الدرس 200_ في آداب التجارة (2).جملة من مستحبات ومكروهات التجارة
الدرس 200 / الخميس: 23-تشرين الأول-2021
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وتقديم الاستخارة، والسُّهولة والحِلْم، وإيفاء الكَيْل والوَزْن، والاقتراب من المتبايعَيْن، بذلك أوصى عليٌّ (عليه السلام). (انتهى كلامه)
(1) يستفاد ذلك من بعض الرِّوايات:
منها: رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) عندكم بالكوفة يغتدي كلّ يوم بكرة من القصر، فيطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدِرّة على عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمَّى السِّبينة، فيقف على أهل كلِّ سوق، فينادي: يا معشر التُّجار! اتَّقوا الله، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم وارعوا إليه بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فيقول: قدِّموا الاستخارة، وتبرَّكوا بالسُّهولة، واقتربوا منَ المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عنِ اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عنِ الظُّلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الرِّبا، وأوفوا الكَيْل والميزان، ولا تبخسوا النَّاس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فيطوف في جميع أسواق الكوفة، ثمَّ يرجع فيقعد للنَّاس»[1]f387، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عَمْرو بن أبي المقدام، كما أنَّها ضعيفة في الفقيه بالإرسال.
نعم، روى مثلها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في المجالس بطريق حَسَنٍ رواها عن، أبيه عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن عبد الرحمان بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمَّد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام).
وقوله: «والدِّرَّة على عاتقه»، هي بكسر الدَّال السَّوط، وقال في كتاب مجمع البحرين «الدِّرَّة بالكسر : التي كان يضرب بها...».
أقول: السِّبْينة بكسر السِّين وسكون الموحدة قبل المثنَّاة الفوقانيَّة : هي جلود البقر تحذى منها النعال.
وبناءً عليه، يمكن أن تكون درَّته (عليه السلام) مأخوذة منها.
ثمَّ إنَّه قد ذكرنا سابقاً في باب صلاة الاستخارة أنَّ أحد معانيها هو طلب الخير منه سبحانه وتعالى، وهو المراد هنا، أي طلب الخير في البيع والشِّراء، مع احتمال إرادة المعنى الآخر، وهو طلب الخيرة من الله سبحانه تعالى.
ومنها: ما رواه ابن طاووس في كتاب الاستخارات عن أحمد بن محمَّد بن يحيى «قَاْل: أَرَاد بعضُ أوليائِنا الخروج للتِّجارة، فَقَاْل: لَاْ أخرجُ حتَّى آتي جعفر بن محمَّد (عليه السلام)، فأُسلِّم عليه وأستشيره في أمري هذا، وأسألُه الدُّعاء لي، قال: فأتاه، فقال له: يا بن رسول الله! إنِّي عزمتُ على الخروج إلى التِّجارة، وإنِّي آليتُ على نفسي أنْ لَاْ أخرج حتَّى ألقاك وأستشيرك، وأسألك الدُّعاء لي، قال: فدعا له، وقال (عليه السلام): عليكَ بصِدْقِ اللِّسَان في حَدِيثِك، ولَاْ تكتُم عَيْباً يكون في تجارتِك، ولا تغبن المُسْترسِل، فإنَّ غُبْنه لا يحلُّ، ولَاْ ترضَ للنَّاسِ إلَّا ما ترضى لنفسِك، وأعطِ الحقَّ وخُذْه، ولا تُخْفِ ولا تخنْ، فإنّ التَّاجر الصَّدوق مع السَّفرة الكرام البررة يوم القيامة، واجتنب الحَلْف، فإنَّ اليمين الفاجرة تُورِث صاحبَها النَّار، والتَّاجر فاجر إلَّا مَنْ أعطى الحقَّ وأخَذَه، وإذا عزمتَ على السَّفر أو حاجة مهمَّة فأكثر الدُّعاء والاستخارة، فإنَّ أبي حدثني، عن أبيه، عن جدِّه أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يعلِّم أصحابَه الاستخارةَ كما يعلِّم السُّورة منَ القرآن...»[2]f388، والاسترسال الاسيتناس والطُّمأنينة إلى الإنسان والثِّقة به فيما يحدِّثه. وهذه الرِّواية ضعيفة بالإرسال؛ لأنَّ ابن طاووس (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى أحمد بن محمَّد بن يحيى.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: والتَّسوية بين المماكس وغيره، (انتهى كلامه)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه يستحبّ للبائع أن يساوي بين المتبايعين في الإنصاف بالنِّسبة إلى الثَّمن وحُسْن البيع، فيكون الصَّغير عنده بمنزلة الكبير، والغنيّ كالفقير، والمجادل كغيره من الَّذي لا يماكس.
وقد يستدلّ لذلك: برواية عامر بن جذاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه قَاْل في رجلٍ عنده بيع، فسعَّره سعراً معلوماً، فمن سكت عنه ممَّن يشتري منه باعه بذلك السِّعر، ومَنْ ماكسه وأبى أن يبتاع منه زاده، قال: لو كان يزيد الرَّجلين والثَّلاثة لم يكن بذلك بأس، فأمّا أن يفعله بمَنْ أبى عليه وكايسه، ويمنعه مَنْ لم يفعل فلا يعجبني، إلَّا أن يبيعه بيعاً واحداً»[3]f389.
وقوله: «عنده بيع»، أي متاع يبيعه، والمراد بقوله: «ومَنْ ماكسه وأبى أن يبتاع منه زاده»، أي مَنْ ماكسه نقَّص له السِّعر وزاده منَ المتاع.
ثمَّ إنَّه قد يقال: إنَّه لا بأس بالمراعاة في نقص الثَّمن وغيره بسبب زيادة الإيمان والفقر والتَّقوى والعلم، ونحو ذلك ممَّا يحسِّنه العقل والشَّرع، مع أنَّه قيل فيه: إنَّه يكره للمبذول له قبول ذلك، بل يحكى عن السَّلف أنَّهم كانوا يوكلون في الشِّراء مَنْ لا يعرف؛ هرباً من ذلك.
ومن هنا، قد يقال: إنَّ تجويز الرَّجلين والثَّلاثة المذكورين في الرِّواية لعلَّه من هذه الجهة، وهي جهة العلم والإيمان والفقر، ونحو ذلك.
والَّذي يهوِّن بالخطب: أنَّ الرّواية ضعيفة بالإرسال، وبعدم وثاقة معلَّى بن محمّد، وعامر بن جذاعة، والرِّوايات الواردة في مدح ابن جذاعة وذمِّه كلّها ضعيفة السّند، ووجوده في كامل الزّيارات لا ينفع؛ لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه المباشرين.
ثمَّ إنَّه مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند ذكر بعض الأعلام أنَّه لا فرق في فوات استحباب التّسوية بين إعلامه وعدمه.
لكن عنِ السَّرائر: «إذا كانوا أي المبتاعون عالمين بالأسعار وبما يباع فلا بأس بأن يبيع كلُّ واحد بغير سعر الَّذي باعه للآخر مع علمه».
وفيه: أنَّه خلاف إطلاق الرِّواية بناءً على العمل بها.
هذا، وذكر صاحب الجواهر (رحمه الله) أنَّه: «لا بأس بإلحاق غير البيع فيه، كالإجارات للحمامات والخانات، ونحو ذلك»، وفيه: أنَّ الإلحاق يحتاج إلى تنقيح المناط، وهو غير موجود هنا، والله العالم.
والخلاصة: أنَّ الحكم مبنيّ على التّسامح في أدلَّة السُّنن، وقد عرفت ما فيها.