الدرس195 _لباس المصلي 68
وقد يستدل لمن ذهب إلى المنع: بعموم النهي عن لبس الحرير، وذلك لصدق المحض والمُصْمَتِ عليه، ولأنه بتلبّده يصدق عليه اللبس وإن لم يكن منسوجاً، ونقل المصنف في الذكرى عن المحقق الاستدلال للمنع: بأنّه سرف، منهي عنه.
وفيه: أنّه لو سلمنا أنّه سرف إلاّ أنّه لا يقتضي حرمة اللبس بعد التحشية.
والإنصاف: أنّه وإن صدق عليه اللباس بتلبّده إلاّ أنّك عرفت أنّ المانع من صحّة الصلاة هو ما صدق عليه الثوب، فالممنوع هو الصلاة في الثوب الحرير المحض.
ولو قطعنا النظر عن الثوب، وقلنا: إنّه يكفي في المنع مطلق اللبس وإن لم يكن ثوباً، ومع ذلك نقول: بالجواز، وذلك لصحيحة الحسين بن سعيد «قال: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا N يسأله عن الصلاة في ثوب حشوه قزّ، فكتب إليه: (و) قرأته لا بأس بالصلاة فيه»[i]f346، وأوَّله ابن بابويه بقزّ الماعز، أي شعر الماعز.
وفيه: أنه خلاف الظاهر جدّاً.
وأشكل المحقّق R على سند الرواية بأنّ الراوي أي الحسين بن سعيد لم يسمعه من محدث، وإنّما وجده في كتاب.
وفيه: أنّ الراوي أخبر بصيغة الجزم، والمكاتبة المجزوم بها في قوّة المشافهة.
نعم، قد يشكل أنّ موردها القزّ، وعدم الفصل بينه وبين الإبْرَيسم غير ثابت، والرواية الدّالة على مساواتهما ضعيفة.
وعليه، فالتعدي إلى الإبريسم غير ظاهر.
أقول: أما الرواية الدالة على مساواتهما فهي رواية العباس بن موسى عن أبيه «قال: سألته عن الإبْرَيسم، والقزّ، قال: هما سواء»[ii]f347، وهي ضعيفة بالإضمار، وبجهالة والد العباس.
نعم، ذكر الشيخ الحرّ في الوسائل بعد قوله: «عن أبيه» كلمة «عليه السلام»، الدّالة على المراد به هو العباس بن موسى بن جعفر N، ولكنّ المصدر خالٍ عن هذه الكلمة، أضف إلى ذلك أن العباس بن الإمام N لم يرد فيه توثيق بالخصوص، إلا ما حكي عن بعض نسخ رجال الشيخ، ولكن يشكُل الاعتماد على هذه النسخة لأنّ ابن داود لم ينقل توثيقه عن الشيخ مع وجود النسخة عنده، بل ذكر في بعض الموارد من كتابه أنّه رأى نسخة رجال الشيخ بخطه الشريف.
ولكنّ الإنصاف مع قطع النظر عن ضعف الرواية : أنّ التعبير بالقزّ في الصحيحة باعتبار أنّه الغالب في الحشو، لأنّه مادة يعمل منه الإبْرَيسم.
ومن هنا قال بعض اللغويين ومنهم الفيومي في مصباحه، والنصّ له : «القزّ معرّب، قال الليث: هو ما يعمل منه الإبْرَيسم، ولهذا قال بعضهم: القزّ والإبْرَيسم مثل الحنطة والدقيق»، وبناءً على ما تقدم تكون صحيحة الحسين بن سعيد مخصِّصة للعمومات الناهية عن لُبْس الحرير، فالأقوى الجواز حينئذٍ.
ومثل صحيحة الحسين بن سعيد رواية سفيان بن السمط في حديث «قال: قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن N يسأله عن ثوب حشوه قزّ يصلّى فيه؟ فكتب: لا بأس به»[iii]f348، ولكنّها ضعيفة بأحمد بن عبديل، فإنَّه مهمل، وبعدم وثاقة سفيان بن السمط، كما أن ابن سنان لم يعلم أنه عبد الله الثقة.
وقدِ استُدل أيضاً: برواية إبراهيم بن مهزيار «أنَّه كتب إلى أبي محمد N: الرّجل يجعل في جُبَّته بدل القطن قزّاً، هل يصلّي فيه، فكتب: نعم، لا بأس»[iv]f349، ولكنّها ضعيفة، لأنّ إبراهيم بن مهزيار لم يوثّق، والمدح الوارد فيه من القائم عجل الله فرجه الشريف هو راويه، ووجوده في كامل الزيارات غير نافع، لأنّه ليس من مشايخه المباشرين.
وأمّا الاستدلال لذلك بصحيحة الريان ابن الصلت «أنه سأل الرضا N عن أشياءَ منها المحشو بالقز، فقال: لا بأس بهذا كلّه»[v]f350، ففي غير محلّه، لأنّ مفادها الحكم التلكيفي، وهو جواز اللبس في نفسه، لا الحكم الوضعي، وهو عدم المانعية في الصلاة.