الدرس 1171 _كتاب الخمس 51
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وإن تعدّدت بقاعها.
ذهب جماعة من أفاضل العامليِّين، كالمصنِّف هنا، والشَّهيد الثَّاني في المسالك، وصاحب المدارك (رحمهم اﷲ)، إلى أنَّه لا فرق بين ما يخرج من معدن واحد أو معادن متعدِّدة إذا بلغ مجموع الخارج منها نصاباً، وصرَّح بذلك أيضاً كاشف الغطاء (رحمه اﷲ)؛ وذلك لإطلاق الأدلَّة.
وهذا خلافاً لجماعة من الأعلام، منهم الشَّيخ الأنصاريّ (رحمه اﷲ) حيث ذهبوا إلى اعتبار اتِّحاد المعدِن، ووافقهم صاحب الجواهر (رحمه اﷲ)؛ لانصراف الصَّحيحة الدالّة على اعتبار النِّصاب إلى المعدِن الواحد.
ولكنَّ هذا الانصراف بدويٌّ يزول بالتّأمُّل، وبالأخصّ فيما إذا كانت المعادن متقاربةً.
وعليه، فما ذهب إليه المصنِّف (رحمه اﷲ) وغيره من الأعلام هو الصَّحيح، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وأنواعها.
المعروف بين الأعلام ومنهم المصنِّف (رحمه اﷲ) هنا أنَّه لا يُعتبر اتِّحاد جنس المخرَج، فلوِ اشتمل المعدِن على جنسَيْن أو أزيد، وبلغ قيمة المجموع نصاباً، وجب إخراج خُمُسه. وجزم به صاحب الجواهر (رحمه اﷲ) والعلاَّمة (رحمه اﷲ) في المنتهى، حيث قال: (ولو اشتمل المعدِن على جنسَيْن، كالذَّهب والفضَّة مثلاً، ضمّ أحدهما إلى الآخر، وكذا ما عداهما، وقال بعض الجمهور: لا يضمّ أحدهما إلى الآخر، وقال آخرون: لا يضمّ في الذَّهب والفضَّة...)([1]).
أقول: الظَّاهر أنَّ المسألة اتِّفاقيّةٌ عند مَنِ اعتبر النِّصاب، والدَّليل على ذلك صحيحة البزنطيّ المتقدِّمة، فإنَّها مطلقةٌ من هذه الجهة، فتشمل ما لو كان الخارج من جنس واحد كما لو كان كلّه من الذَّهب أو الفضّة ونحوهما أو كان من أجناس متعدِّدة، كما لو كان من الذَّهب والفضّة والنُّحاس والرَّصاص، وغيرها، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولا بين كون المخرِج مسلماً، أو كافراً بإذن الإمام (عليه السلام)، أو صبيّاً، أو عبداً.
المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق بين كون المخرِج مسلماً أو كافراً أو صبيّاً أو عبداً، منهم المصنِّف (رحمه اﷲ) في البيان، حيث قال: (ولا فرق بين كون الآخذ من المعدِن مكلَّفاً أو لا، حُرّاً أو عبداً...)([2]).
وقلنا سابقاً عند قول المصنِّف (رحمه اﷲ) في الكنز: (ولا بين الواجدين حتَّى العبد والكافر والصَّبيّ): هذا هو مقتضى إطلاق الأدلَّة، حيث لم تُقيَّد بكون المخرِج حُرّاً، ولا كونه مسلماً.
وعليه، فإذا كان المخرِج عبداً كان ما أخرجه له؛ لأنَّه يملك كما تقدَّم وعليه الخُمُس. وعلى القول الآخر كان ما أخرجه لمولاه، وعليه الخُمُس.
وأمَّا إذا كان المخرِج كافراً فهو له، وعليه الخُمُس؛ لما ذكرنا في أكثر من مناسبة من أنَّ الكفَّار مكلَّفون بالفروع، كالأصول، ويجوز للحاكم الشَّرعيّ إجبارُ الكافر على دفع الخُمُس عمَّا أخرجه، وقد تقدَّم وجهه في الزَّكاة.
وأمَّا إذا كان المخرِج غير مكلَّفٍ، كما لو كان صبيّاً أو مجنوناً فهو لهما، ويجب على وليّهما إخراج الخُمُس؛ لما هو الصَّحيح عندنا وفاقاً للمشهور من عدم سقوط الخُمُس عن الصَّغير والمجنون، واﷲ العالم.
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو اتَّجر بالمعدِن أو الكنز خمّس ربحهما بعد المؤونة.
إذا اتَّجر المالك بالمعدِن أو الكنز قبل أن يُخرج خُمُسه، ثمَّ ربح بهذه التِّجارة، فقد ذكر بعض الأعلام: أنَّه إذا كان ناوياً قبل الشِّراء أن يُؤدِّي الخُمُس من مال آخر، ثمَّ أدَّاه بعد الشِّراء، فالرِّبح كلّه له.
وأمَّا إذا اتَّجر به من غير نيّة الإخراج من غيره، فالرِّبح مشتركٌ بينه وبين أرباب الخُمُس.
وفيه: أوَّلاً: أنَّ نيَّة الإخراج من مال آخر متوقِّفةٌ على جواز نقل الخُمُس من العين إلى الذِّمّة بمجرّد النِّيّة، ولا دليل عليه.
وبالنتيجة: فإنّه لا أثر لنيّة الإخراج من مال آخر.
وثانياً: أنَّ صحّة التِّجارة به سواء أَنَوى الإخراج من مال آخر أم لا متوقِّفةٌ على إجازة الحاكم الشَّرعيّ، فإذا أجاز كان البيع بمقدار الخُمُس صحيحاً، ويكون الرِّبح مشتركاً بين المالك وبين أرباب الخُمُس.
وأمَّا إذا لم يُجز الحاكم الشَّرعيّ البيع، بطَلَ البيع في مقدار الخُمُس، فيستردّ حينئذٍ ماليّة هذا المقدار الَّتي هي متعلَّق الخُمُس.
ثمَّ إنَّه قد يُقال: إنَّ البائع له ولاية البيع، ولا يحتاج إلى إجازة الحاكم الشَّرعيّ.
وعليه، فيكون الرِّبح مشتركاً بين المالك وبين أرباب الخُمُس، كما هو محكيّ عن العلاَّمة (رحمه اﷲ) في التَّذكرة والمنتهى.
([1]) المنتهى: ج1، ص549.
([2]) البيان: ص342.