الدرس 97 _زكاة مال التجارة 10
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ونتاج مال التِّجارة منها، ويُجبر منه نقصان الولادة(1)
(1) قد أشرنا سابقاً إلى أنَّ نتاج مال التِّجارة هو جزء منها ولا يُلحظ مستقلاًّ، بل هو تابع للأصل في الحَوْل، وفي تعلُّق الزَّكاة به، ونحو ذلك.
وبالجملة، فهو جزء منها.
وعليه، فكلُّ نقصٍ يرد على أصل المال يُجبر منه، ومنه نقصان الولادة عن المتعارف، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والعِبرة في التَّقويم بالنَّقد الذي اشتريت به، لا بنقد البلد، فلوِ اشترى بدراهم وباعها بعد الحَوْل بدنانير، قُوِّمت السِّلعة دراهم. ولو باعها قبل الحَوْل قُوِّمت الدَّنانير دراهم عند الحَوْل. وقيل: لو بلغت بأحد النقدين النِّصاب استحبّت، وهو حسنٌ إن كان رأس المال عرضاً(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّ المتاع إذا أُريد معرفة مقدار ماليَّته قُوِّم بالدَّراهم أو الدَّنانير؛ لأنَّهما الأصل في الماليَّة الذي بالمقايسة إليه يُعرف مقدار ماليَّة الأشياء في باب الغرامات وعوض المتلفات وأروش الجنايات، وهما المرجع في الدِّيات.
هذا، وقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لا فرق في التَّقويم بأحدهما بين كون ثمن المتاع عروضاً أو نقداً، وبين كون الثَّمن من جنس ما وقع به التَّقويم وعدمه.
ولكن في المدارك: «هو مشكلٌ على إطلاقه، والأصحُّ أنَّ الثَّمن إن كان من أحد النَّقدَيْن وجب تقويم السِّلعة بما وقع به الشِّراء، كما صرَّح به المصنِّف في المعتبر، والعلاَّمة، ومَنْ تأخَّر عنه، لأنَّ نصاب العرض مبنيٌّ على ما اشتري به، فيجب اعتباره به، كما لو لم يشترِ به شيئاً، ولقوله (عليه السلام): «إن كنت تربح فيه شيئاً أو تجد رأس مالك فعليك زكاته»، ورأس المال إنَّما يعلم بعد التَّقويم بما وقع به الشِّراء، ولو وقع الشِّراء بالنَّقدَيْن وجب التَّقويم بهما، ولو بلغ أحدهما النِّصاب زكَّاه دون الآخر، ولو كان الثَّمن عروضاً قُوِّم بالنَّقد الغالب واعتبر بلوغ النِّصاب ووجود رأس المال في الحَوْل به خاصَّة. ولو تساوى النَّقدان كان له التَّقويم بأيِّهما شاء، ويكفي في استحباب الزَّكاة بلوغ القيمة النِّصاب بأحدهما وكذا وجود رأس المال» انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).
ويقرب من هذا الكلام ما ذكره صاحب المسالك (رحمه الله)، حيث قال بعد قول المحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع: ويُقوَّم بالدَّراهم والدَّنانير : «هذا إذا كان رأس المال عروضاً، أمَّا لو كان أحد النَّقدَيْن تعيَّن تقويمه به، فإن بلغ به النِّصاب استحبَّت وإلاَّ فلا، ولو كان منهما معاً قُوِّم بهما على التَّقسيط، ولو كان نقداً و عرضاً قسّط أيضاً على القيمة، وقُوِّم ما يخصُّ النَّقد به والآخر بالنَّقد الغالب منهما، فإن تساويا تخيَّر، وكذا القول فيما لو كان جميعه عرضاً» انتهى كلام صاحب المسالك، وقريب منهما عبارة المصنِّف (رحمه الله) المذكورة في المتن.
أقول: أمَّا التَّقويم بخصوص الدَّراهم، فقد استُدلَّ عليه برواية إسحاق بن عمَّار المتقدِّمة، حيث ورد فيها: «وكلُّ ما خلا الدَّراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدَّراهم في الزَّكاة والدِّيّات»([1]).
وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية ضعيفة بعدم وثاقة إسماعيل بن مرَّار.
وثانياً مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند : أنَّه يشكل الاعتماد على هذه الرِّواية بعد أن لم يكن معمولاً بظاهرها في خصوص موردها، ولو بعد ارتكاب التَّأويل فيها بحملها على إرادة زكاة التِّجارة؛ إذ لم ينقل عن أحد القول باعتبار التَّقويم بخصوص الدَّراهم.
ومقتضى الإنصاف: جواز التَّقويم بكلٍّ منهما على كلِّ حالٍ؛ لأنَّ الظَّاهر أنَّ النَّقدَيْن معاً من النَّقد الغالب شرعاً.
وعليه، فلا يقدح في جواز التَّقويم بأحدهما اتِّفاق كثرة الاستعمال في أحدهما في بعض الأزمنة والأمكنة؛ إذ لا إطلاق حتى ينصرف إلى الغالب مع أنَّ الظَّاهر كونهما غالبَيْن في زمن صدور النُّصوص.
والخلاصة: أنَّه متى بلغ النِّصاب بأحدهما زكّاه لعموم ما دلَّ على زكاة مال التِّجارة المقتصر في الخارج منه على المتيقَّن، وهو النَّاقص عنهما.
وأمَّا التفاصيل التي ذكرها المصنِّف (رحمه الله)، وكذا صاحب المدارك وصاحب المسالك (رحمهما الله)، فليست مبنيَّةً على الدَّليل، والاستحسان عندنا ليس حجةً.
فما ذكره جماعة من الأعلام من التَّقويم بأحدهما مطلقاً، سواء أكان ثمن المتاع عروضاً أم نقداً، وسواء أكان الثَّمن من جنس ما وقع به التَّقويم أم لا، هو مقتضى الإنصاف في المسألة.
والذي يهوِّن الخطب: كون الحكم من أصله استحبابيّاً، والله العالم بحقائق أحكامه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو مضى عليه سنون ناقصاً عن رأس المال استحبَّ زكاته سنةً(1)
(1) ثمَّ إنَّه قدِ استُدلّ للاستحباب بجملة من الرِّوايات:
منها: موثقة العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: قلتُ: المتاعُ لَاْ أُصيبُ بِهِ رأسَ المال، عليَّ فيه زكاةٌ؟ قال: لَاْ، قلتُ: أمسكُه سنتَيْن، ثمَّ أبيعه ماذا عليَّ؟ قال: سنة واحدة»([2])، وعليُّ بن محمَّد بن الزُّبير القُرشيّ الواقع في إسناد الشَّيخ إلى ابن فضَّال من المعاريف، ما يكشف عن وثاقته.
ومنها: موثَّقة سماعة «قال: سألتُه عن الرَّجل يكون عنده المتاع موضوعاً، فيمكثُ عنده السَّنةَ والسَّنتَيْن، وأكثر من ذلك، قال: ليس عليه زكاةٌ حتَّى يبيعَه، إلاَّ أن يكونَ أُعطي به رأسَ مالِه، فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فَعَل ذلك وجبت فيه الزَّكاة، وإن لم يكن أُعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتَّى يبيعه، وإن حبسه ما حبسه، فإذا هو باعه فإنَّما عليه زكاة سنة واحدة»([3])، ومضمرات سماعة مقبولة.
ومنها: صحيحة البزنظيّ «قال: سألت أبا الحسن الرِّضا (عليه السلام) عن الرَّجل يكون في يده المتاع قد بار عليه، وليس يُعطى به إلاَّ أقلّ من رأس ماله، عليه زكاة؟ قال: لَاْ، قلتُ: فإنَّه مكث عنده عشر سنين، ثمَّ باعه، كَمْ يُزكِّي سنةً؟ قال: سنةً واحدةً»([4]).
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب زكاة الذهب والفضة ح7.
([2]) الوسائل باب 13 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة وما تستحب فيه ح9.
([3]) الوسائل باب 13 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة وما تستحب فيه ح6.
([4]) الوسائل باب 13 من أبواب ما تجب فيه الزَّكاة وما تستحب فيه ح11.