة.
فمقتضى الانصاف: عدم استحباب الزَّكاة على العامل في حصَّته؛ لأنَّه، وإن صدق عليه أنَّه مال ملكه بالتجارة، ولكنَّه لا يصدق عليه أنَّه مال ملك بعقد المعاوضة بقصد الاسترباح، بل هو بنفسه ربح التِّجارة المتعلِّقة بمال الغير، وقد ملكه العامل بعقد المضاربة لا بعقد المعاوضة، مثل ما ملكه الأجير بعقد الإجارة.
والخلاصة: أنَّ الرِّبح من حيث هو ليس مندرجاً في موضوع أدلّة التِّجارة؛ إذ لا يصدق على حصَّة العامل أنَّها مال اتِّجر به أو عمل به أو غير ذلك من العناوين الواردة في الرِّوايات.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وفي تعجيل الإخراج قبل القسمة قولان. والجمع بين كون الرِّبح وقايةً، وبين تعجيل الإخراج بتغريم العامل قول محدث، مع أنَّ فيه تغريراً بمال المالك لو أعسر العامل(1)
(1) ثمَّ إنَّه على القول بالاستحباب، فهل يجوز للعامل أن يخرج الزَّكاة من عين مال المضاربة قبل أن يقسم المال أو قبل الفسخ؟ ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم الجواز، منهم الشَّيخ في المبسوط، والعلاَّمة في التَّحرير، والكركيّ في فوائد الشَّرائع والمحقِّق الميسيّ على ما نقل عنهم (قدس سرهم)؛ لأنَّ الرِّبح وقاية لرأس المال أي أنَّ حصَّة العامل معلّقة على عدم ورود خسارة على رأس المال قبل إتمام العمل، وهذا معنى كونه وقاية لرأس المال فإذا أخرج الحصَّة واتَّفق خسران رأس المال كان النَّقص على المالك.
وذهب الشَّيخ في الخلاف، والعلاَّمة في الإرشاد، والمحقِّق في المعتبر (قدس سرهم) إلى جواز الإخراج؛ لأنَّ استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقايةً، ويظهر من العلاَّمة (رحمه الله) في القواعد أنَّه لا منافاة بين الوقاية واستحقاق الفقراء على كلِّ حالٍ، قال: «والأقرب: عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية فيضمن العامل الزَّكاة لو تمّ بها المالك...».
وردَّه المصنِّف (رحمه الله) هنا أي في الدُّروس : «بأنَّه قول محدث، مع أنَّ فيه تغريراً بمال المالك إذا أعسر العامل...».
أقول: وجه التَّغرير بمال المالك واضح؛ لأنَّه إذا ضمنه وصار العامل معسراً، وحصلت الخسارة على رأس المال، فمن أين يدفع له العوض إذا أخرج الزكاة من الرِّبح؟!
والإنصاف: أنَّه على تقدير ثبوت الاستحباب لا يجوز له الإخراج قبل القسمة أو الفسخ؛ لأمرَيْن:
الأوَّل: أنَّه مال مشترك ولا بدَّ من أخذ الإذن من الشَّريك، وهو المالك؛ إذ لا يجوز التصرُّف فيه من غير إذن الشَّريك.
وعليه، فمع عدم الإذن لا يجوز له الإخراج.
اللَّهمّ إلَّا أن يكون مقصودهم بتعجيل الإخراج بغير إذن الشَّريك الدَّفع من مال آخر غير مال المضاربة.
الثَّاني: أنَّ من المعلوم أنَّ الرِّبح وقاية لرأس المال من الخسارة، ومقتضى ذلك أنَّ ملكيَّة العامل للحصَّة مراعاة بعدم ورود خسارة على رأس المال قبل إتمام العمل، أي أنَّ ملكيّته متزلزلة غير مستقرَّة، فإذا كان الأمر كذلك فملكيَّة الفقراء للزَّكاة أيضاً غير مستقرَّة؛ لأنَّ حقَّ الفقراء مراعى بسلامة رأس المال عن أن يطرأ عليه نقصان قبل القسمة.