الدرس377 _القيام في الصلاة 18
وفيه: أمَّا الدليل الأوَّل؛ فيرد عليه: أنَّ السّكون بين الحركتين المتضادتين من اللوازم غير المنفكّة عنهما، فلا عبرة به، بل لا يصحّ التكليف معه، لخروجه من تحت القدرة.
وعليه، فالكلام في الطمأنينة العرفية، ولا دليل على وجوبها.
والذي دلّ عليه الدّليل هو وجوب الرّكوع عن قيام مع الإمكان، وأمَّا اشتراط الاستقرار في هذا القيام فلم يدلّ عليه دليل، وإن كان هو أحوط.
وبهذا يتضح لك عدم صحَّة الدليل الثاني.
وأمَّا الدليل الثالث: فهو عبارة عن الاحتياط، ومن المعلوم أنّ المورد ليس من موارد الاحتياط، بل المرجع في هذه الأمور هو أصل البراءة، وقد عرفت سابقاً أنّ البراءة تجري في الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين.
ومن جملة التفريعات: ما لو خفّ في ركوعه قاعداً قبل الطمأنينة، بل وبعدها أيضاً، ما لم يأتِ بالذِّكر الواجب، فيكفيه حينئذٍ أن يرتفع منحيناً إلى حدّ الرّاكع، ولا يجوز له الانتصاب لاستلزامه الزيادة المفسدة، وعليه أن يسكت عن الذكر حال الارتفاع.
وأمّا ما ذكره السّيد أبو القاسم الخوئي R: من عدم وجوب الارتفاع منحيناً، لتقوّم الرّكوع بالانحناء عن قيام، والارتفاع متقوساً لا يتحقّق معه الرّكوع القيامي، فلا يجب حينئذٍ.
ففيه: ما عرفته من أنّ الرّكوع لا يتقوّم بالانحناء عن قيام، إذ ركوع الجالس ركوع حقيقي وعرفي، فراجع ما ذكرناه سابقاً عند الكلام عن ركنيّة القيام المتّصل بالرّكوع.
ومنها: ما لو خفّ بعد الذّكر والطمأنينة، فإنّه يقوم للاعتدال من الرّكوع، فإنَّ القيام من الرّكوع واجب، وإن كان الرّكوع عن جلوس، وذلك لإطلاق دليله، ولا يكفيه الانتصاب الجلوسيّ مع إمكان القيام.
ومنها: ما لو خفّ بعد الاعتدال قبل الطمأنينة. فالمعروف بينهم أنّه قام للطمأنينة فيه.
ولكن يرد عليهم: أنَّ الذي يظهر من الأدلّة أنّ الطمأنينة شرط في الاعتدال، لا جزء مستقل حتّى يجب تداركها بعد الاعتدال.
ومنها: ما لو خفّ بعد الطمأنينة، فقد ذكر جماعة منهم المصنِّف R هنا وفي الذكرى: أنَّ الأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام.
ولكن لا يخلو من إشكال، وذلك لِعدم اعتبار الهوي عن قيام في حقيقة السّجود، بل هو من لوازم هدم الاعتدال الواجب بعد الرّكوع، كيف ولو كان هذا القيام من حيث هو واجباً لوجب تداركه فيما إذا حصل الخفّ بعد الهوي إلى السّجود أيضاً ما لم يبلغ حدّه، مع أنّه لم ينقل القول به عن أحد، هذا كلّه مع ضيق الوقت عن الإعادة والتدارك.
وأمَّا مع السّعة فتجب إعادة الصّلاة في كلّ ما أتى به اضطراراً من الأجزاء لِما عرفت في مبحث الإجزاء من عدم إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي الاختياري إذا ارتفع العذر في الوقت، إلاّ أن يدعى التسالم على عدم الإعادة هنا.
وأمَّا ما ذكره السّيد أبو القاسم الخوئي R: من (أنّه لو كبّر قائماً وهو قادر، ثمّ طرأ العجز، فجلس وقرأ، ثمّ تجددت القدرة، فقام قبل الرّكوع، فإنّ هذه الصّلاة لا نقص فيها إلاّ من حيث وقوع القراءة حال الجلوس، فيتداركها ويعيدها قائماً، ولا يلزم منه إلاَّ زيادة القراءة والجلوس، وهي زيادة غير مبطلة، لكونه معذوراً فيها فيشملها حديث: لا تعاد.
وكذا قوله: لو طرأ العجز، وهو في الرّكوع القيامي، فجلس سواء سجد أم لا ثمّ تجددت القدرة، فإنَّه قد أخلّ بالقيام الواجب بعد الرّكوع، وهو، وإن لم يكن ركناً، إلاّ أنّه لا يسعه التدارك، لأنّ الواجب هو القيام المتّصل بالركوع، أعني رفع الرأس عنه منتصباً، لا مطلق القيام، وهذا لا يمكن تحصيله فعلاً إلاّ بإعادة الرّكوع المسلتزم لزيادة الرّكن، فمقتضى القاعدة حينئذٍ الإعادة، إلاَّ أنَّ مقتضى حديث (لا تعاد) عدمها، لِعدم كون القيام من الخمسة المستثناة، فلأجل ذلك يحكم بالصّحّة...).
فيرد عليه ، أنَّ حديث (لا تعاد) مختصّ بالناسي والجاهل القاصر، فلا يشمل المضطرّ، كما أنّه لا يشمل العالم العامد، ولا الجاهل المقصِّر، والله العالم بحقائق أحكامه.
(1) قال المصنِّف في الذكرى: (قد سبق جواز النافلة قاعداً للقادر على القيام، والأقرب عدم جواز الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القعود والقيام، لعدم ثبوت النقل فيه، مع أصالة عدم التشريع. والاعتذار بأنَّ الكيفيَّة تابعة للأصل فلا تجب كالأصل مردود، لأنّ الوجوب هنا بمعنى الشّرط كالطّهارة في النافلة وترتيب الأفعال فيها).
وذكر مثله صاحب المدارك R، ووافقهما جماعة من الأعلام، وقلنا سابقاً عند البحث عن جواز الجلوس اختياراً في النافلة أنّ الإنصاف هو ما ذكره صاحب المدارك R، وفاقاً للمصنف R، لأنّه هو المعهود من الصّلاة وأجزائها وشرائطها.
ولولا ورود الرّوايات على جواز فعلها من جلوس لمَا ذهبنا إلى ذلك، لأجل ما ورد من كون القراءة في الصّلاة عن قيام، وكثير منها مطلق، هذا كلّه في حال الاختيار.
وأمَّا في حال العجز إلاّ عن الاضطجاع أو الاستلقاء فلا إشكال في فعل النافلة كذلك، والله العالم بحقائق أحكامه