الدرس 16 _ما يشترط في وجوب الزكاة 5
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والمبيع بخِيار للبائع يجري في الحَوْل من حيث العقد، على الأصحِّ(1)
(1) هذا متفرِّع على الشَّرط الأوَّل، وهو اشتراط المُلْك في وجوب الزَّكاة:
فإنْ قلنا: بأنَّه يُمْلك من حين العقد كما هو الأصحُّ جرى في الحَوْل من حينه، أي دخل المبيع البالغ حدَّ النِّصاب في الحَوْل فيما يشترط فيه الحَوْل كما في الحيوان والنَّقدَيْن، من حين العقد.
وإن قلنا: إنَّه لا يحصل إلاَّ بانقضاء الخِيار لم يدخل في الحَوْل إلاَّ بعده.
ويظهر مِنَ المصنِّف (رحمه الله) أنَّ الخِلاف في وقت الانتقال إنَّما وقع في الخِيار المختصِّ بالبائع.
مع أنَّ الإنصاف: تحقُّق الخلاف فيه مطلقاً أي سواء أكان الخِيار للبائع، أم له وللمشتري، أم للمشتري خاصَّة .
ومن هنا، حكم الشَّيخ (رحمه الله) في الخِلاف بأنَّ المبيع لا ينتقل إلى مُلْك المشتري إلاَّ بانقضاء الخِيار، سواء أكان لهما أم لأحدهما، لكنَّه ذكر: «إنَّ الخِيار إذا اختصَّ بالمشتري ينتقل المبيع عن مُلْك البائع بالعقد، ولا يدخل في مُلْك المشتري إلاَّ بانقضاء الخِيار...»، وهذا عجيب منه (رحمه الله).
ومقتضى ذلك سقوط زكاته عَنِ البائع والمشتري، وهذا ممَّا لا يمكن الالتزام به.
ثمَّ لا يخفى عليك أن الزكاة إنّما تجب فيما لو كان المشتري متمكِّناً مِنَ التَّصرُّف في المبيع، بأنْ كان قادراً على أَخْذه وإتلافه والتَّصدُّق به خارجاً، فإنَّ المنساق من أدلَّة الزَّكاة، مثل قوله تعالى: « خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾ [التّوبَة: 103]، ونحوه، ليس إلا إرادة إيجابها في أموالهم التي لهم أنْ يتصرَّفوا فيها، ويعطوها للفقراء.
وبالجملة، فيشترط أنْ يكون المُلْك طَلْقاً لهم، فأدلَّة الزَّكاة بنفسها منصرفة عَنِ المال الذي ليس لمالكه التَّصرُّف فيه.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والصِّداق من حين عقد النِّكاح، والخُلْع من حين البَذْل والقَبُول، والأُجْرة من حين العقد، وإن كان ذلك في مَعْرض الزَّوال(1)
(1) هذا هو المعروف بين الأعلام، فإذا أَصْدقها أربعين شاةً معيَّنةً، فقد ملكتها الزَّوجةُ بالعقد، ودخلت في الحَوْل من حين العقد.
نعم، لا بدَّ من إمكان التَّصرُّف فيها خارجاً، كما تقدَّم.
ومِثْله لو بذلت له أربعينَ شاةً لِيُطلِّقها أو يخلعها عليه، فإذا حصل القبول والطَّلاق فيملكها من حينه، وتدخل في الحَوْل من حين تملّكها، ولابدَّ له أيضاً من إمكان التَّصرُّف فيها خارجاً، بأنْ كان قادراً على إعطاء الزَّكاة منها أو إتلافها، ونحو ذلك.
وممَّا ذكرنا يظهر الحال في الإجارة، فلو كانت الأجرة نِصاباً زكويًّا فيملكها الأجير بمجرد العقد، وتدخل في الحَوْل فيما لوِ اشترط فيه الحَوْل من حين التَّملُّك، أي العقد، ولابدَّ أيضاً من إمكان التَّصرُّف، كما تقدَّم، فإنَّه شرط غير شرط المُلْك، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا في الرَّهن مع عدم التَّمكُّن من فكِّه، إمَّا لتأجيل الدَّين أو لعَجْزه. ولا يكفي في الرَّهْن المستعار تمكُّن المستعير مِنَ الفَكِّ(2)
المعروف بين الأعلام أنَّه لا تجب الزَّكاة في الرَّهن، وفي الجواهر: «على الأشبه الأشهر، بلِ المشهور شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً، إذا كان غير متمكِّن من فكِّه؛ لتأجيل الدَّيْن، أو للعجز؛ إذ لم أجد فيه خلافاً، سوى ما عَنِ المبسوط».
أقول: ما ذهب إليه الأعلام من عدم وجوب الزَّكاة فيه هو الصَّحيح، وذلك لأمرين:
الأوَّل: هو تعلُّق حقِّ الغير به، وهذا يوجب النَّقص في الملكيَّة، فيرجع حينئذٍ إلى الشَّرط الأوَّل، وهو اشتراط الملكيَّة التَّامَّة في وجوب الزَّكاة.
وبالجملة، فالملكيَّة هنا قاصرة.
الثَّاني: مع قطع النَّظر عمَّا ذكرناه، فإنَّه غير متمكِّن مِنَ التَّصرُّف فيه، كما لا يخفى.
هذا، وقد حكي الخلاف عن الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث نُقِل أنه قال: «لو رهن النِّصاب قبل الحَوْل، فحال الحَوْل، وهو رهن، وجبتِ الزَّكاة، فإن كان موسراً كُلِّفَ إخراجَ الزَّكاة، وإن كان مُعْسِراً تعلَّق بالمال حقُّ الفقراء، يُؤخَذ منه؛ لأنَّ حقَّ المرتهن في الذِّمَّة».
ثمَّ حكي عنه في موضع آخر من المبسوط موافقة المشهور، أنه قال: «لوِ استقرض ألفاً، ورهن ألفاً، لزمه زكاة الألف القَرْض، دون الرَّهن؛ لعدم تمكنه مِنَ التَّصرُّف في الرُّهن».
وحكي عنه في الخلاف، أنَّه قال: «إذا له ألفٌ، فاستقرض ألفاً غيرها، ورهن هذه عند المُقْرِض، فإنَّه يلزمه زكاةُ الألفِ التي في يده، إذا حال الحَوْل دون الألف التي هي رهن».
ثمَّ استدل بأنَّ المال الغائب الذي لا يتمكن منه مالكه لا يلزمه زكاته، والرهن لا يتمكن منه، ثمَّ قال: «ولو قلنا: إنَّه يلزم المستقرِض زكاةَ الألفَيْن لكان قويّاً؛ لأنَّ الألف القرض لا خلاف بين الطَّائفة أنَّه يلزمه زكاتها، والألف المرهونة هو قادر على التَّصرُّف فيها بأنْ يفكَّ رَهْنها، والمال الغائب إذا كان متمكِّناً منه يلزمه زكاته، بلا خلاف بينهم».
ويظهر مِنَ المصنِّف (رحمه الله) هنا، ومِنَ الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله)، وجملة مِنَ الأعلام المتأخِّرين عنهما، القول: بتعلُّق الزَّكاة بالرَّهن، إذا تمكَّن من فكِّه كما هو مورد كلام الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف ؛ وذلك لِصْدق التَّمكُّن مِنَ التَّصرُّف فيه.
وفيه: ما لا يخفى، فإنَّ القدرة على فكِّ الرَّهن لا تُخْرج الرَّهن ما دام كونه رهناً عن كونه متعلِّقاً لحقِّ الغير بالفعل.
وعليه، فالمُلْك فعلاً ناقص، وقد عرفت أنَّ مِثْله مانع عن تعلق الزَّكاة به.
وعليه، فالإنصاف: هو عدم تعلُّق الزَّكاة به مطلقاً، سواء أتمكَّن من فكِّه أم لا.
وأَولى منه بعدم تعلُّق الزَّكاة به الرَّهْنُ المستعار، وإنْ تمكَّن المستعير من الفَكِّ؛ لأنَّه على فَرْض كفاية القدرة على فكِّ الرَّهن في وجوب الزَّكاة، فلا تكفي قُدْرة المستعير، بل لابدَّ من قدرة المعير على الفَّكِّ، وهي غير حاصلة.
وعليه، فلا تجب الزَّكاة على المالك، أي المعير هنا.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا تجب في المال المغصوب، والضَّال، والمجحود، مع عدم الوصلة إليه، ولا في المال الغائب ما لم يكن في يد وكيله(1)
(1) كلُّ هذه الأمور تدخل في عدم إمكان التَّصرُّف، وقد اتِّضح وجهه ممَّا تقدَّم عند الكلام عَنِ اشتراط إمكان التَّصرُّف في وجوب الزَّكاة.
ثمَّ إنَّ المراد بالضَّال هو الحيوان الضَّائع.