الدرس 9 _ التكسّب الحرام وأقسامه (4). أحدها: ما حرم لعينه: الغناء.
[الخلاصة]
* في التكسّب وأقسامه.
* الكلام في: القسم الأوَّل من الأقسام السِّتة، وهو ما حرم لعينه: منها: الغناء، ويقع الكلام فيه في ثلاثة أمور: الأمر الأوَّل: في حكمه.
* الكلام في: الاستُدلال على حرمة الغناء بالأدلَّة الثلاث: السُّنّة النبويَّة الشَّريفة.
* اما القول -كما ذهب الكاشاني (رحمه الله)- بأنّ الغناء المحرم هو الذي كان متعارفا عند بني أمية وبني العباس، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
وأمَّا السّنة النبوية الشَّريفة: فمستفيضة جدًّا، بل هي متواترة معنًى:
منها: صحيحة زيد الشحَّام، قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): بيت الغناء لا تُؤمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك»(1).
ومنها: رواية زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «الغناءُ عشُّ النِّفاقِ»(2). ولكنَّها ضعيفة بسهل وأبي جميلة.
ومنها: رواية يونس، قال: «سَأَلْتُ الْخُرَاسَ انِيَّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: إِنَّ الْعَبَّاسِيَّ ذَكَرَ عَنْكَ أَنَّكَ تُرَخِّصُ فِي الْغِنَاءِ؟ فَقَالَ: كَذَبَ الزِّنْدِيقُ، مَا هكَذَا قُلْتُ لَهُ، سَأَلَنِي عَنِ الْغِنَاءِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ رَجُلاً أَتى أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَسَأَلَهُ عَنِ الْغِنَاءِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ! إِذَا مَيَّزَ اللهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَأَيْنَ يَكُونُ الْغِنَاءُ؟ قَالَ: مَعَ الْبَاطِلِ، فَقَالَ: قَدْ حَكَمْت»(3). وهي ضعيفة بسهل بن زياد.
ومنها: ما في جامع الأخبار: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحشر صاحب الطنبور يوم القيامة وهو أسودُ الوجه. (إلى أن قال): ويحشر صاحب الغناء من قبره أعمى، وأخرس، وأبكم»(4). وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: مرسلة الفقيه، قال: «سأل رجل عليّ بن الحسين (عليه السلام) عن شراءِ جاريةٍ لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكّرتك الجنَّة، يعني بقراءة القرآن والزُّهد والفضائل التي ليست بغناء؛ فأمَّا الغناء فمحظور»(5). ولكنَّها ضعيفة بالإرسال. مضافاً إلى أنَّ الظَّاهر أنَّ التفسير من الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) لا من الإمام (عليه السلام)، ولا أقل أنَّه لم يُعْلم أنَّ التفسير من الإمام (عليه السلام).
ومنها: معتبرة سعد بن محمد الطَّاطري عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ بَيْعِ الْجَوَارِي الْمُغَنِّيَاتِ؟ فَقَالَ: شِرَاؤُهُنَّ وَبَيْعُهُنَّ حَرَامٌ، وَتَعْلِيمُهُنَّ كُفْرٌ، وَاسْتِمَاعُهُنَّ نِفَاقٌ»(6). وإنَّما جعلناها معتبرة مع أنَّ سعداً وأباه لم يرد فيهما توثيق بالخصوص، لأنَّ الشَّيخ (رحمه الله) ذكر في العِدَّة: «أنَّ الطَّائفة عملت بما رواه الطَّاطريون». لا يُقال: إنَّها ضعيفة بسهل بن زياد. فإنُّه يُقال: إنَّ الكليني له سند آخر عن عليٍّ بن إبراهيم عن أبيه.
ومنها: رواية إبراهيم بن أبي البلَّاد، حيث ورد في ذيلها: «وَتَعْلِيمَهُنَّ كُفْرٌ، وَالاسْتِمَاعَ مِنْهُنَّ نفاق، نِفَاقٌ، وَثَمَنَهُنَّ سُحْتٌ»(7). وهي ضعيفة بالإرسال.
ومنها: رواية عنبسة عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «استماع اللهو والغناء ينبت النِّفاق كما ينبت الماء الزَّرع»(8). وهي ضعيفة بجهالة عنبسة.
ومنها: معتبرة مسعدة بن زياد، قَالَ: «كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! إِنّي أَدْخُلُ كَنِيفاً، وَلِي جِيرَانٌ، وعِنْدَهُمْ جَوَارٍ يَتَغَنَّيْنَ وَيَضْرِبْنَ بِالْعُودِ، فَرُبَّمَا أَطَلْتُ الْجُلُوسَ اسْتِمَاعاً مِنِّي لَهُنَّ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللهِ! مَا آتِيهِنَّ، إِنَّمَا هُوَ سَمَاعٌ أَسْمَعُهُ بِأُذُنِي، فَقَالَ: باللّهِ أَنْتَ، أَمَا سَمِعْتَ اللهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ فَقَالَ: بَلى وَاللهِ! كَأَنِّي لَمْ أَسْمَعْ بِهذِهِ الْآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللهِ مِنْ أَعْجَمِيٍّ وَلَا عَرَبِيٍّ، لَا جَرَمَ أَنَّنِي لَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَأَنِّي أَسْتَغْفِرُ اللهَ، فَقَالَ لَهُ: قُمْ فَاغْتَسِلْ، وَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ مُقِيماً عَلى أَمْرٍ عَظِيمٍ، مَا كَانَ أَسْوَأَ حَالَكَ لَوْ مِتَّ عَلى ذلِكَ؛ احْمَدِ اللهَ، وَسَلْهُ التَّوْبَةَ مِنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَكْرَهُ إِلاَّ كُلَّ قَبِيحٍ، وَالْقَبِيحَ دَعْهُ لِأَهْلِهِ، فَإِنَّ لِكُلٍّ أَهْلاً»(9). والرِّواية معتبرة، فإنَّ هارون بن مسلم، وإن كان له مذهب في الجبر والتشبيه على ما ذكره النجاشي، إلَّا أنَّه وثَّقه صريحاً بقوله: «ثقة وجه». ولكن قد يستشكل في دلالة المعتبرة: بأنَّها مشتملة على ضرب العُود أيضاً، فلعلّ المعصية كانت لأجله، أو مشتركة بينه وبين الغناء. وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.
والإنصاف: أنَّه، وإن أمكن المناقشة في جملة من الرِّوايات المتقدِّمة، من حيث ضعف السَّند أو الدَّلالة، أو هما معاً، إلَّا أنَّها في جملة منها معتبرة، ودلالتها تامَّة. والخلاصة: أنَّه لا شك في أنَّ مضامين تلك الرِّوايات المتواترة تفيد حرمة الغناء وحرمة التكسُّب به واستماعه وحرمة تعليمه وتعلمه.
اما القول -كما ذهب الكاشاني (رحمه الله)- بأنّ الغناء المحرم هو الذي كان متعارفا عند بني أمية وبني العباس، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسائل الشيعة: باب 99 من أبواب ما يكتسب به، ح1.
(2) وسائل الشيعة: باب 99 من أبواب ما يكتسب به، ح10.
(3) وسائل الشيعة: باب 99 من أبواب ما يكتسب به، ح13.
(4) مستدرك الوسائل: باب 79 من أبواب ما يكتسب به، ح17.
(5) وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب ما يكتسب به، ح2.
(6) وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب ما يكتسب به، ح7.
(7) وسائل الشيعة: باب 16 من أبواب ما يكتسب به، ح5.
(8) وسائل الشيعة: باب 101 من أبواب ما يكتسب به، ح1.
(9) وسائل الشيعة: باب 18 من أبواب الاغسال المندوبة، ح1.